في غزة .. الموسيقى بين الموهبة والتقاليد

images (1)

أميرة الزبيدي – CMC

كما كانت غزة دوماً محط التقاء الحضارات , رغم ما مر بها من مآسٍ و حروب و ويلات, أصبحت بعد حصارها من كل الجهات كالصندوق المفقود , المليء بالجواهر المميزة و المواهب و القدرات الدفينة التي يمتلكها شباب و أهل هذه المدينة الاستثنائية النائية عن هذا العالم , و بكل ما أوتيها من قوة تقاوم من أجل أن تثبت وجودها على خارطة هذا العالم الذي يصارع ذاته.
ريم عنبر (24عام) أحد هذه الجواهر المميزة فهي أول فتاة غزية تعزف على آلة العود , تقول :”في عمر 8 سنوات بدأت العزف على آلة الأورغ في المدرسة , فشاركت في العديد من المسابقات، وكنت دائماً أحرز المرتبة الأولى، وعندما أصبحت في عمر 11 سنة ذهبت إلى مركز هولست الثقافي لتعلم العزف على آلة العود “.

*** الفتاة العازفة

وفي أول يوم اكتشفت أن العزف على آلة العود هي موهبة لديها , فلم تستغرق الكثير من الوقت في التعلم , وسرعان ما أصبحت قادرة على عزف الألحان سماعياً , وبعد ثلاث سنوات مثلت فلسطين خلال مسابقة دولية للعزف على العود في مدينة برشلونة الاسبانية ، وقبل انتهاء دراسة الثانوية العامة عملت في مجال الموسيقى مع عدة مؤسسات منها : مركز معاً التنموي, الأونروا , مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي .
وعملت أيضاً في بعض مشاريع اليونيسيف، وكان لها تجربة في مجال الأفلام الموسيقية ففازت بجائزة أفضل فيلم موسيقي , ضمن مسابقة أجرتها مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، بالإضافة إلي عملها في مجال المسرح حيث شاركت في مسرحية “نساء غزة وصبر أيوب”، وحالياً تشارك في مسرحية “الحكواتي” مع مؤسسة أيام المسرح”.
وفي الحديث عن الوضع الثقافي والفني في قطاع غزة , ونظرة المجتمع للفتاة كعازفة , تضيف ريم :” نعيش في مجتمع شرقي محافظ يرى عمل الفتاة في مجال الموسيقى أمر غير محبب , ففي بداياتي تلقيت العديد من التعليقات والكلمات المحبطة التي أثرت بي و لولا دعم عائلتي وتشجيعهم لي لما استمررت في عزف العود “.
وواصلت حديثها وهي تحتضن عودها: المؤسسات الثقافية والفنية محدودة في القطاع , وأغلبها تطلب مقابل مادي باهظ من أجل تعليم الموهوبين ومساعدتهم علي تنمية مواهبهم وصقلها , إلا أن هذا لا ينفي أن الوعي الثقافي والفني في تزايد مستمر بين صفوف الشباب الغزي , وهناك الكثير من المواهب الشبابية الملفتة للنظر ولكن تحتاج لمؤسسات تحتضنها وتدعمها”.

*** موسيقى الزوايا الإسلامية

من ناحيته تحدث اسماعيل داود (ماجستير في الموسيقى والعلوم الموسيقية – تونس) عن واقع الموسيقى في قطاع غزة قائلا:” تعليم الموسيقى في قطاع غزة ما زال محدود وغير منتشر , خصوصاً أن عدد المعاهد والمراكز التي تهتم بهذا الفن قليلة , و تكاد لا تزيد عن معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى والمركز الفلسطيني للثقافة والموسيقى , بالإضافة إلى بعض المؤسسات الثقافية التي تعلم الموسيقى بشكل ثانوي وخاص للراغبين فقط “.
وأكد على أن قلة المراكز المهتمة بالموسيقى ناتج عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع الغزي، فعند الحديث عن الوضع الاجتماعي ونظرة المجتمع للموسيقى ومتعلميها , هناك نظرة سلبية ناتجة عن اعتقاد مغلوط لدى الناس أن تعليم الموسيقى خاصة بين الفتيات يتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع , و عدم إيمانهم بالموسيقى كعلم وفن يختص في كثير من العلوم الإنسانية.
وأشار داود إلى ان للموسيقى العديد من الفوائد حيث تهذب النفس الإنسانية , وتوسع مدارك العقل وتعطيه فسحة للتأمل والهدوء , و تعلم عازفيها الدقة و التركيز , بالإضافة إلى أن هناك ما يسمى بالطب النفسي الموسيقي , الذي يستخدم أنواع معينة من الموسيقى مثل: الموسيقى الصوفية و موسيقى الزوايا الإسلامية , التي يتجاوب معها الإنسان بصورة تلقائية , و ينتقل من واقعه إلى عالم أخر يتخلص فيه من همومه و عقده النفسية ليعود إلى صفائه الروحي و الذهني “.
و يضيف الأستاذ اسماعيل :”الأوضاع الاقتصادية تشكل عقبة رئيسية أمام انتشار تعلم الفنون الموسيقية، فالدروس الموسيقية مكلفة من جهة , ومن جهة أخرى الآلات الموسيقية باهظة ونادرة في القطاع مما يجعل بائعيها يطلبون ضعف ثمنها الأصلي , بالإضافة إلى أعباء الحياة الأساسية التي تقع على كاهل المواطن الغزي من غلاء معيشة , وانقطاع تيار كهربائي مستمر , واغلاق معابر … إلى آخره”.
يختتم اسماعيل داود حديثه بالقول :”نتأمل نحن كموسيقيين نشر الفنون الموسيقية وعلومها , و زيادة الكوادر الموسيقية المؤهلة أكاديمياً , و أن نغير نظرة المجتمع اتجاه الموسيقى من نظرة تقليدية ضيقة لنظرة رقي ومعرفة وحضارة، لتصبح الموسيقى مادة تدرس في المدارس , وتخصص معتمد في الجامعات الغزية ، ونحن متفائلين أن واقع الموسيقى سوف يصبح أفضل , و لكن هذا يحتاج لعمل مستمر على مدار سنوات”.

الرابط المختصر : http://ywjournalists.org/ar/?p=202

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى