عبد الكريم وسهاد.. طفلان يعيلان أسرة

عبد الكريم وسهاد.. طفلان يعيلان أسرة

غزة – هبة أبو عقلين:

“منذ ساعات الفجر أذهب مع أخي إلى المخبز نشتري الخبز، ثم نقف في الشارع طوال اليوم لنبيعها حتى نجد ما يسدّ جوع عائلتنا، لا أستطيع تحمّل الوقوف لساعات طويلة، ولكني مضطرة”.

بهذه الكلمات، تحدّثت الطفلة سهاد أبو العنزين (9 سنوات)، عن معاناها اليومية في بيع الخبز هي وشقيقها عبد الكريم (11 عامًا)، فقد فرضت عليهم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ظروفًا لم يتوقعوها، وقلبت حياة عائلتهم تمامًا.

منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023م، نزحت عائلة الطفلين من بيتهم المستأجر في جباليا شمال قطاع غزة، بعدما أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي سكّان شمال القطاع على ذلك، ومن نزوح إلى آخر، استقرّ بهم الحال في خيمة جنوب القطاع، ومع دخول الهدنة التي وقعتها الفصائل الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ في 19 يناير 2025م، عادوا إلى غزة، ولكن بظروف مختلفة.

داخل خيمة صغيرة بمخيم اليرموك وسط مدينة غزة، تقيم عائلة الطفلين المكوّنة من ستة أبناء إلى جانب الوالدين.

تقول أمهما هنادي أبو العنزين (32 عامًا):”نزحنا من بيتنا في معسكر جباليا تحت وطأة القصف، وحين شهدت مدينة غزة مجاعة، نزحنا مجددًا إلى الجنوب حيث المجاعة أقلّ حدة، وحين توقفت الحرب بمرحلتها الأولى عدنا، ولكن لم نجد سوى الشارع، وبعد معاناة طويلة، عثرنا على مكان هنا وضعنا فيه خيمتنا، لنعيش مجددًا ذات الظروف القاسية، أنا أعاني من إعاقة في قدمي، ما يجعل هذه الظروف قاسية عليّ”.

أصبحت حياة أسرة هنادي أكثر قسوة، فزوجها لا يستطيع مساعدتها كما السابق، كونه يعاني من أمراض الضغط والسكر ورفة القلب، فتوّلت وحدها المهام اليومية في إشعال النار والطبخ على الحطب، ومع تزايد الألم والضغوط اضطر طفليها سهاد وعبد الكريم للنزول إلى سوق العمل في هذا السن المبكّر.

بعيونٍ أثقلها تعب قلة النوم، يقول عبد الكريم: “كنت أحبّ المدرسة، كانت عالمي الصغير، لم أعد أستطيع مواصلة التعليم، يوميًا نذهب أنا وسهاد إلى المخبز، نشتري الخبز ونقف ساعات تحت أشعة الشمس لنبيعه للناس ونكسب بعض المال وأحيانًا لا أبيع شيئًا، في شهر رمضان كنت أخرج بعد صلاة العشاء لبيع الخبز في الشوارع حتى الليل، رغم أني كنت أتعب ولا أستطيع التحمّل”.

تختنق الكلمات على شفاه عبد الكريم، وهو يكمل بصوتٍ متحشرجٍ أقرب للبكاء: “البيع في الشوارع صعب جدًا، الجو خانق، الحرارة لا تُطاق، لكني لا أستطيع التوقّف عن البيع، أفكّر في أمي وإخوتي، فهم كل ما تبقّى لي، ونحن وحدنا هنا، لا أحد يساعدنا”.

ويتنافى ما تتعرض له العائلة مع اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (27) على ضرورة ألا يتعرض المدنيون وخاصة النساء والأطفال للأعمال التي قد تسبب لهم المعاناة أو التهديد لحياتهم بسبب الحرب، وفي حالات النزوح القسري، يجب أن يتم توفير مكان آمن ومؤقت للمدنيين، مع ضمان توفير الخدمات الأساسية.

تحمّلت هنادي معاناة تفوق قدرتها، كما تروي، فرغم إيمانها أن الصبر مفتاح الفرج، لكنها ترفض تصديق ما تعيشه من مأساة، فجحيم الحرب لا يميز بين صغير وكبير ولا رجل وامرأة، أطفالها يقفون في الشوارع لبيع الخبز من أجل بضعة شواقل، بينما كانت أحلامهم أن يعيشوا حياة عادية، لكن الحرب سلبت منهم طفولتهم وأبسط حقوقهم.

تضغط عيناها بقوةٍ وتكمل: “أنا وزوجي نحتاج أدوية، الحصول عليها أصبح معركة يومية، الأسعار تضاعفت، والأدوية شبه معدومة، ننتظر أيامًا لنحصل على ما نحتاجه، وأعيش القلق أن نصل لمرحلة ألا نجد ما يعيننا على العيش، هذا الوضع يفوق طاقتنا”

تلتفت صوب صغيرها أمير (8 سنوات) وتضيف: “أولادي هم أغلى ما أملك، أمير أصيب بحروق شديدة خلال قصف عندما كنا نازحين في رفح، والآن سهاد وعبد الكريم يُحرقان بسبب الوقوف تحت الشمس، ويتحملون عبئًا لا ذنب لهم فيه”.

عودة إلى الطفلة سهاد، والتي كانت تستمع لحوار أمها وشقيقها، فعقّبت بلهجةٍ يائسة:” كنت أحب المدرسة، معلماتي كانوا طيبات، والفصل كان جميلًا، لكن الحرب دمرت كل شيء، أنا لا أذهب إلى المدرسة، بل أذهب مع عبد الكريم لنبيع الخبز، ذات مرة أصبت بالإغماء بسبب التعب والازدحام”.

وتختم بتنهيدة قوية: “أمي تقول لنا اصبروا، الحياة سوف تتحسن، كل ما أتمناه أن أراها سعيدة، وألا نقف تحت أشعة الشمس، وأن تعود حياتي كما كانت”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى