القانون والتعامل مع ظاهرة العنف بأشكاله المختلفة

هناء أبو قوطة

يشكّل العنف ضد النساء والفتيات والأطفال انتهاكاً خطيراً بحق المرأة في المجتمع الفلسطيني، وتُقدّر إحصائيات متخصصة أن عدداً كبيراً من النساء اللاتي كان لهن شريك في الماضي قد تعرّضن للعنف الجسدي أو الجنسي من الشريك في مرحلةٍ ما من حياتهن.

وتسود أشكال مختلفة من العنف في فلسطين، بما في ذلك جرائم القتل المتعلقة بـ”الشرف” والزواج المبكر والقسري والمؤقت وغيرها، مما ينعكس بآثار وعواقب جسدية ونفسية على المدى القصير والطويل، يصل إلى حد الانتحار، كما يحول العنف دون مشاركة النساء بشكلٍّ كامل في المجتمع بشكل صحي وسليم؛ بل وتمتد العواقب الوخيمة إلى عائلاتهنّ.

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)

غالباً لا تتناول التشريعات والقوانين جميع أشكال العنف ضد المرأة بصورة شاملة، وكثيراً ما تكون آليات إنفاذ القانون غير كافية، وبالنظر الاطار المعياري والذي يتطلب مواءمة القوانين مع الاتفاقيات الدولية في القضاء على العنف ضد المرأة فإنه يشمل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وإعلان الأمم المتحدة لعام1993 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة.

ورغم أن بلدان المنطقة كلها تقريباً أطرافٌ في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فقد أبدت كلٌ منها تحفظات عامة أو محددة على الاتفاقية بأكملها أو على مواد مُعيّنة بها، مما يؤثر على التنفيذ الفعال للاتفاقية في تلك البلدان.

كما أن البروتوكول الاختياري لاتفاقية سيداو، والذي تحدد الوسائل الإضافية لإيصال الشكاوى إلى هيئة الخبراء الدولية المُكلّفة باستعراض تنفيذ البلدان للاتفاقية، لم تصدّق عليه سوى ثلاثة من بلدان المنطقة فقط هي: المغرب وتونس وليبيا.

(سيداو) في فلسطين

لكن في فلسطين تسود حالة من الجدل في أوساط مجتمعية فلسطينية، حول تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، التي يقول البعض إنها لا تتوافق مع القوانين والأعراف الفلسطينية.

وتصاعد الجدل عقب إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قراراً بقانون “حدد فيه سن الزواج للجنسين بثمانية عشر عاماً، ويستثنى منه حالات محددة بقرار من المحكمة المختصة”.

واعتبر القرار إيذاناً ببدء تطبيق اتفاقية “سيداو” التي انضمت لها دولة فلسطين، في الأول من إبريل/ نيسان 2014، دون إيراد أي من التحفظات على موادها.

وعن أبعاد وانعكاسات الإجراءات القانونية المتبعة مع المُعنف وتطبيق اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التقينا المحامي والخبير القانوني د. يحيى محارب، محامي مركز الميزان لحقوق الإنسان، والذي عقب على الإجراءات القانونية المعمول بها اتجاه المُعنف قائلاً: “إنها إجراءات قانونية كأي إنسان يتعرض لانتهاك أو اعتداء من أحد، فله الحق بتقديم شكوى لدى الجهات إما الشرطية أو التوجه للنيابة بشكل مباشر، وعلى الجهات المعنية فتح تحقيق في ادعائه، وتأكيد صحة ادعائه.

وأضاف: “مع الأسف الشديد إن الواقع مختلف عما ينص القانون، ونحن نتعامل مع قضايا العنف الأسري من وجهة نظر اجتماعية، أكثر من أنها قانونية وهذا يزيد فرص تكرار الاعتداء، وأيضاً هناك أطفال يتعرضوا لوسائل عنف من قبل القائمين على رعايتهم سواء كانوا أهاليهم أو في دور الرعاية، مشيراً إلى وجود قانون الطفل وهو ينظم حقوق الطفل ويوضح آلية التعامل مع الأطفال الذين يمكن أن يتعرضوا لأشكل مختلفة من العنف وتحديد الاجراءات التي يمكن أن يتم اتخاذها لاحقاً.

وقال المحامي محارب إن السلطة الوطنية الفلسطينية انضمت لثمانية وتسعين اتفاقية دولية وهذا الالتزام يتطلب منها العمل على تعديل قوانينها بناء على ما هو منصوص عليه في اتفاقية سيداو، واتفاقية الطفل الدولية والعهد الدولي الخاص بالحقوق بما يتلائم مع الالتزامات الدولية الجديدة لتشديد على حماية الأشخاص الذين يتعرضون لأشكال مختلفة من العنف ومعاقبة الأشخاص الذين يقومون بممارسة العنف ضدهم.

وعن تأثير انتشار فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق قال المحامي محارب: “بالفعل نحن جزء من هذا العالم والجميع تأثر بجائحة كورونا وما تبعها من إغلاقات أدت الى التأثير بشكل سلبي على الأسرة والعلاقات الاسرية بين افرادها، حيث أصبح المكوث بشكل أكبر في المنزل للرجال وهو ما يعني احتكاك أكثر ما بين رب الأسرة وزوجته وابنه وبنته وأخته وعائلته عموماً، وهذا سبب ضغوطات نفسية واجتماعية أكثر، وكان له الدور المهم في ازدياد عملية العنف ما بين الأفراد والأسرة وما بين بعضهم والبعض الآخر.

وحول القتل على خلفية ما يسمى بـ”شرف العائلة” قال المحامي محارب: “لا يوجد شيء في القانون اسمه قتل على خلفية الشرف هي جريمة قتل وحرمان شخص ما من الحق في الحياة وهو يستوجب معالجة قانونية بإقرار قانون عقوبات فلسطيني وكذلك معالجة مجتمعية تساهم في تغير نظرة المجتمع للشخص المقدم على جريمة قتل داخل عائلته.

ووجه المحامي محارب نصيحة للسيدات قائلاً: “في كثير من الأحيان تسكت النساء على حقوقهن ولا تقوم بالإبلاغ عما تتعرض له من أشكال عنف مختلفة، وهو ما يعقد الأمور ويزيد تفاقم معاناتهن لذا يجب عليهنّ الإبلاغ عما يتعرضن له من أشكال وصنوف عنف مختلفة كي يتم علاج الظاهرة والقضاء عليها”.

تم إنجاز هذه المادة الصحفية من قبل مركز الإعلام المجتمعي، وبدعم مباشر من برنامج “سواسية” البرنامج المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”: تعزيز سيادة قانون في فلسطين.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى