النساء المعنفات.. قصص مأساوية يزيدها قسوة ثقافة العيب والعادات والتقاليد
وصال ضهير
يحكم مجتمعنا الغزي عادات وتقاليد معقدة، تجعل النساء تخاف على سمعتهن ووضعهن الاجتماعي ونظرة الناس لهن، ويزداد هذا الخوف مع عدم معرفة الكثير من النساء بحقوقهن وكيفية التعامل معها بشكل قانوني أو قضائي.
وبرغم من الازدياد الملحوظ لحالات العنف ضد النساء حيث بلغت نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف بكل اشكاله من المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج في قطاع غزة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2019 بلغت نسبة انتشار العنف 37.5%.إلا أن الجهود المبذولة من قبل الجهات المسؤولة لازالت بحاجة لمزيد من الدعم والقوة لإسناد النساء اللواتي تعرضن للعنف بشكل حقيقي وجاد.
اصبري، تحملي
“ح.أ” 37 عاماً أم لـ 10 أبناء أصغرهم يبلغ من العمر 10 أشهر، أُجبرت على إنجاب هذا الكم من الأبناء بسبب الضغوطات المستمرة عليها من أهل زوجها وتهديدها بتزويج ابنهم عليها إذا توقفت عن الإنجاب.
تقول لم يأخذوا موافقتي عند الزواج وتزوجت في غضون 4 أيام وتحديداً يوم استشهاد أبو عمار.
“تزوجت في بيت العائلة وبقيت فيه حتى يومنا هذا، وأنا حالياً مهددة بالطرد مع أبنائي وزوجي منه بسبب مشاكل الميراث”.
وتضيف أنها دخلت لغرفة العناية المشددة في المستشفى بسبب التعرض للعنف الجسدي بالآلات الحادة على رأسها من قبل زوجها، وتقول: “زوجي شخص عاطل عن العمل ومتعاطي للمخدرات، يقوم بضربي بالطورية على رأسي”، وقد امتنعت عن التبليغ عنه واتخاذ أي اجراء قانوني لأن والدتي دائماً تقول لي: “عيشي يما وارضي بنصيبك، اصبري وتحملي” واضطرت عائلتي الكذب على الطبيب وإخباره أنني وقعت من على الدرج فقط.
وتضيف زوجي تعرض للعنف الاسري وهو صغير على يد والدة وزوجة والده فبالتالي يقوم بتعنيفي وضربي أنا وأطفالي، وعندما يهدئ يشعر بالندم ويبكي بشكل هستيري ويطلب منهم مسامحته.
وتكمل “ح.أ”: كتبت على نفسي كمبيالة قدرها 500 دينار أردني وعالجت زوجي من تعاطي الأترمال، ولكن ابن عمه جعله يتعاطى الحشيش والمخدرات، وفي إحدى الأيام كنت خارج المنزل وعند عودتي وجدته يطلب من ابنتي الكبرى أن تلف له سيجارة الحشيش وعندما رفضت قام بتعليقها من شعرها في سقف الغرفة ووضعنا جميعاً فوق بعضنا أنا وأولادي وضربنا ضرباً مبرحاً.
تقول “ح.أ”: ” يقوم زوجي أحياناً بتقليع أسنان أطفالي بالقصافة، ويربطهم طيلة الليل خارج المنزل حتى في الشتاء”، ولكي تتقي شره تخرج أطفالها خارج المنزل طيلة النهار حتى لا يراهم والدهم ويقوم بضربهم وتعذيبهم، وتذهب هي للعمل في الزراعة لسد احتياجاتهم اليومية.
وتؤكد “ح.أ” أن زوجها بدء منذ حوالي الشهرين مرحلة العلاج من الإدمان والعلاج النفسي، وأنها لاحظت تحسن كبير على صحة زوجها النفسية وأصبح تعنيفه لهم أقل بكثير من ذي قبل.
الهروب من جحيم الأب إلى جحيم الزوج
“ل. س” 29 عام من سكان مدينة رفح، مطلقة ولديها طفلة عمرها 8 سنوات، تزوجت بعمر 20 سنة وعاشت في منزل عائلة زوجها ومنذ البداية كان يضربها ويهينها فلم يستمر زواجها إلا أشهر معدودة.
تقول “ل. س”: ” أبوي مريض نفسي كان يتحرش بي لذلك قبلت بهذا الزواج وبكل ما فيه من عنف وأذى نفسي وجسدي كي أهرب من واقعي المرير عند أهلي”.
وتستأنف حديثها قائلة: “تفاجأت بعد زواجي منه أن لديه زيادة كهرباء في جسمه”، وتفاجأت أيضاً بعدم وجود منزل ثابت لهم فهم يعيشون في خيام على أرض حكومية من أجل رعي أغنامهم، ولكن الحكومة قامت بطردهم من الأرض.
“..كان يضربني على أتفه الأسباب مثلاً إذا لم أغسل ثياب إخوانه الشباب، وفي مرة قام بضربي على عيني 3 لكمات متتالية حتى أصبحت مورمة، وكنت حامل في شهوري الأولى وقتها فقررت العودة لمنزل والدي وتركه لكنه منعني من الذهاب”.
بعد أيام ذهبت للمستشفى لأن عيني ازدادت سوء وهناك أنكر أنه ضربني على عيني بشكل مباشر ومتعمد بل قال للطبيب أن الخروف ضربني برجله!!
وبعد 15 يوماً من الحادثة تحايلت عليه وأخبرته أنني أريد الذهاب لزيارة عائلتي وعندما وصلت أخبرته أنني لن أعود معه وبقيت 4 أشهر، وعندما عدت ضربني مرةً أخرى وذلك عند مطالبتي له ببناء حمام خاص بي، لأنه لا يوجد لدى عائلته حمام قريب في المكان الذي يعيشون فيه فالحمام يبعد عن المنزل حوالي 10 متر، ذهبت مرة أخرى لمنزل والدي وعندها أكد لي أنه قام ببناء حمام وعندما ذهبت وجدته يكذب بل ولم أجد أثاث غرفة النوم.
وتكمل “ل. س” كلامها قائلة: “بعد عدة مرات من الذهاب والعودة قام بتطليقي وإرسال ورقة الطلاق لي دون معرفة مسبقة، وعندما قمت برفع دعوى للنفقة قام بإعادتي على ذمته بشهود غريبين ودون علمي أيضاً”، وعندما ذهبت “ل. س” للمحكمة لإكمال دعوى النفقة تفاجأت بعودتها له.
وفي النهاية حصلت “ل. س” على الطلاق وعاشت مع ابنتها وحيدة في ظروف معيشية صعبة منذ 8 سنوات، لا سيما من ناحية نظرة المجتمع لها كمطلقة ونظرات الرجال الذين تعمل معهم في الأرض بالإضافة للوضع المادي الصعب.
التعامل بسرية
ترى فاطمة لافي، الأخصائية النفسية بجمعية وفاق لرعاية المرأة والطفل انه رغم المطالبات الحثيثة لإقرار قانون حماية الأسرة إلا أنه ما زال لم يرى النور نظراً لانقسام الوطن لشقين والخلافات الكثيرة على هذا القانون، وأن نسبة العنف ضد المرأة زادت بعد جائحة كورونا والحجر الصحي بسبب التفكك الأسري في ظل الحياة الالكترونية التي يعيشها أفراد المجتمع أصبحوا لا يرون أهمية لتكوين الأسرة والحفاظ عليها وأنه ليس كل شيء موجود على مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن يكون حقيقي وصادق وليس بالضرورة تطبيقه في حياتنا الواقعية.
وتؤكد لافي عند قدوم حالة لسيدة تعرضت للعنف بعد طمأنتها وفهم حالتها يقومون بعمل نموذج استقبال حالة لتسجيل بياناتها وشكواها بالتفصيل ثم يبدئ العمل مع الحالة في سرية تامة.
وتستأنف لافي حديثها إذا وجدنا كدمات واضحة على وجه أو جسد السيدة المعنفة نقترح عليها الذهاب للمستشفى لإثبات ما تعرضت له ولكن 99% من السيدات يرفضن الذهاب للمستشفى ويشعرن بالخوف رغم أنهن في أمس الحاجة للعلاج، بعد ذلك تبدئ مرحلة الاستماع للحالة بكل تركيز مع التأكيد عليها بأننا نهتم بسلامتها الجسدية والنفسية وطمأنتها أن معلوماتها سوف تبقى سرية بينها وبين الاخصائية فقط.
وتضيف نقوم داخل الجمعية بعمل جلسات منفردة لكل حالة وأكسابها استراتيجيات الدفاع عن نفسها لكي تقي نفسها من عنف زوجها وتحد منه، وفي البداية نقوم بدراسة الأوقات والمواقف التي يعنفها زوجها عليها ثم نبدأ مرحلة العلاج.
وبعدها إذا استدعت الحالة تدخل قانوني نقوم بتحويلها الوحدات القانونية في المؤسسات الزميلة الناشطة في القطاع الحقوقي، وإذا احتاجت تدخل طبي نقوم بتحويلها للخدمات الصحية ليتم متابعة حالتها فوراً.
التدخل القانوني
سعاد المشني، محامية بالعيادة القانونية بالجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، ترى أن الزيادة الملحوظة في العنف الأسري والعنف ضد النساء يعود إلى سوء الوضع الاقتصادي الذي يمر به شريحة كبيرة من أفراد المجتمع في قطاع غزة، بالإضافة لجائحة كورونا وإعلان حالة الطوارئ في البلاد كان لها تأثير كبير على زيادة نسبة العنف، كما أن تعاطي المخدرات من أقوى الأسباب لزيادة نسب العنف والذي أثر على استقرار الأسرة.
وتؤكد المشني أن تدخل الأهل في حياة الأزواج يجعل المشكلة تتشعب وتكبر وتصبح هناك مشاكل بين عائلات بأكملها إلى أن تصل للمحاكم والطلاق وبالتالي يظلم الأبناء في هذه القضايا.
تقول المشني بعد قدوم السيدة لنا نقوم برفع دعوى “التفريق للنزاع والشقاق” وهي ترجمة للعنف الواقع على المرأة، ولكن هذه القضايا من الصعب إثباتها فالكثير من السيدات بنسبة 99.9% يكون هناك صعوبة في إثبات حالتهن، وعند فشل المدعية في إثبات ما تعرضت له ورفض القضية نلجأ للانتظار 6 أشهر ونرفع نفس الدعوى مرة أخرى من أجل تحويلها للتحكيم فهناك 2 من المحكمين يتدخلون بين الزوجين ويستمعون لكل منهم ويحاولون حل المشكلة أو إصدار القرار بالتفريق بينهم.
وتذكر أن هناك حالات تتصالح مع أزواجهن بعد تدخل رجال الإصلاح وتقديم الوعود لهن من قبل الزوج بالتغيير والتحسن ولكن إذا لم يجدن نتيجة يتراجعن ويندمن على قرار الرجوع للزوج ويقررن الاستمرار في دعوى الطلاق.
تم إنجاز هذه المادة الصحفية من قبل مركز الإعلام المجتمعي، وبدعم مباشر من برنامج “سواسية” البرنامج المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”: تعزيز سيادة قانون في فلسطين.