قلب نجية مفتوح على كومة أوجاع

قلب نجية مفتوح على كومة أوجاع

خانيونس- هبة الشريف:

“أنا اليوم بلا بيت، بلا أخت، بلا عمل، بلا أمان… أعيش على أملٍ قد لا يعود، لكني أؤمن أن صوتي يستحق أن يُسمع”.

بهذه الكلمات بدأت الشابة نجية أبو الروس (٣٤ عامًا)، تروي معاناتها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023م، وهي تصرّ على الحديث عن أوجاعها، لتكون صرخة في وجه منتهكي حقوق الإنسان في هذا العالم.

كانت نجية تعيش في بيتها بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، مع والديها وإخوتها (4 أخوات و2 ذكور)، تتشارك مع شقيقتها وفاء غرفة واحدة، حياة هادئة ملؤها الحب، حتى أُجبرت على النزوح لتعيش في خيمةٍ بمنطقة مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، لتعيش آلام الفقد والنزوح معًا.

تتنهد نجية وهي تروي حكايتها: “كنت شابة محبة للحياة، درست الرياضيات، تخصصت في إدارة المشاريع الالكترونية، عملت مديرة مشاريع حرّة عبر شبكة الانترنت، حلمت بمستقبلٍ واعد، حتى قلبت الحرب حياتي تمامًا، كل شيء انهار أمامي واحدًا تلو الآخر”.

منذ أوائل أيام الحرب، فقدت نجية عملها بسبب انقطاع الكهرباء والانترنت، ثم اضطرت للنزوح، ففقدت جهاز الحاسوب المحمول الخاص بها (اللاب توب)، وسيلتها الوحيدة للعمل، وفقدت معه شريان الحياة لها.

تصمت نجية برهة وتكمل: “استشهدت عمتي وزوجها وأولادها وأحفادها في قصفٍ تعرضوا له منذ الأسبوع الأول للحرب، وبعد أيامٍ استشهد عمي، وفي 24 أكتوبر 2023م، استشهدت أختي وفاء، توقّف قلبها فجأة من شدّة الخوف بسببِ القصف العنيف، كانت هذه اللحظات فارقةً في حياتي، دفنت معها ما تبقّى لي من أمل”.

تنظر بحسرةٍ إلى زوايا الخيمة التي لا تشبه بيتهم أبدًا، وتروي كيف أجبروا منذ نوفمبر 2023م على النزوح إلى مدينة حمد غرب محافظة خانيونس، وبعد أربعةِ شهورٍ نزحوا مجددًا إلى منطقة البطن السمين بالمدينة ذاتها، وحين حاولوا العودة إلى بيتهم لم يكون موجودًا، فقد تم قصفه، كل شيءٍ حول الشابة تدمّر، حتى حين أُجبروا على النزوح مجددًا، لم يعرفوا إلى أين يذهبوا.

نزوح نجية من مكانٍ لآخر، كان ضمن ظروف غير إنسانية ولا آمنة، تعقّب: “كل يوم نعيشُ تحت وطأةِ الرعب، لا طعامٍ كافٍ، لا دواء، لا مستقبل، نزوحٌ لا يشبه أي حياة، بل موت ببطء”.

النزوح كالموت كما تصفه نجية، “أن تنقل خيمتك من مكانٍ لآخر، تبحث عن نقطةِ أمانٍ غير موجودة أصلًا، هذا أمرٌ يستنزف طاقتك ونفسيتك بالكامل، كل يوم يسلب منك حتى إنسانيتك”، تقول نجية.

“وكأن حبل الفقد لا ينتهي”، تضيف بحرقةٍ وتبكي: “يوم 18 مارس 2025م، استشهدت ابنة أختي، اسمها أمل القططي، كانت على بُعد أسبوعين من زفافِها، انتظرت فرحتها طويلًا، كانت أمل قريبة من روحي، صديقتي، استشهدت قبل أن ترتدي فستانها الأبيض، صار الفرح مستحيلًا”.

لم تُحرم نجية من شقيقتها وفاء فقط؛ بل هي محرومة حتى من زيارة قبرها في مدينة رفح، فقد أصبح ضمن ما صنّفه الاحتلال بـ”المنطقة العازلة”، تضيف: “لا أعرف إن كان موجودًا أصلًا، لم أعد أملك حتى حق الوداع”.

ويتعارض ما عانته نجية وعائلتها مع بنود اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (16) على حماية الأشخاص غير القادرين على حماية أنفسهم، والمادة (33) التي نصت على حماية المدنيين من العقاب الجماعي وتدمير الممتلكات، إضافة إلى المادة (53) التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصة، والمادة (49) التي تحظر النقل القسري والترحيل الجماعي لأي جزء من السكان.

وتختم نجية: “قصتي ليست استثناءً، أنا واحدة من آلاف القصص التي لم تروَ بعد، نحن شعب يريد العيش بسلام، لكن الاحتلال لم يترك لنا شيئًا، إنا إنسانة فاقدة، أريد أن يسمع الجميع صوتي، أن يعرف العالم أن ما نعشهُ ليس صراعًا، بل قتلٌ ممنهج، كل ما نريدُه أن نعيش بسلام”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى