تعدد الزوجات .. حق مشروع في ظاهره قد يخفي كثيراً من الظلم والقهر

هديل الغرباوي

تتنوع صور الظلم والقهر والعنف ضد النساء في قطاع غزة وتزداد تعقيداً عندما تمتد آثارها على باقي أفراد الأسرة خاصة الأطفال.

“تعدد الزوجات” إحدى أهم الظواهر التي تعاني منها النساء حيث يسوق المجتمع العديد من المبررات لتقبلها، رغم الأصوات التي تظهر أحياناً لتعارضه بسبب آثاره الوخيمة غالباً حيث يؤدي لتعاسة أسرتين ويوقع الأولى والثانية والأبناء والزوج ضحية لعدم إدراك تبعاته على المدى القصير والبعيد.

(م ع) موظف حكومي متزوج باثنتين يقول: “أبي كان متسلطاً وأجبرني على الزواج وأنا ابن 18 عاماً، بابنة عمي التي تصغرني بعامين، وأقاموا حفلاً كبيراً وزوجوني بها، وزوجتي كانت غير واعية للحياة الزوجية ومسؤولياتها، لكنا عشنا سوياً وأنجبنا 9 أطفال”.

ويضيف: “بوفاة والدي، أكملت تعليمي، وتوظفت وادخرت المال، لأتزوج الثانية، فزوجتي الأولى لم تعد تهتم بي، فهي لم تفهمني يوماً، ولم أحببها مطلقاً، فأنا مجبراً على الزواج والعيش معها”.

يتابع (م ع) متألماً: ” لم أكن سعيداً بحياتي، أسمع أصدقائي يتحدثون عن حياتهم الزوجية السعيدة، وأنهم متفاهمون مع زوجاتهم، الأمر الذي جعلني أفكر في مستقبلي، فأصبحت أتواصل مع عدة فتيات من خلال مواقع التواصل، وأقارن بين تفكيرهم وتفكير زوجتي القاصر وجسدها المنهك”.

يقول: “تعرفت على مطلقة عمرها في حينه 26 عاماً ولديها طفلة، وموظفة بوكالة الغوث، وهذا شجعني أكثر لسوء الأوضاع الاقتصادية”، موضحاً أنه بعد مدة من التواصل المستمر والتعرف تزوجنا وأنجبنا 4 أطفال”.

ويضيف: (م ع) “الجميع استنكر فعلتي بأن أتزوج الثانية، خاصة وأن الأولى هي ابنة عمي، التي ذهبت غاضبة لبيت أهلها، ولكنها بالنهاية رضخت وعادت لبيتها وأولادها”.

ويتابع: “زواجي الثاني أجمل، وكأنه تصحيح لمسار حياتي، فزوجتي متعلمة موظفة جميلة عوضتني عن أشياء كثيرة أفتقدها، وهي تزوجتني لكي تتخلص من نظرة المجتمع لها كونها مطلقة، ورغم أني أدير بيتان ومسؤولية كبيرة، إلا أنني أصبحت مرتاحاً، ومتفاهما مع زوجتي الثانية، أما الأولى فأنا لم أظلمها فلها مسكنها المستقل، وألبي كل احتياجاتها”.

التعدد ليس الأصل

يقول الله تعالى في سورة النساء آية رقم (3): “وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألا تعولوا”، فالشريعة الإسلامية حللت –حسب رأي الفقهاء- تعدد الزوجات، ولكن وفق شروط، فرئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة د. حسن الجوجو أوضح أنّ” الزواج الثاني في الشريعة الإسلامية استثناء وليس أصل، فالأصل الزواج بواحدة، ولكنّ القضاء يعطي الرجل الحقّ في الزواج مع عدم وجود أسباب، وللمشرع حقّ تقييد المباح، ولكنّ هذا لا يحدث عندنا”.

قانون الأحـوال الشخصيّة الفلسطيني، يعطي الحق للرجل الزواج بأربع نساء، وهذا يتعارض مع المادّة 16 من اتّفاقية “سيداو” التي تنصّ على القضاء على التمييز ضدّ المرأة في المسائل المتعلّقة بالزواج والعائلة، وهي الاتّفاقية التي وقّعت عليها السلطة الفلسطينيّة في نيسان 2014.

تعنيف .. فطلاق .. فثانية

داليا 26 عاماً، التقينا بها خلال ورشة دعم نفسي للنساء المعنفات، تقول :” تزوجت في سن مبكر وكان زوجي سيء، يضربني ويعنفني ولم أشعر للحظة بالسعادة معه، فطلبت الطلاق، وبعد حصولي عليه استكملت دراستي الجامعية واندمجت بالمجتمع، لكني صدمت بالواقع المؤلم ونظرة المجتمع السلبية لي كوني مطلقة”.

تضيف داليا وعينها تلمع مخفية دموعها: “من بين المواقف المؤلمة بعد طلاقي اتصلت بصديقة لأزورها، فارتكبت واعتذرت عن استقبالي، ولاحقاً فهمت أنها تغار على زوجها مني، هذا الموقف كان مفصلياً في تحديد مستقبلي، وقبلت بعد أشهر بالزواج من رجل متزوج، لأكون زوجة ثانية، فأنا لا أريد أن أرى نظرات الشماتة أو الشفقة، ولا أحب أن ترفض صديقاتي المتزوجات استقبالي في بيوتهن خوفاً على أزواجهن، كما أنني بحاجة لسند”.

داليا واحدة من اللاتي تعرضت للعنف الجسدي من زوجها حتى حصلت على الطلاق، ومن ثم تعرضت للعنف اللفظي من المجتمع ونظرته لها، ومن ثم تعرضت للتمييز كونها زوجة ثانية، لتكون نموذجاً للقهر والظلم على مدار سنوات بسبب ثقافة المجتمع وقصور القانون.

قانون لحماية الأسرة

وكيل وزارة التنمية الاجتماعية برام الله، داوود الديك، يقول: “إن قانون حماية الأسرة من العنف والذي يتم العمل على صياغته وتجهيزه، جاء لمحاسبة الجناة، وإعادة تأهيلهم ودمج الضحايا والجناة، والوقاية ومنع العنف من خلال سياسات وبرامج للحد من انتشاره”.

ويبين الديك أن القانون يحمي الأسرة من العنف النفسي والجسدي والجنسي والاقتصادي، والتمييز والتزويج القسري، وفيه يجري تشكيل وحدة حماية الأسرة في الشرطة، ونيابة للأسرة لحمايتها، وقضاء مختص، ويمنع إسقاط الحق الشخصي حتى لا يفلت مرتكب العنف من العقوبة وعلى أثره تزيد الحالات.

من جهتها، تقول مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في غزة، هبة الزيان: “في حال المصادقة على القانون، هناك خوف من عدم تطبيقه في غزة، بسبب الانقسام، وأثره في القوانين وإنفاذها، وتطبيقه متعلق بمدى اقتناع جهات الاختصاص في القطاع به”.

ومن بين ما يزاحم القوانين في حل الإشكالات، الحلول العشائرية والتي تعتمد عليها كثير من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة، حيث يقف القانون والشريعة مكتوفة الأيدي في حال لجأ الناس إلى الحل العشائري، والذي بشكل أو بآخر فيه الكثير من القصور والظلم لأحد أطراف المشكلة.

وردة ذبلت جراء الظلم

وردة ذات الـ(32) ربيعاً، هي زوجة أولى: “تزوجت وعمري حينها 16 عاماً، وأنجبت 7 أطفال، وعشت حياة مليئة بالمشاكل مع زوجي وعائلته، تحملت الكثير من أجل أبنائي، وبينما كنت في بيت أهلي “حردانة” عام 2014 لمدة 9 أشهر، تفاجأت بخبر زواج زوجي من أرملة، الخبر سقط كالصاعقة علي، ودخلت في حالة اكتئاب، أصعب شعور تمر به الزوجة أن تأتي زوجة أخرى تشاركها زوجها”.

تواصل وردة حديثها باكية: “الكثير لامني، رغم أنهم شجعوني على ترك بيت أهلي، وأن أجعل لجان الإصلاح تضع حلولاً لمشكلتي، ولكن هناك من شجع زوجي على الزواج، حتى رضخت واستسلمت، ورجعت لبيتي فوجدت زوجة جديدة، مع العلم أن صعوبة الأمر لا يمكن وصفه إطلاقاً، فالغيرة تأكلني، ولكني تعايشت مع الواقع من أجل أبنائي، فأنا لا أريدهم أن يدفعوا ثمن خطأ والديهم، خاصة مع ما نراه من آثار سلبية للطلاق”.

الوعي بالحقوق والواجبات

أستاذ الصحة النفسية وعلم النفس في جامعة الأقصى د. فضل أبو هين، يقول: “لتعدد الزوجات تبعات سلبية، خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، فهي تسبب مشاكل تربوية ونفسية واجتماعية داخل المجتمع، ففي ظل هذه الظروف الصعبة التي يشهدها قطاع غزة يجب التحديد سواء للنسل أو للزوجات لسلامة المجتمع”.

ويضيف د. أبو هين: “هناك جملة من الأسباب التي تدفع الرجال للتعدد، كالطمع، وعدم الاكتفاء، والملل العاطفي، وعدم التكيف والتوافق بين الزوجين أو مع أهل الزوجة”، مبيناً أن التربية في المجتمع الغزي تربية تسلطية وليست تفاهمية، وهذا يجعل فجوة بين الأزواج، وبالتالي يبدأ الزوج يتطلع لإشباع رغابته خارج بيت الزوجية والراحة النفسية وفق ما يرى”.

ويتابع “نحن نعيش في مجتمع قبلي عشائري، فالجميع يتدخل في المشاكل، وكثيراً ما يتدخل أهل الزوجة بحياة الأسرة، مما يدفع ذلك الزوج للتمرد والانتقام، وقد يكون ذلك بالزوجة الثانية، وأيضا مشاكل في الإنجاب تدفع الرجل للزواج بثانية”.

ويرى أبو هين أن الزوج والزوجتين ضحايا “فالأولى ضحية لأنها تزوج عليها زوجها، والثانية لأنها لها شريك بزوجها، ولكن ضحية الأبرز الأبناء، لأنهم لم يأخذوا حقهم في الحياة الطبيعية والاستمتاع بحياتهم في ظل كنف الوالد المشتت، ونادراً ما نسمع عن انسجام بين الزوجتين، بل المعتاد أن الأجواء في بيوت ذو الزوجتين مشحونة وغير سليمة”.

ويوصي أبو هين أن تكون الأجواء في البيت مضبوطة وقائمة على الحب والاحترام والتفاهم الأمر الذي سيقلل فكرة التعدد، وبالتالي سينعكس هذه الأجواء الإيجابية على اللبنة الأولى للمجتمع وهي الأسرة وبالتالي يصلح المجتمع ككل.

العنف ضد النساء

وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نحو 35 امرأة قتلت خلال العام الماضي، و50% من المتزوجات في قطاع غزة تعرضن للعنف الجسدي خلال العام الحالي، ونحو 40% منهم مارَسَ أزواجهن ضدهن العنف الجنسي، وأكثر من 90% تعنفن لفظياً، وفضلت 61% من النساء اللواتي تعرضن للعنف السكوت، و24% منهن لجأن إلى بيت الأهل، و1% منهم لجأن إلى الشرطة أو وحدة حماية الأسرة لتقديم شكوى أو الحصول على مساعدة، فيما تعرضت 378 امرأة للعنف المبني على النوع الاجتماعي (التمييز بين ذكر وأنثى).

مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في غزة هبة الزيان، تؤكد “أنهم رصدوا ارتفاعاً لوتيرة العنف ضد النساء في القطاع خلال الأشهر الماضية، ويأتي ذلك منسجماً مع ارتفاع هذه الظاهرة خلال العام المنصرم، وقد تكون من أهم الأسباب هو معاناة بعض الأسر من مشكلات اقتصادية وظروف الاكتظاظ داخل المنازل إبان جائحة فايروس كورونا”.

يذكر أنه يوجد في قطاع غزة نحو 20 مؤسسة تعني بحقوق وحماية وتمكين المرأة، وتنظم تلك المؤسسات إلى جانب الجهات الحكومية عشرات الحملات التوعوية حول مخاطر العنف ضد المرأة، وضرورة التبليغ عنه، والخروج من ثقافة السكوت عن المشاكل الأسرية.

وتضغط دائماً تلك المؤسسات للإسراع بإقرار قانون حماية الأسرة، خاصة المتعلقة بتقييد الحقّ بالزواج مرة أخرى إلا عبر خيارات عدّة كأن تكون هناك ضرورة ملحّة له، وأن تعلم الزوجتين بذلك، إضافة إلى منح الأولى الحقّ بطلـب التفريـق.

تم إنجاز هذه المادة الصحفية من قبل مركز الإعلام المجتمعي، وبدعم مباشر من برنامج “سواسية” البرنامج المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”: تعزيز سيادة قانون في فلسطين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى