في مركز الايواء .. البلاط سريري و”كيس الملابس” وسادتي
محمد صيام – CMC
إنها المرة الأولى التي أقضي ليلتي خارج البيت، إلى أن امتدت لنهاية العدوان على قطاع غزة لم تطأ فيه قدماي المنزل إلا مرتين في تهدئة لحفظ تقسيماته مخافة أن تتغير ملامحه بقذيفة غادرة أو صاروخ مدمّر.
نهربُ من منازلنا مخافة الموت أو على نحو أصح مخافة أن يُصابَ أحدُنا بشظية طائشة تتلذذ في مداعبة الدم النازف من جلدِه أو أعضاء جسمه فلا أن تشفى على عجلٍ ولا تموت موتاً بطيئاً، كل ما تخشاه أن تصابَ فتقضي عمرك عاجزاً ثقيلاً على الغير، ثمّ من سيسعفك إذا فقدت الاتصال بالعالم الخارجي بعدما قُطع الماء عنكَ والكهرباء والاتصال؟ من سيفهم عمودَ دخانِك أنه نداء استغاثة على الطريقة البدائية من بين عشرات المنازل المحترقة.
كانت المرة الأولى، التي أقفزُ فيها عن باب تجاوز المترين والنصف سهلة رغم تمزَّقَ ساعداي وكدمة أصابت ركبتي، من أجل أن نطفئ النار التي اشتعلت في بيتِ عمّي أثناء شظايا القذائف المتطايرة على رؤوسنا، خشينا أن تمتدَّ إلى منزلنا والمنازل المجاورة، للمرة الأولى أشعر أني أعمل شيئاً مهما.
لا أدري من أين جاءت السرعة التي عدنا بها إلى المنزل في الوقت الذي كانت قلةٌ من الناس خدعتهم أخبار التهدئة يجرون هرباً من القذائف وصوت القصف، أطفأنا النار تحت القذائف المتساقطة شمالاً وجنوباً.
كنّا آخر الفارّين في الشارع الذي بدا مدينة أشباح، نمشي بخطى حثيثة بين المنازل المدمرة متفرقين كلَّ واحدٍ منا في جهة، على قاعدة أن قذيفة تقتلُ واحداً أفضل من ثلاثة !
مكثت طيلة ايام العدوان في بيت عمي الذي يسكن غرب المدينة قررت تغيير موضع نومي، حيث كنتُ أنام في غرفة مطلّة على قذائفَ لم تتوقف عن الهطول على أراضٍ فارغة وشقق عامرة بالسكان العاديين، كنتُ أخاف من قذيفة خاطئة تستهدف الشقة ، يسكنه أكثر من 30 رجلاً وطفلاً ، بينما النساء في شقة اخرى بالطابق الارضي .
بعد اشتداد القصف غادرتُ الغرفة إلى إحدى مدارس الوكالة بعد أن مللتُ تأخّر الموتِ عني إذ كانَ يتردد بينها وبين الكثير من الشقق وكلما وردَ إلى ذهني أنها ليلتي، خيّبت ظنّي القذيفة واختارت أناساً آخرين.
كانت المرة الأولى التي أنام فيها بعيداً عن والديّ، أو في بناية منفصلة تماماً عنهما لمدة تزيد عن ليلة واحدة، لم تكن المسافة بعيدة، لم أقل لأمي أعدّي لي وجبة الفطور أو غيرها كما اعتدت اصبحت أتناول طعاما مختلفا من معلبّات توزعها وكالة الغوث، حاولتُ أنْ أغسلَ ملابسي بنفسي على أمل أني في أي لحظة يجب أن أكون مستعداً للسفر، فكانت سجادة الصلاة مسجدي وسريري بلاط المدرسة ، بينما وسادتي كيس ملابسي.
الرابط المختصر : http://ywjournalists.org/ar/?p=263