حتى وقت الإبادة… فتيات يشتكين التحرش
حتى وقت الإبادة… فتيات يشتكين التحرش
خانيونس- هناء أبو قوطة:
“كالسارق كان يتلصص النظرات وأنا في دائرة صراعٍ، شعورٌ بالخوف والرهبة والتوتر يلاحقني، كان لزامًا عليّ أن أذهب إلى دورة المياه في مركز الإيواء، بينما نظرات ذلك الشخص تطاردني ولا ترحم خجلي أثناء ذهابي وإيابي، أصبحت في حالةٍ نفسية سيئة، دومًا أشعر أنني مُراقبة”.
بهذه الكلمات، تحدث الشابة أمل (اسم مستعار) واصفةً ما يحدث معها، أثناء ذهابها إلى دورة المياه في المخيم الذي نزحت إليه هي وعائلتها، وتعرّضها المستمر للمضايقات من قِبل ذكور نزحوا إلى مركز الإيواء نفسه (مدرسة).
منذ شنّ الاحتلال الإسرائيلي حربًا على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، وأجبر أكثر من 2 ميلون من سكّان القطاع على النزوح من أماكن سكنهم، اكتظت مراكز الإيواء (المدارس) والمخيمات بالنازحين الذين يعيشون في خيام، وباتت العائلات بكلِ أفرادها يستخدمون مراحيض عامة، وهو أمرٌّ جعل النساء في حالةِ انتهاك لخصوصيتهن، كما تسبب في تعرّض بعضهن للتحرّش والمضايقات.
عودة إلى الشابة أمل (20 عامًا) والتي كانت تجلس داخل الفصل، وتروي شهادتها بحرج:” كان بعض الذكور يتلصصون النظرات من شباك المرحاض، بفعل علو الطوابق في المدرسة، وخلوها من المراحيض، وهذا أثّر سلبًا عليّ أنا وأمي وجدّتي ذات الإعاقة، وزوجة أخي التي أنجبت بعد عملية قيصرية داخل مركز الإيواء، عانيت من حالة نفسية سيئة بسبب ما أتعرّض له”.
تكمل: “فوجئت مرّة بشابٍ يفتح الباب بشكلٍ همجي، كنت أذهب إلى المرحاض وأقف وسط طابورٍ مكتظ أنتظر دوري، وهذا تسبب لي بالتهابات تناسلية، وأصبت بالكبد الوبائي الذي حرمني من احتضان طفلي والعناية به، تدمّرت نفسيتي تمامًا، وعانيت من نوباتِ اكتئاب”.
وفي شهادة أخرى، لسيدة تعيش داخل خيمةٍ في أحد مخيمات النزوح، تروي تعرّض بناتها لمضايقات لفظية أثناء ذهابهن وإيابهن من دورة المياه.
تقول: “لا يهدأ لي بال حين تذهب بناتي إلى المرحاض، بسبب بُعد المسافة، وجلوس شبان بالقرب من المرحاض، وسماعهن لمضايقات جعلتهن يترددن كثيرًا قبل الذهاب، وهذا أثّر عليهن، وعرّضهن لمشاكل صحية، إلى جانب خوفهن والأرق الذي أصابهن نتيجة ذلك”.
وتابعت: “أحيانًا كنت أرسل ابنتي الوسطى كي تحجز لنا دورًا لاستخدام المرحاض بسبب اكتظاظ الدور، وعانيت أنا بشكلٍ استثنائي كوني أمْ لفتاة مريضة في مقتبل العمر، وتعدّ حالة خاصة بسبب ظروفها الصحية، ولم تكن المراحيض ملائمة لحالتها”.
وأعربت السيدة عن خوفِها على بناتها لأنهن يواجهن عنف الحرب، وما ترتّب عليه من عنفٍ في الخيام بسبب انعدام الخصوصية، وخوف الطائرات التي تحوم فوق رؤوس الناس طوال الليل، والخوف من الكلاب الضالة، ناهيك عن أوتاد الخيام المغروسة كالفخ، وهذه بعض المخاوف التي تسردها النساء.
تسببت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ونزوح مئات آلاف العائلات، في انتهاك لخصوصية النساء الفلسطينيات، وأحدث زعزعة في حالتهن النفسية.
بدورها تقول الأخصائية النفسية ومديرة الحالة في مركز شؤون المرأة، هبة النجار أن سبب ما يحدث هو حالة الحياة التشاركية التي فرضتها الحرب على النساء، فالمراحيض مشتركة وشبه مكشوفة وبعيدة عن أماكن تواجدهن.
وأضافت النجار أن هناك سيدات تعرّضن لمضايقات لفظية وجسدية والتحرش، مما انعكس سلبًا على صحتهن النفسية، موضحة أن شكوى النساء الأساسية تتمثل بصعوبة حصولهن على حقّهن الطبيعي بالاستحمام وقضاء الحاجة خاصة وقت الدورة الشهرية وحالات النفاس.
ويتنافى ما تتعرض له النساء مع اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، وخاصة المادة (27) التي تنص على حماية المدنيين وشرفهم وحقوقهم العائلية والدينية وعاداتهم وتقاليدهم، ضد جميع أشكال العنف والتهديد والسباب وفضول الجماهير، كما وفرت حماية خاصة للنساء.
وتابعت النجار أن المضايقات اللفظية (المعاكسات) لاحقت فتيات خلال ذهابهن وإيابهن من دورة المياه، وعانين من مضايقات لفظية وتلميحات مخجلة انتهكت خصوصيتهن.