ذهب بقدمين وعاد بهما مبتورتان …هذه حكاية أدهم

ذهب بقدمين وعاد بهما مبتورتان …هذه حكاية أدهم

دير البلح – هيا بشبش :

خبّأ رأسه داخل الغطاء والتفّ جانبًا معلنًا عدم الحديث إلى أحد! وعندما سمع سؤال الطبيب الذي اقترب من سريره، عدّل جسده المبتور ليجيب على أسئلته ثم عاد ليتكوّر على نفسه مجددًا!

إنه الشاب أدهم اسليم (22 عامًا)، من مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين والنازح إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة منذ فبراير 2024م، وهذه حكايته.

بصعوبة يعتدل الشاب في جِلسته ويروي:” تزوجت عام 2022، ورزقت بطفلتي الأولى قبل ستة شهور من الحرب، كنت أعمل في مجال العتالة (نقل البضائع من مكان لمكان)، مهنة مكّنتني من تأمين احتياجات أسرتي، لكنّي توقفت بسبب الحرب”.

مع اشتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي اندلعت يوم 7 أكتوبر 2023، حيث أجبر الاحتلال الإسرائيلي مئات آلاف المواطنين على النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، في تناقض مع نصوص اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تهجير المدنيين.

لكن منطقة البريج الواقعة وسط قطاع غزة، تم تصنيفها منطقة آمنة حسب زعم الاحتلال، ويروي أدهم: “لا يوجد منطقة آمنة في القطاع، مخيم البريج تعرّض للكثير من القصف وعندما اقتربت آليات الاحتلال من منطقتنا، طلب منا الصليب الأحمر إخلاء المنطقة، ونزحنا إلى دير البلح”.

في دير البلح حيث نزح أدهم وعائلته، جمع الشاب وعائلته ما توفّر من مال لتأمين خيمة تأويهم جميعًا، فمعظم مراكز الإيواء أصبحت شديدة الاكتظاظ ولا تتسع للمزيد من النازحين.

يكمل: “بعد النزوح قررت العودة للعمل، فبدأت بالعمل على كارة (عربة يجرها حصان) جمعنا أنا وإخوتي بعض المال واقترضنا ما تبقى من ثمن الكارة وحصانها، لكن لم أعمل عليها سوى بعضة أيام!”.

أغمض عيناه بقوة ثم أشار إلى والدته وزوجته بالاقتراب ليعرّفنا بهم وهو يكمل حواره: “يوم 26 ابريل الماضي، – تحديدًا- الساعة الثانية ظهرًا تغيّر كل شيء في حياتي، كنت حينها في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة بعد أن طلب مني زبون توصيله إلى هناك، وعند وصولنا المكان ملأ الدخان المكان، أيقنت أنّي في خطر، فتركت الكارة خلفي تشتعل والحصان الذي تحوّل أشلاءً تطايرت في المكان وهربت”.

لكن هروب أدهم جاء متأخّرًا، فقد أصابت قذيفة دبابة إسرائيلية قدميّ أدهم قطعت إحداها على الفور والأخرى أصابتها الشظايا.

أغمض عينيه بقهر وزفر بقوّة وتابع: “استجمعت قواي وقفزت على قدم واحدة باحثًا عن مغيث، كنت أستريح على عتبات المنازل وأنا مصاب حتى عثر عليّ شخص نقلني إلى مستشفى العودة الذي حوّلني إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح”.

وصل أدهم إلى المستشفى في حالة صعبة جدًا بعد أن تم استهدافه مباشرة من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، رغم كونه مدنيًا، ويشكّل استهدافه كما حال آلاف المدنيين في قطاع غزة، خرقًا لبنود اتفاقية جنيف الرابعة، التي نصّت في مادتها الثانية على أنه في حال قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي، تلتزم أطراف النزاع بأن الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية يعاملون معاملة إنسانية، وحظرت الاعتداء على الحیاة والسلامة البدنية، وخاصة القتل بجمیع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسیة، والتعذيب.

“قالوا لوالدتي ودّعيه”، هكذا أخبرت طواقم المستشفى والدة أدهم التي تلقت الخبر بصدمة، فحالة الشاب تدهورت بشكلٍ خطير، لدرجة أن دمه أصبح درجتين فقط!

عدّل جِلسته مجددًا ونظر للأعلى شاكرًا الله أنه ما زال على قيد الحياة، وقال: “بعد جهود الأطباء وتزويدي بوحدات دم، عادت لي الحياة، ولكن بسبب قفزي على قدمٍ واحدة لم تنجُ قدمي الأخرى، وبترت القدمين، في البداية لم أتقبّل ما حدث لي، كنت أصرّ على المشي وما زلتُ أحاول أحيانًا، الوضع ما زال صعبًا، لم أتقبّل أحدًا ولا أودّ الحديث إلى أحد، من الصعب فقدان قدميّ، كنت أعدّهما مصدر قوتي ولا أدري كيف سيكون مستقبلي”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى