“الاستسقاء الدماغي” كاد يعميه حياة (حمادة) معلقة بأنبوب ومعبر

“الاستسقاء الدماغي” كاد يعميه

حياة (حمادة) معلقة بأنبوب ومعبر

 

دير البلح- هبة أبو عقلين:

بوجهٍ عابسٍ يجلس الطفل حمادة أبو وردة (15 عامًا)، على باب خيمته الممزقة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يتحسس بقلقٍ ويأس مكان جرحٍ لأنبوب يستقرّ داخل دماغه، ينظر إلى أطفال في مثل سنّه يلعبون دون أن يتمكّن من مشاركتهم!

أصيب حمادة بمرض (الاستسقاء الدماغي) نتيجة تعرضه لأشعة الشمس المتواصلة، بسبب الوقوف في طوابير للحصول على الماء والطعام، ومساعدة والده في تلبية الاحتياجات الضرورية لإبقاء عائلته على قيد الحياة.

تروي سلوى أبو وردة (35 عامًا) والدة حمادة (أم لثلاثة أبناء): “نزحنا من بيتنا مجبرين في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023م، من مدينة جباليا شمال قطاع غزة إلى جنوبه، ولم يكن أي من أفرادِ العائلةِ مريضًا”.

هذا النزوح هو الرابع لحمادة وعائلته، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023م، نزحوا بداية إلى كلية فلسطين التقنية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2023م، حيث أصيب شقيقه أمير (5 سنوات) بالتهاب الكبد الوبائي نتيجة الاكتظاظ وقلة النظافة، فقرر والده الانتقال إلى خيمةٍ جمع قماشها من مخلفات البيوت التي تعرضت للقصف الإسرائيلي، وكانت مليئة بالبارود والغبار.

بغصةٍ وبصوت مخنوق تسرد سلوى كيف تم اكتشاف مرض ابنها: “في يوليو/تموز 2024م، شعر حمادة بألمٍ في رأسه، أعطاه والده مسكن آلام ظنًا أنه ألم عاديّ لكنه لم يبرأ منه، بل تفاقم الألم حتى فقد ابني الرؤية، أسرع به والده إلى مستشفى شهداء الأقصى، وتبين وجود ماء في الدماغ، خضع لعملية عاجلة لسحب الماء من دماغه، الفاصل بين حمادة والموت كان الاكتشاف المبكر للمرض”.

كان يوم 12 أغسطس/آب 2024م صادمًا بالنسبة لحمادة وعائلته، تغيّر مجرى حياته بعدها، فبعد إجراء عملية جراحية وتركيب أنبوب داخل الدماغ لتصريف السائل الدماغي إلى المثانة، ولم يعد حمادة قادرًا على اللعب مثل الأطفال ولا الجري ولا التعرّض للشمس أبدًا ولا البرد.

رفعت سلوى رأسها وهي تنظر إلى حمادة بحزن وقالت: “أحاول أن أجد أي تفاؤل في حياته المستقبلية، لكن في كل مرة أفقد الأمل، عدم تعرض حمادة لأشعة الشمس شيء محال في ظل حياة الخيام، وعدم تعرضه للبرد أيضًا محال”.

تعرّض بيت عائلة حمادة في جباليا شمال قطاع غزة للقصف، لكن والده لم يبكِ بيته الذي بناه بشق الأنفس، ولا حتى نزوحه المتكرر، مثلما بكى حال ابنه، غصةٌ تكسر قلبه كلما نظر إلى ابنه الذي لا يستطيع اللعب، خاصة مع حديثه المستمر مع أهالي المخيم أن أي أذى يتعرض له ابنه يمكن أن يدمره ويعرضه للإغماء.

في مقابلة مع طبيب جراحة الأعصاب في مستشفى شهداء الأقصى محمد أبو عسفة، أوضح إن مرض الاستسقاء الدماغي علاجه الوحيد؛ وضع أنبوب داخل الجسم يمتد من الدماغ إلى المثانة، لتصريف السائل عن طريق المثانة، وأن سبب المرض هو تأثّر الدماغ نتيجة التعرض لأشعة الشمس المتواصلة نهارًا، ومن الممكن أن يؤدي لفقدان البصر.

وأكد د.أبو عسفة إن المستشفى حاليًا يفتقر لصورة الرنين المغناطيسي اللازمة لحالة حمادة، فالعملية تمت في مستشفى ناصر بمدينة خانيونس، بسبب افتقار مستشفى الأقصى للتحاليل الخاصة بحالة الأنبوب، كما أنه (أي مستشفى الأقصى) يعاني من ازدحام المرضى والمصابين وقلة المستلزمات الطبية.

عودة إلى سوسن التي تزداد حسرتها على طفلها حمادة كلما طلب منها الخروج إلى البحر لممارسة هواية السباحة التي يحبها، لكنها ترفض خوفًا عليه من المجهود الزائد وتعرضه للإغماء، فالطبيب منعه من ممارسة أي نوع من الرياضة خوفًا من قطع الأنبوب داخل جسمه.

وتكفل اتفاقية جنيف الرابعة الحق في تلقي الرعاية الصحية المناسبة للمرضى وكذلك عدم استهداف المستشفيات.

أما حمادة فلم يكن بوسعه التحدث كثيرًا لكنه قال: “أحلم بممارسة هوايتي في السباحة التي كنت أمارسها من قبل”، فأمه تمنعه من الذهاب للبحر خوفًا عليه، وهذا يصيبه بالإحباط كما يؤكد، وما يزيد حالته النفسية سوءًا؛ أن الأطفال الذين كان يلعب معهم؛ أصبحوا يعاملونه بشكل مختلف، فهم يلعبون أمامه ويساعدون ذويهم بينما هو عاجز عن فعل أي شيء مثلما كان سابقًا.

يواجه آلاف الأطفال الفلسطينيين المرضى والجرحى في قطاع غزة خطر الموت نتيجة عدم حصولهم على فرصة الإجلاء خارج قطاع غزة لتلقي العلاج، وذلك رغم حيازة معظمهم تحويلاتٍ طبية.

تقطع أمه الحديث بقولها: “أخبرنا الطبيب إن حمادة بحاجة لعلاج خارج قطاع غزة بسبب عدم توفّر الإمكانات في القطاع، لمتابعة وضعه الصحي وعدم إصابته بالتهاب بسبب الأنبوب، وحفاظًا على حياته”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى