مساحات الأطفال أيضًا تم اغتيالها في قطاع غزة

مساحات الأطفال أيضًا تم اغتيالها في قطاع غزة

غزة- أنسام القطاع:

“تكبر أرواح الأطفال وأجسادهم، وهم بحاجةٍ إلى اللعب بشكلٍ مستمر لتنمية مهاراتهم العقلية والاجتماعية، والحفاظ على نفسيتهم، لكن هذا الحق افتقده أطفالي خلال الحرب”.

بهذه الكلمات بدأت فاطمة الشرقاوي حديثها، واصفةً افتقاد أطفالها لحقّهم في اللعب بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي شنّها الاحتلال يوم 7 أكتوبر 2023م، وأجبر خلالها نحو 2 مليون إنسان على النزوح من أماكن سكنهم، وباتت أغلب العائلات تعيش في خيامٍ تفتقد لمقومات الحياة الكريمة، بينما تعرّضت مساحات اللعب الخاصة بالأطفال للقصف.

الشرقاوي، هي أمٌ لأربعة أبناء تقول: “أطفالي كان لديهم قبل الحرب جدول يومي منتظم يتضمن الذهاب إلى نادٍ رياضي وملعب كرة قدم، إضافة إلى التوجّه لمركز القطّان الثقافي، للمشاركة في أنشطته، إلى جانب حضور الصفوف الدراسية والخروج بنزهةٍ إلى البحر، وممارسة هواياتهم في السباحة وركوب الدراجات، ولكن بسبب حرب الإبادة توقّفت كل أنشطتهم”.

“كيف يمكن تخيّل طاقتهم عندما يتم كبتها، فلا أصدقاء يمكنهم مقابلتهم أو الخروج معهم، ولا مساحات واسعة يلعبون بها، كله استبدل بأقل من مترٍ واحد داخل الخيمة للفرد، لا يمكن تصوّر حجم التراجع النفسي وفقدانهم لمعنى الطمأنينة والأمان”، تقول فاطمة.

داخل خيمتها حاولت فاطمة إيجاد بدائل لأطفالِها، تخفف من حدّة احتجازهم في مساحةٍ صغيرة، منها لعب الشطرنج وقراءة القصص والتلوين، وتحويل المعلبات إلى مكعّبات لبناءِ أبراجٍ ومدن يحلمون أن يسكنوها، إضافة إلى جلساتِ حوارٍ مفتوح.

ورغم كل محاولات فاطمة لاحتضانهم، لكن يصعب تخيّل مشاعر طفلٍ في مرحلة النمو بحاجة إلى الركض وهو محتجز داخل خيمة، “اللعب حق طبيعي للطفل وبوابته لاكتشاف العالم، يعبر منه إلى عوالم تكوّن هويته، أطفالي محرومون أماكن اللعب التي أصبحت كومةٌ من الركام”، تختم.

بدورها، تمنّت مي مرشد (وهي أمٌ لأربعةِ أطفال) أن يحظى صغيرها يوسف (3 سنوات) بجزءٍ بسيطٍ من الترفيه، فهو لا يعرف شكل البحر أو المتنزّه، لم يخرج في نزهة ترفيهية منذ بداية حرب الإبادة.

تقول مي: “كنت أهتمّ بالصحة النفسية لأطفالي، أحرص على تسجيلهم في الأنشطة التي تعلن عنها جمعية عبد الشافي الصحية المجتمعية ومركز القطّان الثقافي، أهتم بصقلِ مهاراتهم وتوجيههم لمستقبلٍ أفضل من خلال اللعب”.

تشعر ميّ بالاستياء بسبب استهداف المساحات الترفيهية للأطفال، موضحةً أنه خلال وقف إطلاق النار المؤقت، لم تتمكن من اصطحاب أطفالها إلى أي نزهة لعدم وجود أماكن تخص الطفولة بعدما أصبحت ركامًا، وتابعت: “يعاني أطفالي من وضعٍ نفسيٍ صعب بسبب الحرب، وأعجز عن التخفيف عنهم”.

أما طفلتها غزل (14 عامًا)، فتقول: ” قبل الحرب كنت أرتاد العديد من الأماكن الترفيهية، وأذهب للبحر برفقة عائلتي، وأجتمع مع خالاتي وعماتي بأجواءٍ عائلية يسودها الاطمئنان والفرح، لكن الاحتلال حطّم فرحتي بهذه الأماكن بعد قصفها”.

تكمل: “بدل ما كنا نتسلى ونستمتع بالأماكن صاروا يتسلوا على دمنا”، مضيفة إنها عندما تمشي في شوارع مدينة غزة لا تعلم أين هي من شدّة الدمار الذي غيّر شكل المدينة، وقضى على الأماكن الترفيهية التي تحتوي ذكرياتها الجميلة، وباتت بحاجة إلى سنواتٍ من الانتظار لإعادة إعمار هذه الأماكن.

يقول المحامي عبد الله شرشرة: “قصف الاحتلال المساحات الآمنة والترفيهية للأطفال هو انتهاكٌ جسيمٌ للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة، يحظر استهداف الأعيان المدنية بما في ذلك الحدائق، الملاعب، والساحات العامة التي يستخدمها الأطفال.

يضيف شرشرة أن مساحات اللعب هي أماكن محمية يجب تجنبيها آثار العمليات العسكرية، كما يفرض مبدأ التمييز على أطراف النزاع في جميع الأوقات التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين والأعيان المدنية، وتكفل اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 حق الطفل في الحياة والأمن والنمو في بيئة آمنة تحترم احتياجاته التنموية والنفسية.

يؤكد شرشرة أن الاعتداء على أمماكن لعب الأطفال، انتهاك لهذه الحقوق، واستهدافها قد يشكّل جريمة حرب تستوجب محاسبة مرتكبيها أمام آليات العدالة الدولية.

أما الأخصائية النفسية ومديرة الحالة في مركز شؤون المرأة سلمى السويركي، تقول: “الأطفال بحاجة إلى مساحات آمنة لتفريغ طاقاتهم المكبوتة بسبب الحرب، واحتياجاتهم كثيرة لكن مزودي الخدمات يواجهون صعوبات في تقديم خدمة الرفاه النفسي للأطفال، بسبب عدم وجود أمان وصعوبة التنقّل وعدم قدرتنا على توفير الحماية للأطفال”.

وأكدت السويركي أن مزودي الخدمات يواجهون صعوبات لعدم قدرتهم على تفسير مشاعر الأطفال خاصة من يعانون من صعوبة كبيرة في التعامل مع المشاكل التي يمروا بها واحتياجاتهم، عدا عن أن الأهالي لا يستطيعون سدّ احتياجات أطفالهم، خاصة أن الأهالي كانوا يتبعون نظامًا ترفيهيًا تعليميًا مع أطفالهم، وكل هذا تدمر خلال الحرب.

وتختم :”عدم قدرة الأهالي على مواصلة نظامهم الترفيهي السابق مع الأطفال، سبّب ضغطًا للأهل الذين يواجهون صعوبة في التعامل مع أبنائهم والتخفيف من حدّة تأثير الحرب على نفسية أطفالهم”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى