ضياع الهوية… أزمة توثيقية تهدد الفلسطينيين في غزة بعد حرب أكتوبر 2023

ضياع الهوية… أزمة توثيقية تهدد الفلسطينيين في غزة بعد حرب أكتوبر 2023

“كان عندي كل أوراقي… والآن!!، حتى اسمي مش قادر أثبته.”هكذا لخص أحد الناجين من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مأساة فقدان الوثائق الرسمية، التي تحوّلت إلى أزمة إنسانية موازية، تعمّق جراح الناجين وتضعهم أمام متاهات قانونية واجتماعية معقدة.

في أعقاب الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، لم تقتصر الخسائر في غزة على الأرواح والمنازل، بل امتدت إلى فقدان الهوية والمستندات القانونية لعشرات الآلاف, الآلاف فقدوا شهادات الميلاد، بطاقات الهوية، وثائق الزواج والطلاق، وثائق الملكية، الأحكام القضائية، وسجلات الأنساب والميراث والولاية والحضانة … الخ ، مما زاد من هشاشة أوضاعهم في ظل غياب مؤسسات الدولة وتوقف عمل المحاكم والوزارات.

منظمات حقوقية محلية ودولية سجّلت فقدان آلاف العائلات  من أوراقها الرسمية أو حرمانهم من استخراجها، خاصة في المناطق المستهدفة بالقصف الكثيف ، ومحيط المؤسسات الحكومية … بعض العائلات فقدت أرشيفها الكامل في دقائق.

غياب الوثائق الرسمية عطّل الحياة المدنية والقانونية للناجين، وشلّ قدرتهم على إثبات النسب وتسجيل المواليد الجدد، وتوثيق الزواج أو الطلاق. والمطالبة بالميراث أو التعويضات. وإثبات ملكية العقارات والأراضي. والحصول على مساعدات إنسانية. والتنقل داخل غزة أو السفر خارجها. والنتيجة: الآلاف أصبحوا في نظر القانون “مجهولي الهوية”، رغم أنهم أحياء ومعروفون في مجتمعاتهم.

حلول بديلة… جهود تنقذ الحقوق من تحت الأنقاض

في ظل انهيار البنية التحتية الرسمية، نشطت مؤسسات محلية من خلال ما يعرف بوحدات المساعدة القانونية لتقديم  خدمات استخراج الأوراق الثبوتية بإشراف محامين مختصين يوفرون على المواطنين عناء عدم المعرفة بأماكن عمل الجهات المختصة وآليات وإجراءات الاستخراج لاسيما في ظل الظروف الصعبة الراهنة, ويوفرون عليهم عناء التنقل والتكاليف المادية , كما تم تفعيل لجان قانونية ومجتمعية للوساطة والتحكيم في بين المتخاصمين في خطوات من شأنها المساهمة الى حد ما لسد الفراغ القانوني والأمني الذي خلفه تعطل مؤسسات انفاذ القانون والعدالة وكذلك تحافظ على السلم والأمن الأهليين .

ورق الحياة تحت الركام

أبو سيف – من حي التفاح: فقد منزله وجميع أوراق العائلة: هويات، شهادات ميلاد، كرت التموين، ومستندات الملكية.
يقول: “ركضنا من تحت القصف وما لحقت آخذ غير عيلتي.” وأوضح أنه تواصل مع وزارة الداخلية التي أبلغته بتضرر الأرشيف, هذا الأمر حرمهم لفترة من الحصول على بعض المساعدات. الى أن اهتدى لإحدى وحدات المساعدة القانونية التي كانت بمثابة طوق نجاة حيث تم مساعدته في استخراج بدل فاقد عن الهوايا وشهادات الميلاد وبعض المستندات الشرعية.

ام العبد .. سيدة أنجبت خلال الحرب في ظروف صعبة جداً كانت تحيط بمستشفى الولادة الأمر الذى أدى لفقدان ورقة الخروج من المستشفى واثبات الولادة , هذه الورقة كلفتها معركة إدارية كبيرة جداً الى أن بلغت ابنتها قرابة الثلاثة أشهر حتى تمكنت من استخراج ورقة اثبات ولادة وبعدها شهادة ميلاد, حُرمت طفلتها خلال تلك الفترة من الحصول على التطعيمات اللازمة في وقتها وإلا بجهد جهيد . 

نموذجين بسيطين جداً مقارنة بالعدد الهائل من المواطنين الذين فقدوا مستندات اثبات الشخصية والملكية … الخ , وهما ضمن كثيرين ممن تلقوا خدمات للمساعدة القانونية سهلت عليهم استخراج بعض مستنداتهم عبر مكاتب الداخلية المؤقتة والمحاكم الشرعية .

 

توصيات عاجلة لإنقاذ الهوية

قال المحامي محمد السقا: “إن مواجهة أزمة فقدان الوثائق الرسمية في غزة تتطلب تدخلًا وطنيًا منظمًا يشمل حلولًا فورية وأخرى طويلة الأمد، مضيفًا:”نقترح إنشاء منصة وطنية رقمية لحفظ نسخ إلكترونية للوثائق الرسمية لحماية هوية الناس القانونية من الضياع. كما يجب تكثيف العمل على إصدار إفادات قانونية مؤقتة بالتعاون مع اللجان المختصة والمخاتير لمساعدة المتضررين في الوصول إلى الخدمات الأساسية. ولا بد من تسريع إجراءات استخراج بدل الفاقد، خاصةً للفئات الأكثر هشاشة ككبار السن والنساء وذوي الإعاقة، وتوفير دعم قانوني مجاني لهم. بالإضافة إلى ذلك، من المهم تعزيز التنسيق مع المؤسسات الحقوقية الدولية لتوثيق الحالات والضغط من أجل حلول مستدامة تحفظ الحقوق ولا تترك الناس في العراء الإداري.”

في غزة، لم تعد الحرب فقط صراعًا على الأرض… بل على الورق أيضًا. ضياع الوثائق الرسمية يحرم آلاف الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، ويجعلهم في مهب فقدان قانوني يهدد حاضرهم ومستقبلهم.

لكن في ظل غياب المؤسسات، يبقى الأمل معلقًا على البدائل القانونية، وعلى جهد جماعي يضمن للناس استعادة هوياتهم التي نُسفت مع الركام… لتبقى العدالة حية، ولو ببطاقة تعريف مؤقتة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى