طفل من ذوي الإعاقة … لا أدوية ولا تأهيل

طفل من ذوي الإعاقة … لا أدوية ولا تأهيل

غزة- هبة أبو عقلين:

في زاويةٍ بمركز الإيواء المكتظ في شارع النصر غرب مدينة غزة، حيث تختلط أصوت الأطفال الباكين بصرخات الأمهات المنهكات، كان قاسم السواركة (3 سنوات) نائمًا على سريرٍ متواضعٍ بوجهٍ شاحب وجسد هزيل، يعاني من الضمور، ويتحرك بصعوبة بالغة.

تشير نور السواركة (23 عامًا) والدة الطفل إلى يديه وساقيه قائلة: “يعاني من ضمور وزيادة كهرباء في جسده، كان يتلقى العلاج بشكل جيد، ولكن الحرب عقّدت حالته تمامًا”.

تحمل الشابة طفلها حسام (عام ونصف)، وهي تهز بإحدى يديها سرير قاسم، تنظر إليه بحزنٍ وتروي قصته: “بعد 10 شهور من ولادته لاحظت أنه لا يتحرك كباقي الأطفال، أخذته إلى مستشفى كمال عدوان وهناك اكتشفنا إصابته بضمورٍ وزيادة كهرباء الدماغ، وبدأت رحلة العلاج الطبيعي معه، والالتزام بالأدوية التي تقلل الكهرباء، وكانت حالته تتحسن”.

تتذكر الشابة التي كانت تسكن مدينة جباليا شمال قطاع غزة، كيف كانت حياتها مستقرة مع زوجها إبراهيم، يتابعان علاج طفلهما الذي كان يبتسم لجلسات العلاج الطبيعي، وحالته تتحسن تدريجيًا، “رغم آلام التي يشعر بها، لكن كنت أراه يقاوم، كل خطو في العلاج تحمل بصيص أمل، زوجي كان يتابع جلسات العلاج الطبيعي وأدويته، كان يهتم بكل التفاصيل ويسهر على راحتنا”.

انكسر صوتها وامتزج بصوتِ بكاءٍ مختنق وهي تكمل: “يوم 7 يناير 2025م، انقلبت حياتي مرة ثانية، استشهد زوجي إبراهيم (27 عامًا) شمال قطاع غزة، فهو رفض النزوح وظلّ في البيت، لم أتمكن من رؤيته ولا توديعه”.

نزحت نور وحدها مع طفليها (11) مرّة، تنقّلت بين مراكز الإيواء في غزة، كان زوجها يزورهم بين حين وآخر، مرّت الأيام ثقيلة على قلبها بانتظار انتهاء الحرب، “لا أرى سوى الحزن في عيون قاسم الذي يحتاج علاجًا وأدوية، تمنيت انتهاء الحرب لمتابعة علاجه”، تقول نور.

غيّرت الحرب كل شيء في حياة نور، زوجها استشهد، ومنزلها تدمّر، وطفلها قاسم لم يعد يحصل على العلاج الخاص به، ولا الأدوية التي كانت تخفف من حالته وتمنحه الأمل، فكل يومٍ يمر أصعب من سابقه، وحدها تتحمل مسؤولية الطفلين.

تقول: “زوجي لم يعد معي لنكمل ما بدأناه، ويحمل عني عبء النفقات ومتابعة علاج قاسم، كل ما تبقّى لي هو بعض الأمل كي أواجه الحياة بمفردي من أجل الطفلين”.

تنظر على قاسم وتكمل: “لا أستطيع رؤية قاسم هكذا يتألم ويذبل أمامي دون علاج ولا أمل، أشعر أن قلبه يتألم، أين أذهب به؟ لا يوجد هنا شيء يساعده، المدينة مدمرة، وأنا بحاجة لأن أخرجه من هذا الوضع، في غزة لا يوجد أي أدوية ولا علاج، لا أفعل شيئًا سوى أن أراقبه وأبكي بصمت”.

عانت نور وطفليها من الجوع طوال فترة الحرب، لم يكن لديها ما تقدمه لطفليها، “كانوا أطفالي يناموا جعانين، أحيانًا لا أستطيع أن أعدّ لهم أي طعام، تمرّ الأيام ثقيلة عليّ، صوت القصف يرعبنا ويجعلنا نعيش الخوف باستمرار”، تقول نور.

أكثر ما يؤلم قلب الشابة أنها وسط كل هذا الخوف والجوع والنزوح، تخشى فقدان أي من طفليها بسبب القصف المستمر، “مع كل صوت قصف أتخيل سيناريوهات سيئة، أعيش حالةٌ من الرعب الدائم، رغم كل الدمار قررت البقاء في غزة، ونزحت 11 مرة وحدي ومعي طفليّ، كل مرة كانت أقسى من سابقتها”.

ويتنافى ما تعرضه له نور مع اتفاقية جنيف الرابعة، التي حظرت في مادتها (3) الاعتداء بالقتل على المدنيين، لكن زوجها استشهد، كما حظرت التهجير القسري للمدنيين، لكنها نزحت مرارًا، كما حثت المادة (23) على تقديم الرعاية الصحية للأفراد بما فيهم ذوي الإعاقة، وهو ما لم يتوفر لطفلها.

تمسح نور دمعة تسللت من عينيها وهي تختم: “أتمنى أن يحصل طفلي على أدويته بشكلٍ منتظم، ويجد مراكز صحية توفر له العلاج الطبيعي باستمرار”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى