أنين المصابات معلّق بتحويلة ومعبر رفح- دعاء برهوم: ترقد على سرير المستشفى منذ ثمانيةَ أشهر، خضعت لأكثر من ست عمليات جراحية، لكن دون تحسنٍ في حالتها التي تزداد سوءًا. بعيونٍ دامعة، بدأت المصابة فلسطين عابدين (17 عامًا) سرد وجعها وهي ترقد على سريرٍ داخل قسم الجراحة في مستشفى ناصر الطبي: “يوم 28 يوليو 2024م، كنا مجتمعين في الطابق الثاني ببيتنا في منطقة قيزان رشوان جنوب مدينة خانيونس، سمعنا صوت إطلاق نار من طائرة “كواد كابتر”، فجأة وقعت على الأرض وفقدت الوعي”. استيقظت فلسطين بعد 5 ساعات ونصف عند خروجها من أول عملية، حيث اخترقت الرصاصة بطنها واستقرت في ظهرها، ولم يتمكن الأطباء من إخراجها، ومع كثرة العمليات، تلوّث الدم فمكثت في العناية المركزة، وكادت تفقد حياتها. حتى المسكنات مفقودة تصرخ فلسطين ألمًا، وهي تضع يدها على مكان مدخل الإصابة في بطنها، وتقول: “أصبحت بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة، خاصة أن موضع العملية أصيب بالالتهاب، ولا يوجد أدوية مسكنات لتخفيف الألم، سوى المعقمات التي تزيد الالتهاب”! نزحت فلسطين مع عائلتها من مدينة خانيونس أكثر من مرة للنجاة بأرواحهم، لكن لاحقتها رصاصة استقرت في جسدها، فأصبح أسمى أمانيها السماح لها بالخروج من قطاع غزة للعلاج، كي تعود وتكمل حياتها بشكلٍ طبيعي. وكان الاحتلال الإسرائيلي شنّ يوم 7 أكتوبر حربَ إبادةٍ على قطاع غزة، أجبر خلالها نحو 2 مليون فلسطينية وفلسطيني على النزوح من أماكن سكنهم، كما أطلق طيران “الكواد كابتر” الذي كان يطلق الرصاص صوب المواطنين فيصيبهم حتى وهم داخل بيوتهم، تمامًا كما حدث مع فلسطين. وتتواصل معاناة النساء اللواتي أصبن خلال حرب الإبادة، خاصة من تعرضن لبتر جزءٍ من أجسادهن، وينتظرن السماح لهن باستكمال علاجهن في الخارج، مثل نعمة كسكين (43عامًا)، التي تسعى جاهدة للحصول على تحويلة طبية لاستكمال علاجها خارج قطاع غزة. تقول نعمة وهي أمٌ لستة أبناء: ” منذ إصابتي في 21 يونيو 2024م، وبتر يدي اليمنى لم أتمكن من الحصول على تحويلةٍ طبية لتركيب طرف صناعي، بعد أن طرقت جميع الأبواب، فالأولوية كانت للحالات الحرجة، لأن العدد المسموح له بالسفر قليل جدًا، قياسًا بعدد المصابين”. نجت لكن مبتورة اليد أصيبت نعمة نتيجة قصف جيش الاحتلال لبيت أهلها في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، الذي نزحت إليه بعدما اشتد القصف على مدينة غزة التي رفضت هي وعائلتها النزوح منها إلى الجنوب، لكنها وبعد ثمانية أشهر من الحرب لم تسلم من بطش الاحتلال، حيث تم قصف المنزل على رؤوسهم. تكمل: “بعد ساعاتٍ من قصف المنزل، أخرجوني من تحت الركام، ونقلوني إلى المستشفى المعمداني لإجراء عملية بسبب خطورة إصابتي، تم بتر يدي نتيجة تهتك كبير بها، وبعد أيام عرفت باستشهاد 11 فردًا من عائلتي”. ذاقت نعمة الويلات خلال الحرب، فعند الإصابة لم يكن زوجها هاني (49 عامًا) معها ليخفف عنها، فقد تم اعتقاله هو ابنها البكر إبراهيم (23 عامًا)، أثناء حصار بيت عمه في شارع الجلاء، وما زالت تنتظر تحررهم إلى جانب انتظارها للتحويلة. تحولت المستشفيات في قطاع غزة إلى ساحةِ دمٍ نتيجة العدد الكبير من الإصابات الذين يأتون تباعًا من كل الأماكن بسبب القصف المتكرر على المدنيين منذ شن الاحتلال الحرب على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، مما أدى إلى انهيار المنظومة الطبية المتهالكة أصلًا نتيجة الحصار الخانق وإغلاق المعابر، فالتحويلات الطبية كانت ملاذًا للكثير من المصابين. ويخالف ما تعانيه المصابات الفلسطينيات، اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي أكدت في مادتها (16) حق الجرحى في الحماية والحصول على الرعاية التي يحتاجونها، كما حظرت المادة (12) ترك الجرحى دون علاج أو رعاية أو خلق ظروف تعرض الإصابة للخطر، ويؤكد القانون الدولي الإنساني في مادته (110) على تلقي الجرحى الرعاية والعناية التي تقتضيها حالتهم دون إبطاء. ترميم الإصابات ليس أولوية! المصابة زينب مرتجى (53عامًا)، حاولت مرارًا تقديم ما يثبت أنها بحاجة للعلاج بالخارج بعد إصابتها في قدمها وتهتك “كعب القدم”، يقابلها الرفض لأن عدد المصابين الذين يسمح لهم الاحتلال بالخروج محدود، فهناك الكثير من الحالات الصعبة ما زالت بحاجة للعلاج حسب تصريح وزارة الصحة الفلسطينية. تقول زينب: “أُغلقت كل السُبل بوجهي، لكن أنا بحاجة إلى العلاج في الخارج فإصابتي واضحة لكنها ليست خطيرة، لقد أثرت على المشي عندي، إضافة إلى فقداني 80% من حاسة السمع، نتيجة القصف المتكرر على مدينة غزة. “نزحنا 19مرة داخل مدينة غزة، انتقلنا من الشرق إلى الغرب، ففي منطقة اللبابيدي يوم 4 نوفمبر 2023م، الساعة السادسة مساءً، انهار بيت أختي “مؤمنة” على من فيه، فاستشهد زوجها وأطفالها ووالدي وأختي لينا”، تقول زينب التي ظلّ جسدها عالقًا تحت الركام (18) ساعة، حتى أخرجوها مع شقيقتها مؤمنة وابنتها، وتم تحويلهن إلى مستشفى الشفاء حيث بدأت المعاناة. “دخلت غرفة العمليات مرة واحدة، رغم أني بحاجة لعمليات أخرى لترميم قدمي، لكن الأطباء أخبروني أنه لا متسع داخل المستشفى وأن أكتفي بالمسكنات، رغم أن التقارير الطبية تثبت حاجتي لعملية أخرى”، تقول زينب. طرقت زينب كل الأبواب وصولًا إلى وزارة الصحة برام الله، وتدخلات من المؤسسة التي كانت تعمل بها إلا أنها مازالت عالقة في غزة، تتشبث ببصيص أمل أن تتلقى العلاج بالخارج وتكمل مشوار حياتها كالسابق. خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تجاوز عدد الإصابات 112 ألفًا، تشكّل النساء والأطفال نحو 70% من أعداد الضحايا، وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وإثر انهيار المنظومة الصحية في القطاع بسبب الحرب، باتت أعداد كبيرة من المصابات بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة، إلا أن أنينهن يصطدم بشحّ التحويلات وإغلاق المعبر.
أنين المصابات معلّق بتحويلة ومعبر
رفح- دعاء برهوم:
ترقد على سرير المستشفى منذ ثمانيةَ أشهر، خضعت لأكثر من ست عمليات جراحية، لكن دون تحسنٍ في حالتها التي تزداد سوءًا.
بعيونٍ دامعة، بدأت المصابة فلسطين عابدين (17 عامًا) سرد وجعها وهي ترقد على سريرٍ داخل قسم الجراحة في مستشفى ناصر الطبي: “يوم 28 يوليو 2024م، كنا مجتمعين في الطابق الثاني ببيتنا في منطقة قيزان رشوان جنوب مدينة خانيونس، سمعنا صوت إطلاق نار من طائرة “كواد كابتر”، فجأة وقعت على الأرض وفقدت الوعي”.
استيقظت فلسطين بعد 5 ساعات ونصف عند خروجها من أول عملية، حيث اخترقت الرصاصة بطنها واستقرت في ظهرها، ولم يتمكن الأطباء من إخراجها، ومع كثرة العمليات، تلوّث الدم فمكثت في العناية المركزة، وكادت تفقد حياتها.
حتى المسكنات مفقودة
تصرخ فلسطين ألمًا، وهي تضع يدها على مكان مدخل الإصابة في بطنها، وتقول: “أصبحت بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة، خاصة أن موضع العملية أصيب بالالتهاب، ولا يوجد أدوية مسكنات لتخفيف الألم، سوى المعقمات التي تزيد الالتهاب”!
نزحت فلسطين مع عائلتها من مدينة خانيونس أكثر من مرة للنجاة بأرواحهم، لكن لاحقتها رصاصة استقرت في جسدها، فأصبح أسمى أمانيها السماح لها بالخروج من قطاع غزة للعلاج، كي تعود وتكمل حياتها بشكلٍ طبيعي.
وكان الاحتلال الإسرائيلي شنّ يوم 7 أكتوبر حربَ إبادةٍ على قطاع غزة، أجبر خلالها نحو 2 مليون فلسطينية وفلسطيني على النزوح من أماكن سكنهم، كما أطلق طيران “الكواد كابتر” الذي كان يطلق الرصاص صوب المواطنين فيصيبهم حتى وهم داخل بيوتهم، تمامًا كما حدث مع فلسطين.
وتتواصل معاناة النساء اللواتي أصبن خلال حرب الإبادة، خاصة من تعرضن لبتر جزءٍ من أجسادهن، وينتظرن السماح لهن باستكمال علاجهن في الخارج، مثل نعمة كسكين (43عامًا)، التي تسعى جاهدة للحصول على تحويلة طبية لاستكمال علاجها خارج قطاع غزة.
تقول نعمة وهي أمٌ لستة أبناء: ” منذ إصابتي في 21 يونيو 2024م، وبتر يدي اليمنى لم أتمكن من الحصول على تحويلةٍ طبية لتركيب طرف صناعي، بعد أن طرقت جميع الأبواب، فالأولوية كانت للحالات الحرجة، لأن العدد المسموح له بالسفر قليل جدًا، قياسًا بعدد المصابين”.
نجت لكن مبتورة اليد
أصيبت نعمة نتيجة قصف جيش الاحتلال لبيت أهلها في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، الذي نزحت إليه بعدما اشتد القصف على مدينة غزة التي رفضت هي وعائلتها النزوح منها إلى الجنوب، لكنها وبعد ثمانية أشهر من الحرب لم تسلم من بطش الاحتلال، حيث تم قصف المنزل على رؤوسهم.
تكمل: “بعد ساعاتٍ من قصف المنزل، أخرجوني من تحت الركام، ونقلوني إلى المستشفى المعمداني لإجراء عملية بسبب خطورة إصابتي، تم بتر يدي نتيجة تهتك كبير بها، وبعد أيام عرفت باستشهاد 11 فردًا من عائلتي”.
ذاقت نعمة الويلات خلال الحرب، فعند الإصابة لم يكن زوجها هاني (49 عامًا) معها ليخفف عنها، فقد تم اعتقاله هو ابنها البكر إبراهيم (23 عامًا)، أثناء حصار بيت عمه في شارع الجلاء، وما زالت تنتظر تحررهم إلى جانب انتظارها للتحويلة.
تحولت المستشفيات في قطاع غزة إلى ساحةِ دمٍ نتيجة العدد الكبير من الإصابات الذين يأتون تباعًا من كل الأماكن بسبب القصف المتكرر على المدنيين منذ شن الاحتلال الحرب على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، مما أدى إلى انهيار المنظومة الطبية المتهالكة أصلًا نتيجة الحصار الخانق وإغلاق المعابر، فالتحويلات الطبية كانت ملاذًا للكثير من المصابين.
ويخالف ما تعانيه المصابات الفلسطينيات، اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي أكدت في مادتها (16) حق الجرحى في الحماية والحصول على الرعاية التي يحتاجونها، كما حظرت المادة (12) ترك الجرحى دون علاج أو رعاية أو خلق ظروف تعرض الإصابة للخطر، ويؤكد القانون الدولي الإنساني في مادته (110) على تلقي الجرحى الرعاية والعناية التي تقتضيها حالتهم دون إبطاء.
ترميم الإصابات ليس أولوية!
المصابة زينب مرتجى (53عامًا)، حاولت مرارًا تقديم ما يثبت أنها بحاجة للعلاج بالخارج بعد إصابتها في قدمها وتهتك “كعب القدم”، يقابلها الرفض لأن عدد المصابين الذين يسمح لهم الاحتلال بالخروج محدود، فهناك الكثير من الحالات الصعبة ما زالت بحاجة للعلاج حسب تصريح وزارة الصحة الفلسطينية.
تقول زينب: “أُغلقت كل السُبل بوجهي، لكن أنا بحاجة إلى العلاج في الخارج فإصابتي واضحة لكنها ليست خطيرة، لقد أثرت على المشي عندي، إضافة إلى فقداني 80% من حاسة السمع، نتيجة القصف المتكرر على مدينة غزة.
“نزحنا 19مرة داخل مدينة غزة، انتقلنا من الشرق إلى الغرب، ففي منطقة اللبابيدي يوم 4 نوفمبر 2023م، الساعة السادسة مساءً، انهار بيت أختي “مؤمنة” على من فيه، فاستشهد زوجها وأطفالها ووالدي وأختي لينا”، تقول زينب التي ظلّ جسدها عالقًا تحت الركام (18) ساعة، حتى أخرجوها مع شقيقتها مؤمنة وابنتها، وتم تحويلهن إلى مستشفى الشفاء حيث بدأت المعاناة.
“دخلت غرفة العمليات مرة واحدة، رغم أني بحاجة لعمليات أخرى لترميم قدمي، لكن الأطباء أخبروني أنه لا متسع داخل المستشفى وأن أكتفي بالمسكنات، رغم أن التقارير الطبية تثبت حاجتي لعملية أخرى”، تقول زينب.
طرقت زينب كل الأبواب وصولًا إلى وزارة الصحة برام الله، وتدخلات من المؤسسة التي كانت تعمل بها إلا أنها مازالت عالقة في غزة، تتشبث ببصيص أمل أن تتلقى العلاج بالخارج وتكمل مشوار حياتها كالسابق.
خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تجاوز عدد الإصابات 112 ألفًا، تشكّل النساء والأطفال نحو 70% من أعداد الضحايا، وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وإثر انهيار المنظومة الصحية في القطاع بسبب الحرب، باتت أعداد كبيرة من المصابات بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة، إلا أن أنينهن يصطدم بشحّ التحويلات وإغلاق المعبر.