النساء المعنفات, يفضلن الصمت, والبعض يخرجن عنه

غزة – CMC – ترنيم خاطر   

كثيرة هي حالات العنف التي تواجهها المرأة داخل أسرتها، وكثيراً ما تتجاهل المرأة مطالبتها بحقها رغم تعرضها لذلك العنف أكثر من مرة، خوفاً من تعرض أسرتها للتفكك، وأبنائها للتشرد، أو خشية الفضيحة أو لعدم وجود من يقف بجانبها ويدعمها في اتخاذ قرار الحديث عن معاناتها، ولا يقتصر العنف على المتزوجات بل يطال أيضاً الفتيات على يد ذويهن داخل الأسرة, ليبقى الصمت سيد الموقف ويبارك المجتمع هذا الصمت بداعي السترة أو التربية.

غياب المساندة

أم مهند(30 عاماً) واحدة من النساء اللواتي يتعرضن بشكل دائم للضرب من قبل زوجها، تقول:” منذ أن وعيت على هذه الحياة وأنا أجد والدي يضرب أمي فهذا الأمر عادياً واعتقد أن غالبية الزوجات يتعرضن أيضاً للضرب فأنا ليست الوحيدة”.

وأكدت أم مهند في بعض الأحيان كنت أفكر بالتوجه إلا أهلي لأشكو لهم ما أتعرض له من ضرب وشتائم، ولكني سرعان ما أتوصل إلى نتيجة هل من الممكن أن أجد الانصاف ممن يتصرف بنفس الطريقة مع زوجته، فأنا متأكدة أنني لن أجد من يقف بجانبي وينصفني وأفضل السكوت على الحديث”.

أما الموظفة علا (25 عاماً) والتي تعمل في إحدى رياض الأطفال تقول:” تعرضت لمختلف أنواع العنف من ضرب وإهانة واحتقار على يد زوجي الذي كان يستحوذ على كل راتبي، وكثيراً ما توجهت لذويه دون جدوى، كما توجهت أيضاً إلى أهلي لشرح معاناتي لكنهم سرعان ما يقومون بإرجاعي إلى زوجي خوفاً من الطلاق وحرصاً على عدم تشرد أبنائي”.

عادة مستمرة

بينما المعلمة هدى (45 عاماً) والتي تعمل في إحدى مدارس الوكالة والتي تتساوى مع زوجها علماً وثقافة تقول:” في بداية زواجي وفي احدى النقاشات فوجئت بصفع زوجي لي لمخالفته الرأي، شعرت بصدمة كبيرة، وخاصة أنني لم أتعرض للضرب طيلة حياتي عند أهلي”.

وتابعت اضطررت للسكوت فليس من اللائق أن أفضح نفسي وأخبر من حولي بأن زوجي يضربني خاصة أنني معلمة، لكن سكوتي جعل زوجي يتمادى في الأمر ويضربني كلما حدثت مشكلة بيني وبينه”.

بصوت حزين خنقه الكثير من العبرات على مصيرها المجهول، والمتألمة من واقعها المرير تقول السيدة (م.خ) التي مر على زواجها 15 سنة :” لازال زوجي حتى اللحظة يقوم بضربي وتعنيفي دون رحمة أو رأفة وأمام أطفالي الستة، معتقداً أنه بذلك رجل، على الرغم من محاولاتي الدائمة ارضاءه والوقوف بجانبه في أسوأ الظروف وكل ذلك لا يشفع لي ليقلل عنفه تجاهي، مؤكدة أنها لا تستطيع إخبار أهلها بما تعانيه خوفاً من اجبارها على الطلاق والتخلي عن أطفالها”.

تحدي, ومساندة

أما نادية (23 عاماً) فقررت أن تتحدى هذا الواقع المرير بعد أن عانت من زوجها الأمرين وأذاقها طعم الخيانة الزوجية، فتقول:” كلما واجهته بعلاقته غير المشروعة بالنساء سواء على الإنترنت أو الجوال أسرع إلى ضربي بكل ما أوتي من قوة وأمام عائلته وأبنائه، حتى أصبحت غير قادرة على التحمل وحينها قررت الانفصال عنه واقنعت أهلي بذلك”.

ودعت جميع النساء إلى عدم السكوت عما يوجهنه من عنف وعدم الخوف من العواقب، أو من الأهل أو الزوج، وضرورة المواجهة، مستغربة من سكوتهن عن هذه الإهانة الكبيرة، فسكوتها يعرضها للمزيد من العنف إلى أن يصير أسلوباً للحياة”.

تقول الأخصائية النفسية ياسمين عليان:” تتعرض المرأة في مجتمعنا لمختلف أنواع العنف، ويؤدي ذلك إلى حدوث أنواع مختلفة من الاضطرابات السلوكية والنفسية التي تؤثر بشكل كبير على المرأة وصحتها، وعلى أداء أدوراها”.

وتضيف أن غالبية النساء المعنفات يفضلن الصمت لأن العادات والتقاليد والعرف السائد لدى المجتمع يطالبها بالسكوت والخضوع للواقع، والتكيف معه، وهذا يجعل المعنف سواء كان زوجاً أو أباً أو أخاً يتمادى في الأمر ليصبح شيئاً اعتيادياً لدى الطرفين”.

وتوضح  عليان أن أهم أسباب تقبل المرأة للعنف هو الخلفية الاجتماعية الموجودة لدى المرأة الداعمة لسيطرة الرجل على المرأة واعتباره واقع للحياة، وتدني الوضع القانوني للمرأة وعدم كفاية القوانين التي تحكم الاعتداء على المرأة، وقصور الجهات الأمنية في التعامل مع مشكلات العنف، وعدم شعورها بالأمان في حالة لجوئها للشرطة أو القضاء في مجتمعنا المحافظ الذي لا يزال ينظر للعنف ضد المرأة على أنه شأن عائلي.

وتؤكد ضرورة تكاثف المجتمع المدني وكافة المؤسسات المعنية بذلك، لوضع حلول عملية تنهي مشاكل المرأة الناتجة عن العنف الموجه ضدها، وإيجاد فرص عمل للمرأة الأمر الذي يجعلها تستقل عن الرجل في حالة الانفصال، فالكثير من النساء المعنفات لا يستطعن الخروج من دوامة العنف بسبب الخوف من المصير المجهول”.

أجهزة الأمن والعدالة

بينما ترى المحامية إصلاح حسنية أنه لا توجد إحصائيات دقيقة للنساء المعنفات، فالكثير من النساء يفضلن السكوت وعدم التوجه إلى مراكز الشرطة للتبليغ عما يتعرضن له من عنف، إضافة إلى أن الكثير من النساء لا يعتبرن العنف اللفظي واللطم على الوجه عنفاً، ويعود ذلك إلى طبيعة الثقافة السائدة في مجتمعنا”.

وتبين أن في حال توجهت المرأة المعنفة إلى مراكز الشرطة فإنهم لا يتعاطون معها، محاولين منعها عن تقديم الشكوى، وفي حالة اصرارها على ذلك فإن هناك تقاعس في الإجراءات القانونية، كما أن التحقيقات تكون بطيئة، وفي حالة وصول القضية إلى القضاء فغالباً ما يحصل الجاني على حكم مخفف، أو أن تنتظر النساء وقتاً طويلاً للبت في قضيتها فكثير من النساء ينتظرن منذ سنوات طويلة للحصول على الطلاق”.

وتذكر المحامية أنها تعرضت خلال عملها للعديد من الحالات التي تراجعت فيها النساء المعنفات عن تقديم الشكوى خشية مواجهة العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، أو الخوف من الطلاق وحرمانها من أطفالها، أو تعرضها للمزيد من العنف.

وتوضح أن جهل المرأة بحقوقها الدينية والقانونية قد يؤدي في الكثير من الحالات إلى الصمت والسكوت عما تتعرض له من عنف، لذلك فإنه من الضروري الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة في تسليط الضوء والاهتمام بقضايا المرأة، أضافة إلى تثقيفها وإعداد الدورات التدريبية بما يكفي لتوعيتها، بالتزامن مع توعية جميع شرائح المجتمع”.

** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى