حرمان النساء من مشاهدة وحضانة أطفالهن ومنع حصولهن على حقوقهن المالية
زيادة معدلات العنف ضد المرأة خلال جائحة كورونا في فلسطين
حرمان النساء من مشاهدة وحضانة أطفالهن ومنع حصولهن على حقوقهن المالية
غزة-مركز الإعلام المجتمعي (CMC) ابتسام مهدي- تسبب تعطل عمل المحاكم خلال الفترة الماضية كنوع من إجراءات الحدّ من انتشار فيروس كوفيد-19 المفروضة من الجهات المسؤولة في قطاع غزة، في تأجيل البت في الكثير من القضايا، ولم يقتصر تأثيره على الواقع الراهن بل سيمتد تأثيره لسنوات مقبلة، حيث يتكرر هذا اجراء هذا التعطيل مع اكتشاف حلات إصابة داخل المحاكم، مما سينعكس على عملها في البتّ بالقضايا عبر تكرار تأجيل الجلسات، بالإضافة لما ستشهده المحاكم من اكتظاظ وتراكم في القضايا الناشئة عن بطء العمل خلال أزمة كورونا.
من بين القضايا التي تأثرت بسبب جائحة كورونا وتم تأجيلها أكثر من مرة وهي لسيدة تم فسخ عقد زواجها قبل عدة سنوات وحرمت من أبنائها، ولم تستطع التوجه لأي محام بسبب ضيق ذات الحال لها ولأسرتها.
تقول أم محمد:’’ لم أستطع الاستمرار في حياتي مع زوجي فالمشاكل وصلت لدرجة ضرورة الانفصال، لقد طلقني ولكنه رفض أن اصطحب أطفالي وهددني بعدم حصولي على ورقة الطلاق إلا بعد التنازل عن حضانتهم، ووضع عائلتي المادي لا يسمح لي أساسا بأن أصطحب أطفالي معي‘‘.
وتكمل أم محمد (46عاما)، أنها عرفت من خلال جارتها عن وجود العيادات القانونية في المؤسسات الأهلية وأنها تساعد في الحصول على حقوق المرأة وتقدم خدمات للنساء ذوات الوضع المادي السيء، لتتوجه لهم فيرفعوا لها قضية في المحكمة منذ أكثر من خمسة شهور، حيث يجري مماطلة وتسويف في قضيتها تحت ذريعة كورونا أكثر من مرة لمنع إصدار الحكم، وأخيرا تحصل قبل عدة أيام على قرار يقضي بحقها في مشاهدة أطفالها.
وتبين أم محمد أنه رغم حصولها على قرار المشاهدة، يجب عليها تقديم طلب لتنفيذ الحكم كون طليقها رفض الانصياع لقرار المحكمة بحجة الحاجة لضمان سلامة الأم وعائلتها وعدم أصابتهم بفايروس كورونا، وبذلك يجب أن تنتظر لمدة شهر على الأقل ما لم يحدث مستجدات لمشاهدة أطفالها لإصدار حكم تنفيذ الحكم الأول، وتتنهد’’ عشان ثلاث ساعات أشاهد فيها أطفالي سأنتظر ستة شهور ويمكن أكثر، وعلينا أن نتنقل من قضية لقضية‘‘.
شكل من أشكال العنف
“المماطلة والتسويف في المحاكم بذريعة كورونا” هذه ممارسة جديدة ترتكب بحق المرأة وشكل من أشكال العنف الممارس عليها واستغلال أي أزمة تحدث في المنطقة بما يخدم مصلحة الرجل، من هنا بدأ المحامي في العيادة القانونية بجمعية الثقافة والفكر الحر والمختص بشؤون المرأة محمود لافي حديثه.
وتابع:’’ تسبب إغلاق المؤسسات القضائية خلال فترة الحظر الشامل وبطء سير المعاملات بعد ذلك، بتعطيل الكثير من القضايا وخاصة المتعلقة بالنساء اللواتي حرمن من النفقة أو مشاهدة أو احتضان أطفالهن، بسبب تحديات قانونية وإجرائية للمرأة، المعضلة الأخرى أن القضايا متراكمة في المحاكم وأوامر الحبس كثيرة والشرطة لا تستطيع تكرار الزيارات للحالات لتنفيذ الحكم وبذلك يجد المدعى عليه الكثير من الطرق للإفلات من تنفيذ الحكم ‘‘.
وفي نفس الوقت لا ينكر لافي أنه بمجرد فتح المحاكم أبوابها تم النظر في السيدات اللواتي لديهن قضايا متعلقة في حقوق الحضانة والقضايا المتعلقة بالذمم المالية الخاصة بالنفقة للنساء والأبناء، وذلك لإزاحة الضرر الذي وقع عليهن نتيجة حالة الطوارئ وغياب سيادة القانون، وتفعيل الإجراءات لتنفيذها، جراء تهرب الأزواج من دفع النفقة والحقوق المالية بحجة تعطل القضاء.
منوها في نفس الوقت مازال هناك تهرب واضح من تنفيذ الأحكام، وهناك عجز في القانون بحجة الانقسام، رغم أنه يمكن تنظيم الأمر بموجب تعميم قضائي يحل المشكلة مثله مثل التعميمات التي تصدر بشكل مستمر
ويضيف لافي: “أن المرأة وبشكل خاص الأم دائمًا في حيرة من أمرها إن تركت أطفالها ولم تطالب بهم، حاسبوها واتهموها بأنها تركتهم لإرضاء نفسها، وإن تمسكت بهم عاتبوها كونها رفعت ضد والدهم قضية، وهذا الأمر من أشد أشكال العنف الممارس ضد المرأة وهو عنف نفسي واقتصادي في آن واحد وشكل من أشكال الحرمان العاطفي والنفسي”.
وعن الإجراءات القانونية المتخذة للحصول على حقوق المرأة، قال لافي:’’ نحن نتصرف وفق القانون، نرفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة، ويتم تحديد موعد الجلسة لتبليغ المدعي عليه”
وتابع:’’ كل إمهال يأخذ مدة زمنية تقدر على الأقل بخمسة عشر يومًا، وفي هذه الحالة يتم تبليغ المدعى عليه لحضور الجلسة، وإذا رفض، يطلب منا إحضار شهود وعرض المشكلة على القاضي، حيث نتحدث عن استقامة الأم ووجود مكان لاستقبال أبنائها ويتم تحديد مكان معتمد للمشاهدة ويتم تحديد ساعة المشاهدة حسب سن الطفل أو الطفلة وعدد المرات في الأسبوع، ثم نصطدم بعدم إمكانية التنفيذ في ظل الإجراءات المتبعة لتجنب كوفيد19، ‘‘.
استغلال الأوضاع القائمة في ظل الأزمة
وعما حدث خلال جائحة كوفيد-19 من مشاكل أسرية تحولت لقضايا، يبين لافي “لقد ولد عشرات الخلافات الزوجية واستغلال الأزواج للوضع الخاص من توقف النظر بالقضايا جميعها ومن بينها قضايا حضانة الأطفال والنفقة والحقوق المالية للمنفصلة عن زوجها، فتم حرمان الأمهات والمطلقات من حقوقهن بالحضانة وبالنفقة وحقوقهن القانونية”.
ومع تكرار الشكاوى التي وصلت العديد من المؤسسات من قبل النساء تم التواصل مع الجهات المعنية لإعادة النظر في القرارات المتعلقة بإجراءات الحكم والنظر في جميع القضايا التي تخص النساء بشكل خالص، وفق لافي.
وأضاف:’’ أن الأزمة أظهرت أهمية اتخاذ إجراءات سريعة لضمان العدالة، خاصة في ضوء طول مدة التعطل عن العمل، وتوقف القضاء الشرعي بشكل خاص لفترة طويلة واستغلال العديد من الأشخاص هذا الأمر، ما أدى لضياع حقوق العديد من النساء، حيث أن توقف مرفق القضاء عن العمل، عطل الكثير من حقوق الإنسان التي كفّلها القانون الفلسطيني”، مؤكدً على أهمية وجود إجراءات أسرع للمحاكم فور عودتها لعملها الكامل.
القانون مجحف
بين لافي أن القانون مجحف بحق المرأة بشكل كبير فهو جامد ولا يتم العمل بروحه وهنا المشكلة الحقيقة، حيث يتم استغلال الوقت للضغط على الأم وابتزازها، مثلا لتتنازل عن حقوقها المالية أو حقها في حضانة أطفالها حتى يتم القبول بالمشاهدة، وطبعا هذا يتم خارج إطار المحكمة والجلسات، ولا نستطيع التحدث به في المحكمة، في النهاية’’ الأطفال هم الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، ولا أعلم كيف يمكن تكوين نشأ سليم في ظل هكذا وضع‘‘.
وبسبب القانون القائم والتذرع بجائحة كورونا وتعاطف مسئول السجن لم يتم حبس طليق مروة والتي حصلت على قرار من المحكمة بوجوب بدفع حقوقها المالية منذ شهر نوفمبر من العام المنصرم، وفي نفس الوقت لم تحصل على أي من حقوقها رغم صدور أكثر من مرة قرار بالحبس بسبب تراكم مبلغ الحقوق المالية.
وتقول مروة:’’ أعيش بضغط كبير منذ طلاقي قبل عامين فلم أحصل على أي من حقوقي المالية، رغم أنه هو من بادر بتطليقي للزواج من أخرى، وكان القانون عاجزًا عن إصدار الحكم وبعد عدة جلسات تم إصدار الحكم، وقد كنت قد تنازلت عن مبلغ النفقة قبل تطليقه على أمل أن أحصل على حقوقي من مؤخر وعفش بيت‘‘.
وتستغرب مروة (24 عامًا) من ضعف القانون وخدمته وتطويعه لصالح الرجال، فقد أصدر بحق طليقها أمرًا بالحبس من المحكمة، وتم حبسه 21 يومًا، ولكنه خرج بعد 10 أيام، بحجة جائحة كورونا رغم أنه لم يدفع لها شيء.
الحماية القانونية
وقد حاول طليقها إعادتها لبيت الزوجية مقابل إسقاط الدعوة وتنازلها عن كل حقوقها، ولكن تقول مروة: “لا يمكنني أن أعود له، هو يحاول أن يسقط الدعوة ويتخلص من المبالغ المالية المتراكمة عليه، ويتحجج أنه لا يعمل بسبب جائحة كورونا، ولا يستطيع سداد المبلغ والصرف على زوجته الجديدة” وتنهي مروة حديثها: ’’ النساء في مهب الريح فلا حماية قانونية لنا‘‘.
الحماية القانونية موجودة ولكن تكمن المشكلة وفق المحامي لافي في جهة التنفيذ، التي تضيع الكثير من حقوق النساء، واستغلال الرجال للأزمات والثغرات الموجودة في القانون، ولا ننسى رغبة الكثير من القضاة بإعطاء فرص كثيرة للزوجين لإنهاء خلافاتهما والعودة عن قرار الطلاق، مما يتسبب في ضياع الحقوق والمماطلة وأن تكون المرأة هي الخاسر الأكبر، حيث تصبح ضعيفة أمام أبنائها فأين هي العدالة في الحكم بالمشاهدة للأم لأطفالها مرة كل أسبوع لمدة ثلاث ساعات وأن تستضيفهم ليلة كل أسبوعين؟
ومن ناحيتها تجد الإخصائية النفسية فداء عمر أن المنفصلة عن زوجها تعيش الكثير من الضغوطات النفسية والمالية، فهي تعاني من الارتباك وعدم اليقين بشأن المستقبل، خاصة إذا كانت هي مقدم الرعاية الأولية للأطفال بدون راتب زوجها، وعادة ما تكون المرأة المطلقة لديها أموال أقل من المرأة المتزوجة، وهنا يتحكم الرجل بطبيعة الاستقرار المادي لمطلقته وحاضنة أطفاله إذا رفض توفير الحقوق المالية.
وتضيف:’’ تحمل المنفصلة عن زوجها ندوب العلاقة المكسورة لفترة طويلة، والشعور بالذنب، فقد تلوم نفسها لعدم العمل بجدية كافية لاستمرار الزواج، وخصوصا إذا كان هناك أطفال، لأن النساء قد يشعرن وكأنهن مسؤولات عن تحطيم الأسرة، والتسبب في صدمة نفسية لأطفالهن‘‘.
وتبين عمر أن المنفصلة عن زوجها تشعر بالحزن والقلق والتوتر من فقدان مفاجئ لزواجها، حيث يعني هذا نهاية لأحلامها من أجل المستقبل، ويبدو لها أن الأمل قد انتهى وكل هذا يتزامن مع زيادة المسؤولية عليها.
وتؤكد أن هذه الاضطرابات تزيد في حالة حدوث مشاكل ما بعد الانفصال وبشكل خاص إذا كانت مادية وكان وضع عائلتها المادي سيئ، والأصعب حرمانها من مشاهدة أطفالها أو حضانتهم، فالأم تعتبر نفسها أنها خرجت من معركة الزواج منتصرة بأطفالها فكيف إذا تم حرمانها منهم، وهنا تدخل الأمهات في صراع داخلي صعب جدًا، وتصل لدرجة الانتكاسات النفسية التي من الصعب معالجتها والتي تظهر أحيانا كأمراض جسدية.