صرخة مكتومة لكبار السن بغزة … “نموت ببطء”
صرخة مكتومة لكبار السن بغزة … “نموت ببطء”
غزة – نيللي المصري:
في نوفمبر 2023م، تم انتشال المسن عمر الطاهر (81 عامًا) بصعوبةٍ من تحت الركام، بعد قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمنزلٍ يجاور منزل شقيق زوجته الذي نزح إليه في النصيرات وسط قطاع غزة!
هذا ما أخبرتنا به زوجته أم معتز (50 عامًا)، والتي نزحت مع زوجها وطفلها معتز (15 عامًا) من بيتها بمدينة غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، بحثًا عن النجاة.
داخل خيمةٍ بأحد مخيمات النزوح بمدينة غزة، يستلقي المسن عمر على سريرٍ خشبي بجسده النحيل، غير قادر على الحديث، مستسلمًا لمرضه وهو يحاول بين فينة وأخرى رفع رأسه في حركةٍ مستمرة لتنشيط جسده.
تقول زوجته: “كنت نازحة عند شقيقي ولما حدث القصف تعرّض زوجي لكسرٍ في الحوض، أُجريت له عملية جراحية ووضعوا له بلاتين، وبعد تماثله للشفاء فقد القدرة على المشي وتحريك ساقه اليمنى، وأصبح طريح الفراش”.
كان الطاهر يسكن في شارع الوحدة غرب مدينة غزة، لديه بيتٌ متعددُ الطوابق يسكنُه مع أبنائِه المتزوجين، قُصف البيت بالكامل، وبدأت معاناة النزوح منذ الشهر الأول لحرب الإبادة، وبعدها بدأت صحته تتدهور.
توضح أم معتز: “قبل الحرب كان يعاني من السرطان ويخضع للعلاج الكيماوي، وخلال الحرب لم يحصل على هذه الجلسات، وحتى الدواء باهظ الثمن، اضطررت لبيع طرود غذائية لأوفر له الدواء، تصمت قليلًا وتكمل: “لم أحاول استخراج تحويلة طبية له للعلاج بالخارج، فلا أملك أي نقود لمرافقته”.
لم تكن حالة الطاهر قبل الحرب بكل هذا السوء، لكن استشهاد اثنين من أبنائه وإصابة الثالث بإصابة بالغة، عرّضته لجلطات دماغية، فأصبح غير قادر على التركيز ويفقد الوعي بين حين وآخر، وفقد السمع وحالته باتت بحاجة إلى تقديم غذاء جيد وفيتامينات ودعم نفسي، لكن كل ذلك كان صفرًا.
حال الطاهر يشرح حال السيدة رويدة رزق صيام (63 عامًا)، والتي عانت من نزوحٍ متكرر خلال حرب الإبادة، ثم عادت لتعيش في خيمةٍ بمخيم للنازحين في مدينة غزة بعد فقدان بيتها، لتعاني من ظروفٍ معيشية صعبة متمثلة بانعدام الغذاء والدواء.
تقول السيدة التي تعاني من هشاشة العظام يشعرها بألمٍ كبير في ساقيها وظهرها: “اشتد المرض عليّ منذ نزحنا في 30 أكتوبر 2023م مع أولادي وأسرهم، نزحنا إلى رفح ثم مواصي رفح، ثم إلى النصيرات والزوايدة، ومع كلِ أمرِ إخلاءٍ يصدره الاحتلال يتطلب منا التحرّك بسرعة والنزوح سريعًا، وهذا مرهق جدًا”.
كان الوضع خطيرًا بالنسبة للسيدة التي لا تستطيع المشي بسهولة، فاعتمدت على ابنها الذي كان يسندها طوال الطريق مصطحبًا معه كرسي بلاستيكي لتستريح، واضطرت لتناول بعض المسكنات لتقوى على الألم وتواصل المشي.
وتوضح:” قبل الحرب كنت بصحةٍ أفضل، أذهب إلى الطبيب، والعلاج كان متوفرًا ولم أشعر بهذا الألم الذي أعانيه الآن، أشعر دومًا باللهاث عند أي مجهود، وأصبت بالتهاب الزائدة الدودية”.
تتنهد السيدة وتسند ظهرها إلى الكرسي البلاستيكي وهي تكمل: “أعاني من ضعفٍ في البصر وقرنية العين، ظهرت هذه الحالة عليّ بسبب الطهي على النار، وأصبحت أرى الأشياء غير واضحة، حتى عندما عدت إلى غزة، لم أتمكن من شراء قطرة للعيون، فثمنها تضاف ثلاث مرات”.
ويرى عبد الرحمن المزعنن، مدير مؤسسة بيتنا المهتمة بكبار السن، أن كبار السن من أكثر شرائح المجتمع تضررًا خلال الحرب، بسبب الإهمال والتهميش!
وشرح بأن المسنين عانوا كثيرًا خلال الحرب من تدهور حالتهم الصحية والنفسية، وتعرضوا لسوء التغذية وتفاقم الأمراض المزمنة التي يعانون منها، وكانوا بحاجةٍ ماسة للكثير من الخدمات مثل: الغذاء والأدوية، الدعم النفسي، إعادة التأهيل وأدوات المساعدة، وغيارات على الجروح والتقرحات السريرية.
وذكر المزعنن أنه كان من الصعب الوصول لكبار السن خلال الحرب بسبب صعوبة إيصال المستلزمات الخاصة بهم، فلم تكن مؤسسة بيتنا قادرة على التواصل مع هذه الفئة بسبب انقطاع الاتصالات.
ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن نحو 4% من ضحايا حرب الإبادة هم من كبار السن، كما وثق اعتقال قوات الاحتلال عشرات المسنين بمن فيهم رجالٌ ونساء تزيد أعمارهم على 70 عامًا، تعرضوا للتنكيل والتعذيب والحرمان من العلاج ما تسبب في وفاة العديد منهم في مراكز الاعتقال.
ويخالف ما تعرض له كبار السن في قطاع غزة، اتفاقية جنيف الرابعة، بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (16) على أن يكون الجرحى المرضي وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين.
عودة إلى المزعنن الذي يوضح أن مؤسسة بيتنا بدأت العمل منذ يناير 2024م، ضمن مشروع لإعادة التأهيل يخدم كل فئات المجتمع بما فيهم كبار السن، والمصابين بتقرحات سريرية وأمراض مزمنة وذوي إعاقة، وتأهيل بعد العمليات الجراحية، لافتًا إلى أن العمل تركّز في خانيونس والزوايدة ودير البلح، كونها أكثر مناطق مصنفة إنسانية ولتكدّس النازحين فيها.