كومةٌ من الهمومِ تُثقل قلبَ عبير الموجوع بالقهر !

غزة – وردة الدريملي :

“حياة متعِبة وطابور صباحي، أوبئة وأمراض، وحزن على زوجي الشهيد”، هكذا وصفت السيدة عبير أبو زيد (47 عامًا) حياتها كنازحةٍ منذ ستة أشهر في أحد مراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في مدينة غزة.

عبير، هي أم لأربعةِ أبناء، نزحت من حي الزيتون شرق مدينة غزة، باتجاه إحدى مدارس وكالة الغوث قرب دوار الكويت، جنوب شرق مدينة غزة، سعيًا إلى النجاة إثر بدء الاجتياح الإسرائيلي البرّي للقطاع، ورغم ذلك حدثت الفاجعة!

تضغط عينيها بقوّة لتمنع دموعها من السقوط وهي تروي: “قُصِف البيت، واستشهد زوجي، ولم يبقَ لي سوى الحسرة على الذكريات، مطلع مارس 2024 هاتفه شخصٌ يخبره أن الجيش الإسرائيلي قصف بيتنا، ذهب هناك للاطمئنان عليه، فباغته صاروخ إسرائيلي من طائرة استطلاع، وتعرّض لإصابةِ في قدميه”.

تتابع أبو زيد: نقلوا زوجي إلى المستشفى، وأخبرنا الأطباء بأنه سيخضع لعملية بتر في القدم، ولم يكن في جسده شيء يشير إلى خطورة حالته، لكنه استشهد فجأة بعد منتصف الليل، منذ ذلك الحين وأنا في حالة صدمة، لا أصدّق أن عماد البيت رحل وأخذ معه كل الفرح”.

تعيش عبير حاليًا، في أحد فصول مركز الإيواء بظروفٍ قاسية، طابورٌ صباحي منذ الساعة السادسة صباحًا، وأصوات تقطيع الخشب، وهذا ينادي جاره، وأطفال يبكون، رائحة النار لا تغادر المدرسة، وفي ساعات الصباح الأولى تُفتعل المشاكل وتبدأ الخلافات.

تشير عبير بإصبعها إلى ساحة المدرسة المكتظّة بالنازحين والنازحات، وتتحدث عن معاناة المعيشة: “يبدأ النهار بمعاناة نقل المياه، يقف ابني في طابور طويل بانتظار وصول المياه لتعبئة الجالونات، يسبقها حجز حسب موعد مجيء المياه، أحيانًا في الصباح وأخرى في المساء، وأحيانًا وقت الفجر، ثم يحملها وحده لنقلها إلى الطابق الثالث حين نتواجد”.

يتم تصريف مياه الاستخدام كما تروي عبير إلى دورات المياه، وأحيانًا لا تتقبلها النفس خاصة مياه غسيل الأطباق، فحتى مياه الوضوء التي تُوضع داخل حوض استحمام الأطفال يتم تلويثها ولا تصبح صالحة للاستخدام.

وتحظر الاتفاقيات الدولية النقل القسري للمدنيين من أماكن سكنهم، كما تحظر استهداف المدنيين ممن لا يشاركوا في الأعمال القتالية.

تكمل: “مجددًا أصبح هناك دورٌ نظام في استخدام دورات المياه، لكل عائلة مفتاح، يتم التناوب في استخدامها وتنظيفها، وقبل ذلك كان استخدام دورات المياه صعب جدًا، تتطلب الوقوف في طابور والمكان غير نظيف، وقد يضطر الصغار إلى التبوّل في دِلاء داخل الفصول، ومع انقطاع المياه تشكّل أزمة شديدة لدى النازحين والنازحات في مركز الإيواء”.

أما انعدام الخصوصية كما تروي عبير، فهو وجهٌ آخر للمعاناة في ظل حالة الازدحام الشديد داخل الفصول التي تعجّ بالعائلات النازحة، فأخذ قسط من الراحة في النهار مستحيل، سوف يُطرق الباب عدة مرات، وفي ممرات الطوابق، تجلس العائلات لطهي الطعام على النار وتقطيع الحطب، ناهيك عن الأحاديث والزيارات التي لا تنتهي.

وتعاني أبو زيد من انعدام الاستقرار في مركز الإيواء، لكنها تحاول أن تتأقلم في العيش، مع تزايد وتراكم المسؤوليات عليها، وتخوفها الشديد من أن يصبح الفصل بيتها الجديد، قائلة: “حتصير هاي بيوتنا، فش أمل نرجع لبيوتنا، لأنه متدمر كلي”، يقاطعها ابنها الصغير ذو التسعة أعوام: “بعيد الشر”.

نزحت السيدة أبو زيد خمسُ مراتٍ متنقلةً من بيتها الذي يوجد عند مفترق الكويت نحو بيت آخر، ثم إلى خيمةٍ، ثم إلى صفٍ عدّةَ مرات، حتى استقرت في مركز الإيواء، استضافت في فصلها عائلة واحدة مكونة من سبعة أفراد، واصفةً التواجد مع عائلة أخرى تختلف فيها الطباع والتصرفات بأنها “صعبة جدًا”، وبحاجة إلى المزيد من ضبط الأعصاب.

تحاول عبير أن تتأقلم مع جيرانها خاصة أنها ما زالت في شهور “العدّة” (حيث يحظر على من توفي زوجها الخروج مدة أربعة شهور وعشرة أيام)، رغم وجود الكثير من المنغّصات.

الكابوس اليومي الذي تحياه أبو زيد هو مجرد انعكاس لمأساة نزوح مئات آلاف العائلات منذ بدء العدوان، ولا مؤشرات على انتهاء هذه المأساة قريبًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى