تعذيبٌ وتعرية وإذلال … محطات القهر في تجربة الأسيرة إيناس بدوان
رفح – دعاء برهوم
خمسون يومًا عاشتها الشابة إيناس بدوان في غياهب السجون الإسرائيلية، كأنها خمسون عامًا، ستظل تفاصيلها كابوسًا يلاحقها لتروي آلامًا عاشتها في مقابر الأحياء إلى عالم أبكم!
“بعد مرور شهر على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، اضطررت وعائلتي للنزوح هربًا من نيران الأحزمة النارية، من بيتنا في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، إلى حي الشجاعية شرق المدينة، علّه يكون أكثر أمانًا”.
هناك حلّ بالعائلة ما لم تكن تتوقعه؛ فخلال الاجتياح البري لمنطقة الشجاعية في 15 كانون الأول، داهم جيش الاحتلال المنزل الذي نزحوا إليه، كلُ من كان في البيت رفع الراية البيضاء خوفًا من القتل، لكن الراية لم تشفع لأحد، بل أخذ الجنود إيناس للتحقيق وأطلقوا كلابًا مسعورةً صوبها لترويعها وتخويفها.
تكمل بعد أن أخذت نفسًا عميقًا زفرته بصعوبة: “أخذوني وحدي من بين عائلتي، وسط التهديد بالقتل والضرب على رأسي، إلى مكان تجمّع آلياتهم لأجد ثلاثة شبّان رهن الاعتقال، استخدمنا الجنود دروعًا بشرية لحماية أنفسهم، جابوا بنا كل شوارع حي الشجاعية حتى ساعة متأخرة من الليل وسط البرد الشديد”.
بعد أن تجمّدت أجسادهم من شدة البرد، أخذهم جنود الاحتلال إلى ناقلة جُند مُحكمة الإغلاق ونقلوهم إلى معسكر نصبوه قبالة بحر غزة، مكثوا فيه لثلاثة أيام معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي.
عن هذه الأيام الثلاثة تروي إيناس: “قضيناها في البرد الشديد، كان جنود الاحتلال يلقون علينا أغطية مبللة بالمياه الباردة، فترتجف أجسادنا شعرت أن قلبي سيتوقف من شدة البرد والخوف، ما سبّب لي المرض دون أن أحصل على حبة دواء واحدة أو أُعرض على طبيب”.
تردف وعيناها تجاهدان لمنع دموعها من السقوط: “نقلونا بعد ذلك إلى معسكر اسمه “منتوف” في مدينة القدس، حينها التقيت بأسيرات من قطاع غزة جرى اعتقالهن خلال الحرب، أخذت كل واحدة تروي معاناتها وكيف تم اعتقالها”.
حسب شهادة إيناس، فإن جميع الأسيرات بقين طوال فترة الاعتقال مقيّدات اليدين، حتى أثناء دخولهن المرحاض، ناهيك عن الاستفزازات التي تعرّضن لها من قبل السجانين كتقبيل علم إسرائيل، والقذف والشتم بكلام بذيء وخادش للحياء، وضربهن على رؤوسهن بأعقاب البنادق والبصق في وجوههن، كل هذا دون حتى توجيه تهم.
تكمل: “أخذ الجنود لكل أسيرة صورة شخصية قبل نقلها إلى سجن الدامون في مدينة حيفا، حيث تقبع الأسيرات الفلسطينيات”، موضحة إنه أثناء نقلهن ومرورهن على عدة حواجز إسرائيلية يتم تفتيشهن أكثر من مرة تفتيشًا عاريًا من قبل المجندات الإسرائيليات.
تابعت: “خلال التفتيش على الحواجز، تم التحرش بنا نحن الأسيرات من قبل المجنّدات الإسرائيليات، والضرب عند عدم الانصياع لأوامرهن، إضافة إلى الاستهزاء والسخرية عند عبور كل حاجز.
فوق كل ذلك عانت إيناس وباقي الأسيرات الحرمان من المياه الصالحة للشرب والطعام الجيد، فما كان يُقدّم لهن رديء وسيء، وهو إمعان في إهانة وإذلال الأسيرات.
“بعد خمسين يومًا من الاعتقال والتعذيب والإهانة دون توجيه تهم، أفرج الاحتلال عني تاركًا لي معاناة لا تُمحى من الذاكرة، نقلوني ومن معي من سجن الدامون إلى معسكر لجنود الاحتلال لإطلاق سراحنا عبر معبر كرم أبو سالم في مدينة رفح جنوب قطاع غزة”.
تقيم إيناس الآن في منزل عائلة استضافتها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لكن ما عانته هو نموذج لما عايشته عشرات الأسيرات الفلسطينيات ممن تم اعتقالهن خلال الحرب، واجهن خلاله شتى أشكال التعذيب والإهانة والترويع في مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية، لتبقى معاناتهن صفعة في وجه الإنسانية التي على عينها يجري كل هذا العذاب.