حكاية جبل المحامل التي تحمّلت “الأمرّين”

غزة/ بقلم: هيا بشبش

“تحوّل من النقيض إلى النقيض وكأنني لم أكن أعرفه، في بداية الزواج كان مثاليًا ثم تحوّل بعد عام إلى رجل غريب”، هكذا وصفت حسناء “31عامًا” حياتها.

حسناء (اسم مستعار)، شابة من مدينة غزة، تقول: “تزوّجت بعمر 20 عامًا، يكبرني بعشر سنوات، كنت في العام الجامعي الأول ورفض عودتي إلى الجامعة قطعيًا بحجة أنه مستعجل على الزواج، لكنه كان ودودًا في معاملته”.

جلست بناتها الثلاث إلى جوارها وكانت قد حملت إحداهن أخيها الصغير لتشير حسناء إلى الفتاة وتقول: “هذه ابنتي الأولى التي فرح الجميع بقدومها في عامي الأول، عند الزواج شعرت أنني في الجنة وبعدها قادني زوجي إلى جهنم بتصرفاته وإهاناته، تبدّل إلى رجل آخر وفي كل مرة أتوجه إلى أهلي يرسل جاهة ويتعهد أمام الجميع بأن يغيّر تصرفاته السلبية، فأعود، ويعود”.

وضعت صغيرها في الدرّاجة وطلبت من ابنتها الكبرى إحضار العصير وجلست لتكمل: “لم يتغير، بل أنه في كل مرة كان يتغير للأسوأ وأصبح البيت مجرد فندق للنوم فقط، وباتت المسؤولية بالكامل عليّ، أتسوقن وأصلح ما يحتاجه المنزل من الصيانة (بالوعة مطبخ، رف خزانة، أي شيء، أحمل طفلتي وحدي وأذهب إلى الطبيب إن مرضت)، جميع المهام عليّ، لا دور له أبدًا في شيء”.

تواصل:” تدريجيًا تفاقمت الخلافات حتى أصبحا غريبين، كانت حامل للمرة الرابعة بعد إنجاب ثلاث إناث، وبدأ يختلق هو الأسباب والحيل والأكاذيب لصنع الخلافات، ذات مرة ضربني ضربًا مبرحًا حتى إنني لم أتمكن من الحركة، فاتصلت بوالدي لأعود مجددًا إلى بيت أهلي مضروبة ومهانة ومتخذة القرار بعدم العودة إليه مجددًا”.

توجّهت حسناء مع أبيها إلى مستشفى “الشفاء” بغزة ووثقت الاعتداء عليها بتقرير طبي وكتابة تقرير حالة، ثم توجه إلى مركز الشرطة

وأوضحت ح. أ بأنها توجهت هي ووالدها الي مستشفى “الشفاء” لمعالجة الضرر الناجم عن ضرب زوجها وكتابة تقرير في الحالة وتقديم شكوى لدى الشرطة.

وبسؤالها عن موقف ذويه، تجيب: “أسوأ منه، والده منع أهلي من زيارتي في منزلي، وعندما كان أهلي يرسلون لي شيئًا يمنعهم من الصعود إليّ في الطابق الرابع، فأنزل بنفسي لأخذ ما أريده منهم، أهلي كانوا يعترضون على تصرفات ذويه، لكن شكواي كانت دون جدوى وحول تصرفات ابنهم يجيبون أن لا دخل لهم فيها، وهذا ردهم الدائم على تصرفاته”.

بعد تقديم شكوى للشرطة تم اعتقال زوج حسناء بسبب ضربه لها ووالده أرسل جاهة دون أن يحضر هو، تدّخلت الجاهة لصالحه وتنازلت عن الشكوى كي لا يكون والد بناتي “خريج سجون” كما برروا لي خلال دفاعهم عنه.

تكمل: “بمجرد خروجه من السجن خطب سيدة أخرى بدعوى أنه يريد ذكر وبعد شهور عاد معتذرًا عن إساءته، رفضت العودة وكنت مصرّة على أن ينهي خطبته لكنه رفض، ومع اقتراب موعد الولادة كنت مضطرة للعودة إليه من أجل بناتي وبعد شهر من عودتي أقام مراسم زواجه، أنجبت ذكرًا هذه المرة، سوء معاملته لي لم تتغير حتى الآن وأنا مضطرة على مواصلة الصبر من أجل الصغار”.

يعاني قطاع غزة من إشكالية تعدد المرجعيات القانونية واحدها قوانين الأعراف والعادات والتقاليد المتوارثة منذ زمن والتي تتناقض الى حد كبير مع القانون النظامي المعمول به في فلسطين والذي يشمل العقوبة على الجاني مهما كانت صفته أو مكانته المجتمعية.

عادةً ما تتدخل لجان الإصلاح والجاهات التابعة للعشائر لحل المشكلات بين الأزواج بالطرق الودية التقليدية لكنها لا تستطيع أن تلزم الزوج الجاني في حالات العنف الأسري الذي يشمل حرمان المرأة من الحقوق والتعنيف ضد النساء والأطفال وغالباً ما يتخذ الزوج الجاني من لجان الإصلاح وسيلة تهدف الى حمايته من العقوبة القانونية ووسيلة للتهرب من أحكام القانون الوضعي والشرعي وهو ما يسمح له بالعودة لممارسة نفس التصرفات المسيئة لزوجته واطفاله، بل أن بعض الحالات التي تكرر فيها ممارسة العنف ضد الزوجة وصلت حد الجريمة المجتمعية والقتل.

ما زالت تفتقد فلسطين إلى توحيد قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في الأراضي الفلسطينية ، وذلك خلل واضح في إلتزماتها تجاه اتفاقيات حقوق الانسان التي أنظمت إليها مؤخراً.

وبحسب ما ذكرته زارة شؤون المرأة من احصائيات أن هناك ستة آلاف أسرة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس تعاني من اشكال متعدد من العنف الاسري ومنها «العنف النفسي وهو الأكثر نسبة حيث بلغت (55%)، يليه العنف الاقتصادي بنسبة (53%) ثم العنف الاجتماعي بنسبة (27%) والعنف اللفظي بنسبة (24%) بالإضافة إلى أن العنف الجسدي الذي ازداد خلال جائحة كورونا.

فيما ذكر الإحصاء الفلسطيني أن هناك الكثير من الشكاوى التي لم يتم تسجيلها في فلسطين بسبب صمت الضحايا من النساء أو اجبارهن على الصمت.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى