“حفر الموت” التي تهدد النساء شرق خانيونس
خانيونس/ بقلم: مصطفى دوحان
فوجئت السيدة أم زهير” بسقوط طفلتها فرح “10 أعوام” في حفرة الصرف الصحي المجاورة لمنزلها في بلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، ولولا سرعة تدخّل الجيران واستجابتهم لصراخ الطفلة لفقدت حياتها.
تروي أم زهير لمركز الإعلام المجتمعي ما حدث مع طفلتها: “كانت تسير قرب الحفرة، وانزلقت ساقها بين الأسفلت والأتربة، فسقطت، لكن أبناء الجيران الذين تواجدوا بالمكان أنقذوها بأعجوبة، ونقلها والدها إلى المستشفى حيث تعرضت لكسرٍ في ساقها، مكثت بسببه طريحة الفراش عدة شهور”، ولولا أن منسوب مياه الصرف الصحي في الحفرة لم يكن مرتفعًا لغرقت الفتاة.
وتتعرض شوارع بلدة عبسان الكبيرة لانهياراتٍ أرضيةٍ متكررة، نتيجة تسرب مياه آبار الصرف الصحي القديمة، وكادت تلك الانهيارات أن تودي بحياة عددٍ من السكان وبعض الأطفال، وأكثر الفئات التي تؤثر عليها الحفر بشكلٍ مباشرٍ هم طلاب وطالبات المدارس والسيدات.
كما تعاني الكثير من المناطق في قطاع غزة من إهمال البلديات المسؤولة عن توفير بيئة نظيفة في المناطق السكنية ويشمل ذلك الإهمال على عدم التعامل مع مكبات النفايات لتكون في مكانها الصحيح ومتابعة اصلاح البنى التحتية بشكل دوري خصوصاً في فصل الشتاء وهو ما يتسبب عادة في غرق السكان في مختلف المناطق.
ويعيش نحو (30.000) نسمة من سكان بلدة عبسان الكبيرة مخاطر تهدد حياتهم نتيجة لانهيارات الطرق؛ بسبب تسرب مياه آبار الصرف الصحي، ويبلغ عدد الحفر الامتصاصية هناك ما يزيد عن (6000) حفرة، انهار منها بشكل فجائي نحو (60) بئرًا العام الحالي موزعة داخل مساحةٍ عمرانيةٍ لا تزيد عن (8000) دونمًا.
وتؤثر هذه المشكلة سلبًا على النساء في المناطق الشرقية لقطاع غزة، إذ يتحمّلن أعباءً نفسيةً واجتماعيةً مضاعفة، فيقع عليهن واجب حماية الأطفال طوال الوقت، ومحاولة تخليص البيت من الروائح الكريهة الناتجة عن هذه الحفر، وعبء الحماية الصحية منه أيضًا، كل هذا في ظل إهمال الجهات الرسمية التي عجزت حتى اللحظة عن إيجاد حلولٍ لهذه المشكلة.
تكمل أم زهير حكاية وجعها: “كان زوجي عصبي المزاج طوال فترة علاج طفلتنا، وعلى الدوام نعيش الخوف من سقوط أحد إخوتها مرة أخرى، لدرجة أصبحت كلما فتحت صنبور المياه من أجل أعمال البيت يفتعلون الشجار معي بحجة الخوف من حدوث انهيار في الحفرة الامتصاصية”، ورغم أن البلدية ردمت الحفرة الأولى، لكن بعد ثلاثة أيام سقط طفلٌ في بئرٍ آخر أثناء عودته من المدرسة، ولولا وجود زوجها الذي أنقذه لتوفي الطفل.
تعاني المناطق الشرقية من تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع، بالإضافة إلى خطر سقوط الأطفال في الحفر التي يبلغ عمق بعضها خمسة أمتار، ويناشد الأهالي المسؤولين وأصحاب القرار حل المشكلة لتفادي وقوع كارثةٍ إنسانيةٍ وبيئيةٍ بسبب استمرار حوادث الانهيارات الأرضية.
المشكلة باتت تُمثّل معاناة يومية للنساء، كما تروي المواطنة هبة أبو صبحة، فاحتمال انهيار هذه الآبار يشكّل خطرًا كبيرًا عليهن وعلى أطفالهن، ما يجعلهن في حالة قلقٍ دائم، لا شعور بالأمان ولا الاستقرار.
تضيف: “وصلنا القرن 21 وما زالت منطقتنا بلا شبكة صرفٍ صحي، وتعتمد على الحفر الامتصاصية”، فهذا الواقع جعلها طوال الوقت في حالة تشبه الاستنفار، تارة لتنظيف البيت وتارة أخرى لحماية الصغار، وهذا هو واقع النساء في المناطق التي تفتقد شبكات صرفٍ صحي.
المواطنة فتحية أبو صلاح تروي معاناتها: “مشكلة انهيار آبار الصرف الصحي أصبحت تتكرر كثيرًا، وتشكّل تهديدًا لحياة صغارنا، وعبئًا نفسيًا كبيرًا علينا، قبل مدة سقطت طفلتي في بئر جزئي أمام بيتي، ولولا وجود زوجي الذي قام بسحبها بمساعدة الجيران لفقدتها”.
وتكمل: “إن ما حدث مع طفلتي يحدث مع آخرين، خاصة مع انتشار هذه الآبار، وتدخّل البلدية يقتصر على ردم البئر، فإلى متى ستظل النساء تعاني وتشعر بالقلق الدائم”.
وتروي ما حدث مع طفلتها: “دخل أطفالي البيت وأخبروا أباهم أن بشرى وقعت في البئر، ولما خرج وجدها تمسك بماسورة في منتصف البئر، وأثناء محاولة سحبها هو الجيران حدث انهيار تربة، وكاد أن يسقط معها، وخرجت بعدها بشرى مصابة بجروح لكنها ما زالت تعيش حالة خوف”.
مديرة العلاقات العامة في بلدية عبسان الكبيرة إيمان أبو الحسن قالت إن بلدة عبسان لا يوجد بها أي امتداد لشبكات الصرف الصحي، وهي المنطقة الوحيدة التي تعبر صفرية النسبة من حيث امتداد الشبكات، اما باقي البلديات فالنسب فيها متفاوتة، بالتالي فالمناطق الشرقية تفتقد إلى وجود مكان لتصريف مياه الصرف الصحي.
وتضيف إن نظام الصرف الصحي في المناطق الشرقية هو الحفر الامتصاصية في الأرض، ويتم عملها بطريقتين الأولى يدوية عبارة عن أحجار يتم تصريف مياهها داخل التربة، والثانية “القدوح” ويصل عمقها إلى ثمانية أمتار، وفي الحالتين يتم ترشيح المياه في التربة.
وتضيف أبو الحسن إن الزيادة السكانية في منطقة عبسان تؤدي لزيادة هذه الحفر، وقرب الآبار من بعضها يسبب انهيارات، وأيضًا العمر الزمني للبئر، والحزام الناري الذي نفذته قوات الاحتلال أثناء حروبها على قطاع غزة، كلها أسباب أدت إلى الانهيارات المفاجئة.
وأكدت أبو الحسن إن هذه الآبار تسببت في مخاوف المواطنين خاصة النساء، فكل سيدة تتوقع سقوط طفلها في أي لحظة، كما تسببت في حالة توترٍ دائمٍ للأزواج الذين يعمدون إلى مطالبة زوجاتهم بالحدّ من استخدام المياه خوفًا من انهيار الآبار، وهو ما تسبب في تفاقم المشكلات العائلية.
ويعتبر اهمال الجهات الرسمية في معالجة المشكلات البيئية انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان والتي تشمل الحق في الحياة والأمن البيئي الذي يشمل على الحق في عدم وجود ملوثات للهواء كمكبات النفايات ومصارف الصرف الصحي المتهالكة والتي تشكل خطورة على حياة النساء والأطفال والسكان بشكل عام.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.