حكايا المخيم الفلسطينيّ – كمان

   الموت وحده هو من ينتظره في هذه اللّحظات في مخيّم (اليرموك) الذي يسكنه،لا طعام أو شراب أو أمن أو منقذ أو دفء أو دواء أو درب مهرب، ليس هناك إلاّ حطام يتناثر البشر في أجمته،وقصف معتوه يحاصرهم من كلّ مكان،وجنود موت يتربّصون بهم عند أبواب المخيمّ، وأيادٍ سوداء تتخطّف من تريد منهم بسهولة،وتدفنه في عذاب معتقلات المتناحرين على السّلطة في سوريا حتى الموت.

    لا يعرف لِمَ مخيّمه لقمة في أفواه المتناحرين والمتخاصمين، لكنّه يعلم أنّ تلك الوجوه الفلسطينيّة التي يحبّها في هذا المخيّم قد طاردها الموت حتى أتلف حياتها،وأهدر آمالها.

   أمّه ماتت في هذا الحصار بسبب نقص الدّواء، وطفلا أخته التي تعيش معهم منذ موت زوجها قد ماتا بسبب سوء التّغذية، وحبيبته (زينب) أخذها جنود التّناحر ليلاً، وألقوا بها فجراً أمام المخيّم جثّة عارية من ملابسها ومن أنفاس الحياة.

   الجميع الآن يعانون من العطش الشّديد، إذ لا ماء في المخيّم منذ أيّام عدّة،ولا مطر في الصّيف ينجدهم ممّا هم فيه من ظمأ.

  يقرّر أن يموت بالطّريقة التي يختارها هو،لا بالطّريقة التي يختارها له الوحوش الذين يحاصرون المخيّم،يخرج إلى ذلك الدّمار الذي يحيط به،ويأخذ كمانه الحبيب الذي اشتراه بحملة أسريّة كاملة من التّبرّعات كي يحصل عليه،هو يجيد العزف عليه بالتّعلّم الذّاتي وببعض الحصص التي علّمها له الموسيقي الفلسطينيّ الذي يحمل الجنسيّة الدّنماركيّة حين جاء في زيارة للمخيّم قبل أعوام انصرمت.

  يبدأ يعزف على كمانه الحزين أحزان العطش،يقرّر أن يظلّ يعزف حتى يقضي العطش عليه، فهذا الموت الذي يختاره،ويقبل به، وهو أن يموت وهو يعزف، ،يتجمّع حوله كلّ من يسمعه من سكّان المخيّم، يعزف لثلاث ساعات كاملة دون توقّف، يحلّق بموسيقاه في سماء الارتواء،ويحلّق أهل المخيّم معه في سمائه، وفجأة في أشدّ ساعات النّهار حرارة ينزل المطر!

الأديبة الأردنية/ د.سناء الشعلان

المقالات والآراء المنشورة تُعبر عن رأي أصحابها، ولا تُعبر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام المجتمعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى