يُروى عن قتل النساء.. “كان ياما كان في قريب الزمان والمكان”
غزة – فدوى عبدالله
كان ياما كان في حاضر الزمان، وقريب العصر والأوان، حيث بيوتهن أخطر من الشوارع، والعدو أكثر أمان من زوج أحيط بها سند للحياة والموت. حدوثه لا شوق في تفاصيلها كونها مهما بلغت من سطوتها لا تزيح الغبار عن ترسانة العدول ولا صدى التكرار، الأسماء تختلف آخرها نهى وبعد يومين ستجد اسم آخر، وصدقوني لن تؤثر بهم كثافة الأحداث، كارثة الامتصاص والتقبل، لا يتحرك فينا ساكن كالرماد، أصبحنا مجرمين فقتل النساء أمسى مشرعاً وعادياً باختصار “نصيبها تموت الله يرحمها”.
وما يزيد بؤس الحكاية إلا بذكر أعداد النساء من قتلت حتى ساعة صف الكلام 30 حالة قتل بين صفوف النساء.
حكاية اليوم عن سيدة تعيش في بيت مع زوجها وأطفالها، وفي يوم من الأيام قتلت كسابقاتها من النساء، الشابة “نهى ياسين” آخر ضحايا القتل 31عام من حي الزيتون بمدينة غزة، قتلت على يد زوجها حامي الحماة البالغ من العمر 45 عام، أثر عنف مبالغ به، يبدو أنه تمادى كثيراً هذه المرة، فلم يجد تهذيباً يليق بجسدها النحيل الذي خارت قواه أثر العنف الدائم عليها، دون الحفاض على القليل من الحياة فيها، لتكمل دورها كزوجة وأم لأطفاله، والتي تدعي عائلتها أنها كانت توشك على الطلاق وعادت لأجل أبناءه، ولكن في الحقيقة لا يبدو واضحا لماذا عادت فقط للموت؟
استبرق من خانيونس زوجة صغيرة قتلت على يد زوجها، صفاء ويسرى القايض وإيمان النمنم، زهقت أرواحهن وكان واضحا انه نتيجة لتراكم العنف على أرواحهن الخائفة والمترددة فصوتهن لا يعلو إلا بالموت، لأنها في هذه الحالة لا يمكن تبرير العنف إلا من طرف واحد، وما دون ذلك كان عليها الإجابة لماذا عنفت ولما لم تلبي الطاعة.
تموت النساء مقتولات بين يدي الأزواج، وغالبا يكون الأهل على إطلاع كامل على العنف الممارس عليهن، وبالرغم من حوادث القتل الأخير التي كانت مدوية بعض الشيء، لقد أزاحوا الحادثة جانبا فصدقوا الواقعة لقد ماتت نهى مقتولة وهم جزأ من الرواية، خرجت عائلتها غاضبة وتطالب بالقصاص من الفاعل الذي لم تمضي أيام قليلة على كونه زوج أبنتهم.
حالة من التناقض
المجتمع بأكمله ينفر من جرائم القتل بشكل كبير، حتى ان البعض يرفض الحديث فيها لثقلها على قلوبهم، ويضعون أنفسهم في قالب بعيد عن كل هذه الممارسات، بالرغم من كونهم يمارسون العنف ويتقبلونه كسلوك في معاملاتهم.
حتى لا تقع حالات القتل
حتى لا تقع حالات القتل، علينا أن نرفض كل أشكال العنف، حين يقبل الأب بكسر الساق والقليل من الرضوض بسبب غضب الزوج المعلن بالإهانة والعنف، فهو يقبل باتصال يبلغ به بمقتل ابنته، فالأب والأخ والأم هنا قد أمنوا على ابنتهم في مكان غير آمن بالأساس، وخاصة إذا كانت تعتقد الأم بأن الضرب هو الطبيعي للتفاهم وديمومة العبودية المتوارثة.
وتبقى هي السردية المملة للأحداث حيث لا جديد، سوى تلك المشاعر المحتقنة التي تدفعني لأكتب “كومنت” بهذا الحجم، لكوني جزء غير قادر على الاستمرار دون التفاعل مع مكونات مجتمعي التي غالباً هي مهينة لنا كنساء، هذه التركيبة المهترئة من القوانين التي تؤلمنا ونحن على قيد الحياة، ولا تجيد احترام جثثنا، أو مراقبة حالة أطفالنا الذي يستمرون بالحياة في نفس البيئة التي قتلت فيها أمهاتهم، ليُمارس عليهم الموت من جديد وخاصة الفتيات منهن.
المقالات والآراء المنشورة تُعبر عن رأي أصحابها، ولا تُعبر بالضرورة عن رأي مركز الإعلام المجتمعي.