“أميرة القصة العربية القصيرة”سميرة عزام

“أميرة القصة العربية القصيرة” لقبٌ أطلق على رائدة القصة القصيرة سميرة عزام، بعد أن ألفت وكتبت العديد من المجموعات القصصية بالإضافة الى الدراسات النقدية والأدبية، تنوعت الموضوعات التي عالجتها سميرة عزام في قصصها، وتعددت أهدافها، إلا أن قضية المرأة حازت على المساحة الأكبر، حيث احتلت المرأة بطولة الأربعين من القصص، إضافة إلى مشاركتها لرجل في عدد من القصص الأخرى.

قيمة الكلمة

لقد أدركت سميرة عزام قيمة الكلمة المتصلة بحياة الناس الفقراء والعاديون التي التقطتها بموهبة ناضجة فنقلت للقارئ دبيب الألم الإنساني وعذاب النفس في شرايين الأنثى المقهورة والمسلوبة، وقسوة العلاقات الاجتماعية وتقاليدها المهترئة، القمع والاضطهاد، وشهوة الحرية، وألم الجوع والبطالة حين يدمران روح الإنسان، وقدسية العمل الذي يصنع الحياة ويجعلها أكثر جدارة لأن تعاش.

وأما عن صدى الإهانة والحقد في زفرات الفلسطيني بعد النكبة، وتوقه إلى استرجاع ما فقد، وفي كل قصصها لم تهتم بالصنعة من أجل الصنعة، فتعلو اللغة على ما عداها، لتنتج نصاً يغري بالقراءة، لكن لا حياة فيه، ولا بشر حقيقيون، ولم تلجأ إلى الضبابية والإبهام كما يفعل البعض للدلالة على ارتقاء فكري مزعوم، لم تأخذ سميرة عزام من اللغة إلا ما ينسجم مع الشخصية القصصية، فتصبحُ عندئذ صدى لإحساس الناس ومشاعرهم بكل حرارتها وتوهجها، بخيباتها وانتصاراتها، تنقل الحياة بحلوها ومرها، بمنغصاتها ومسراتها الصغيرة والكبيرة، وهذا ما أعطى لقصصها نكهة خاصة، تفصح عن قاصة تجيد فن القص إضافة إلى حبها العميق للناس، الناس الذين تخاطبهم بمفردات تركض عفواً على ألسنتهم، لا هي إنشائية لفظية يابسة وباردة، ولا هي بالخطابية التي تستدر عواطف القارئ وتستجديه.

الفن القصصي

ولا يغيب عن بالنا وصف الشاعر أبو سلمى لها بقوله: ” الكاتبة البارعة في الوصف الدقيق، والمتألقة بسمو الفكرة، ووضوح اللوحات، ورشاقة الريشة، ورهافة الحس، وصاحبة القدرة الفائقة، ورمز المرأة المتحدية”.

موهبة شديدة الحضور، فتحت أعين النساء على الواقع، الذي يجعل قضية المرأة غير مستقلة عن قضية الرجل، وحريتها رهن بحرية المجتمع، وإن كانت تتعرض لعملية قمع مزدوج، دون أن يكون لها أي حق في المشاركة.

وفي ربيعها السادس عشر دخلت الحياة العملية ومارست مهنة التعليم في مدينتها، لكن اندفاعها وطموحها الكبيرين جعلاها تتابع الدراسة بالمراسلة، فرقّيت بعد عامين إلى منصب مديرة المدرسة، واستمرت حتى عام النكبة 1948، حيث مارست الكتابة في سن مبكرة فبدأت بكتابة الشعر والقصص القصيرة، ونشرت بعضاً من كتاباتها في جريدة “فلسطين” باسم مستعار “فتاة الساحل”.

حافظت سميرة عزام على الانضباط والشكل الفني الجديد والناجح للقصة القصيرة مما جعلها تفرض وجودها وأدبها باحترام على الوسط الأدبي العربي في تلك المرحلة من زماننا العربي، حيث كانت الأديبة سميرة عزام تعتز اعتزازا كبيرا بانتمائها لفلسطين وبحر عكا الذي ظل يسكنها كما سور المدينة ومسجد الجزار في شتاتها اللبناني والبغدادي والقبرصي، بعدما هاجرت من فلسطين مجبرة ورغما عنها بسبب الغزو الصهيوني الاستعماري للأرض الفلسطينية.

مجموعات قصصية

للراحلة سميرة عزام عدة مجموعات قصصية منها ” أشياء صغيرة ” و” الظل الكبير ” و ” قصص أخرى” و”الساعة والإنسان” و”العيد من النافذة الغربية” كما أن لها رواية لم تكتمل بعنوان ” سيناء بلا حدود ” بالإضافة لبعض القصص القصيرة التي لم يتسنى لها نشرها.

تلك الأعمال التي بقيت توضح أنها كانت كاتبة قصة قصيرة متميزة فيما يخص تجربة الأنثى على الصعيد الاجتماعي، وحياة المرأة الفلسطينية وفيما يخص التجربة الفلسطينية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بالإضافة للأديب الراحل الشهيد غسان كنفاني الذي خاطبها عند تأبينه لها بقوله: “أستاذتي ومعلمتي”، وقال في أدبها أنه “لا يمكن اعتباره أدباً نسوياً، بل يمكن أن نطلق ليه اسم “أدب المنفى” لأنه يدور حول قضية وطنية أكثر شمولاً بالمعنى الإنساني وليس انعكاساً لواقع المرأة من الناحية النفسية والعاطفية.”

وتابع في وصفهِ لها بأنها كانت خير من مثل القصة القصيرة الفلسطينية في تلك الفترة من الزمن الفلسطيني الصعب، وكانت كتاباتها في زمن النكبة تدل على وعيها وحسها الوطني العالي.

وفي سياق هذه القصص، لم تترك شأناً من شؤون المرأة، أو شكلاً من أشكال معاناتها إلا وتطرقت إليه، ويمكن القول بلا تردد أن سميرة عزام قدمت لنا عبر هذه القصص بانوراما شاملة عن حياة المرأة الشرقية وأشكال معاناتها، وفي معظم هذه القصص كان الهم الأنثوي الذي عالجته هماً اجتماعياً إنسانياً، وتغلغلت إلى أعماق أنثاها، ولجت نسيجها.

وعن أهم ما كتبته الأديبة الفلسطينية ليلى الأطرش عن سميرة عزام: ” هي رائدة القصة القصيرة ولم تأخذ حقها من النقاد وقدمت للقصة القصيرة العربية شكلا فنيا مميزا، كما أظهرت تفوقا ملحوظاً وتنوعاً ثقافياً لافتةً في مجموعتها أصوات الليل لكن النقد العربي لم يركز على هذا الارتباط بين موتها والنكسة، في حين بحث طويلا في أثر المعاناة النفسية للأدباء الرجال الذين لم يحتملوا صدمة النكسة وأثرها وانهيار الحلم العربي وفكرة القومية.”

حياة سميرة الخصبة

ولدت سميرة عزام في 13 أيلول 1927 في مدينة عكا في الشمال الفلسطيني، ويعود نسبها الى عائلة مسيحية أرثوذكسية، تلقت تعليمها الابتدائي في إحدى مدارس عكا الحكومية وتابعت دراستها الثانوية في “تكميلية الراهبات” في مدينة حيفا، كما تابعت بشغف دراسة اللغة الانكليزية وآدابها بالمراسلة، حتى أجادتها إجادة تامة بالكتابة والمحادثة.

هاجرت سميرة مع عائلتها بعد نكبة 1948 إلى لبنان ومن ثم انتقلت إلى العراق، حيث عملت في مجال التدريس بمدرسة الإناث في مدينة الحلّة لمدّة سنتين، ثم عادت مرّة أخرى إلى لبنان، وهناك ذهبت لتنشر نتاجها الأدبي في بعض المجلات مثل: “الأديب”، و”الآداب” وغيرها.

عملت في سنة 1952 في إذاعة “الشرق الأدنىٍ” في قبرص كمذيعة وكاتبة برنامج “ركن المرأة”، وعندما انتقلت الإذاعة إلى بيروت في سنة 1954 انتقلت معها وأصبحت مسؤولة عن البرنامج اليومي “مع الصباح”، حتى توقفت هذه الإذاعة بعد العدوان الثلاثي على مصر في خريف 1956.

ارتحلت في سنة 1957 إلى بغداد، والتقت هناك بمواطن فلسطيني اسمه أديب يوسف الحِسْن من مدينة الناصرة ثم أصبح زوجها، وأصبحت تعمل مع إذاعتي بغداد والكويت، حيث شغلت منصب مراقبة ومعدّة البرامج الأدبية بين سنتي 19571959.

 كما شاركت في تحرير جريدة “الشعب” التي كان من محرريها الشاعر بدر شاكر السياب، وذلك قبل أن يبعدها نظام عبد الكريم قاسم الجديد مع زوجها، في سنة 1959، إلى لبنان بتهمة الناصرية، بعد عودتها إلى بيروت، تعاقدت مع شركة “فرنكلين للترجمة والنشر” وقامت بترجمة العديد من الأعمال الأدبية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.

ومنذ مطلع الستينيات، توالت كتاباتها في مجلة “الحوادث” الأسبوعية، غير أن مقالاتها لم تقتصر على الناحية الأدبية بل شملت أيضاً النواحي السياسية والاجتماعية.

ولمّا باتت السنوات الأولى من الستينيات تتصف بأنها مرحلة قيام الجبهات الفلسطينية السريّة المتعددة سنة 1961 كانت سميرة عزّام هي المرأة الوحيدة بين مجموعة الرجال المناضلين الذين كانوا يجتمعون للتحضير لقيام هذه الجبهة، التي أصبحت تحمل اسم “جبهة التحرير الفلسطينية” (طريق العودة) منذ صدور منشورها السري الأول في سنة 1963، وقد استمرت سميرة في نضالها السري تعمل بلا كلل، وسرعان ما أصبحت هي المسؤولة عن الفرع النسائي في الجبهة حتى سنة وفاتها.

وأما عن نشاطها السياسي العلني، فيتمثل في مشاركتها في المجلس الوطني الفلسطيني الأول، الذي انبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطينية في 28 أيار/ مايو 1964، وقد كانت واحدة من ثماني سيدات مثلن المرأة الفلسطينية في هذا المؤتمر التاريخي، ثم شاركت بعد عامين في حضور المؤتمر الذي عقده “الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية” في مدينة القدس أيضاً، وشارك معها عدد من رفيقاتها في الجبهة.

ونالت عزّام جوائز وتكريمات عديدة، ومنحت منظمة التحرير الفلسطينية، في سنة 1990، اسمها “وسام القدس للثقافة والفنون والآداب”، كما ربطتها حوارات وصداقات وطيدة مع كبار الأدباء والنقاد العرب.

 

وفاتها

كانت سميرة عزّام رائدة بين نساء فلسطين العربيات في نشاطها المتنوع بين الكتابة والأدب والترجمة، لم يمهلها الوقت لتحتفل بعيد ميلادها الأربعين حين وقع ما كان مستحيلاً تصوره، هزيمة عام 1967، لم يحتمل قلبها المرهف هوان الأنظمة العربية وتهاونها. مزقت مشروع الرواية التي كان قد قطعت في كتابتها شوطاً كبيراً “سيناء بلا حدود”، مزقتها بانفعال قائلة: “إن كل ما كتبته قد فقد معناه”، وانخرطت في لجان السيدات التي تشكلت في بيروت لتلقي التبرعات للاجئين الجدد، وفي الثامن من آب 1967، عزمت على السفر إلى عمان بقصد مقابلة بعض اللاجئين الجدد، ومحاولة التسلسل إلى فلسطين والعودة إلى مسقط رأسها مدينة عكا، وعند مشارف جرش في الأردن، وبعد استماعها إلى نشرة أخبار الظهيرة، التفت إليها صديقيها، طبيب وزوجته، كانا يرافقانها في سيارتهما، فوجداها قد فارقت الحياة، ثم عادا بها إلى بيروت لتدفن هناك في اليوم التالي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى