الزواج المبكر عنف مؤكد ضد القاصرات
غزة / عزة أبو زايد
يعتبر التمييز ضد المرأة، وفق التعريفات الدولية، هو أي تفرقة أو استعباد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، وتمتعها أو ممارستها على قدم المساواة مع الرجل، لكافة حقوقها الإنسانية والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر بغض النظر عن حالتها الزواجية.
وتأتي قضية تزويج القاصرات نموذجاً صارخاً لشكل من أشكال التمييز ضد المرأة، وظاهرة آخذة في التزايد في المجتمع الفلسطيني. وتعددت أسباب هذه الظاهرة، وكَثُرَت حالات الطلاق في سنوات الزواج الأولى نتيجة لهذا، وما زال الأهل يقومون بتزويج بناتهم قبل أن يخرجن من عمر الطفولة.
ويعتبر الزواج زواجاً مبكراً، إذا تم في عمر أقل من 18 سنة لكل من الزوجين أو لأحدهما. وغالبا ما تكون الفتاة هي من يتم تزويجها مبكراً في مجتمعنا، و بما أن الفتاة في هذا العمر لا تملك من أمرها شيئاً وليست مؤهلة لاتخاذ قرار الرفض أو القبول، فيعتبر حينها زواجها إجباري، ثم إن اختيار زوج لطفلة، أو بمعنى آخر، التصرف في حياة طفلة دون علمها، يمثل عنفا مبنيا على النوع الاجتماعي وانتهاكا لحقوق الإنسان وحقوق الطفل الأكثر خطورة .
تحدثنا مع أسماء (اسم مستعار)، حيث أوضحت لنا أنها تزوجت في عمر ١٥ عام، وأنجبت طفلها وهي بعمر ١٦، ولم تكن تعي مسؤوليات الزواج وتبعاته، حيث تزوجت بعامل باطون يكبرها ب ١٥ عام، وتعرض لإصابة عمل، فأصبحت مسؤولية البيت كلها على كاهلها الى جانب عملها في حضانة الأطفال التي افتتحتها في بيتها، حيث تستقبل فيها الأطفال دون سن الخامسة، وتتحمل الإنفاق على بيتها بالكامل، بجانب الأعمال المنزلية وتربية الأطفال وهي طفلة، وبدأت المشاكل بينها وبين زوجها الذي كان يضربها ليل نهار ولا يراعي مشاعرها، ويعتبرها نحس وشؤم في حياته. تضيف أسماء: ” لم أستطع التحمل، وحصل الانفصال ولدي ثلاثة أطفال هم مسؤوليتي بالكامل”.
أما سارة( اسم مستعار)، تقول: “كنت أحلم بإكمال مسيرتي التعليمية وكنت متفوقة بدراستي حيث أنهيت المرحلة الإعدادية بتفوق فتقدم لي ابن عمي، ووافق والدي وتم الزواج، ومن حينها وأنا أعاني الكثير من المشاكل لأنه لم يكن لديه شقة، وعشت مع عائلته، وحماتي امرأة متسلطة، تجعلني أعمل في خدمتها ليل نهار وزوجي يضربني لو اشتكيت” وتواصل (سارة) حديثها بحسرة تبدو على وجهها جليا: ” كنت أشاهد بنات جيلي ذاهبات للمرحلة الثانوية وأنا في المنزل لا حول لي ولا قوة، وعندما أخبرت زوجي أني أريد أن أكمل تعليمي ضربني علقة موت، وذهبت لبيت أهلي، ولكن أبي أعادني له وها أنا أتحمل وأصمت على الظلم، وليس لي أي خيار في تقرير مصيري”.
أما (رشا)، اسم مستعار، التي تعيش في غزة، فقد عانت من تعذيب نفسي وجسدي على يد زوجها طوال خمس سنوات قبل أن تحكم لها المحكمة بالطلاق. وتقول في حديثها أنها تزوجت صغيرة ولا تسطيع الدفاع عن حقوقها، أو اللجوء لأي من المؤسسات من مقدمي الخدمات لمثلها، خشية العادات والتقاليد على الرغم من الضرب والتعذيب الذي تلقاه منه يومياً، الى أن كسر ساقها وأحدث لها إصابات جسدية عديدة، حينها توجهت للمحكمة طلبا للطلاق الذي وقع بالفعل.
وتوجهنا للمحامي صلاح عبد العاطي للحديث حول ظاهرة التزويج المبكر للفتيات، قال موضحاً: “يعد التزويج القصري للفتيات دون السن القانوني وهو 18 سنة، ظاهرة خطيرة ينبغي تجاوزها من قبل المجتمع الفلسطيني، حيث تجبر الطفلات على تحمل مسؤوليات أكبر من يستطعن، خاصة عند الإنجاب، إضافة إلى أن الزواج المبكر يؤدي إلى فشل العلاقات الزوجية مبكرا، لعدم قدرة الطرفين على تحمل أعباء الزواج أو التفاهم مما يؤدي إلى مشاكل كثيرة، وعنف أسري مكثف ضد الزوجات الطفلات، إضافة إلى حرمانهن من حق التعليم والعمل والمشاركة في المجال العام وغيرها من الحقوق التي كفلتها لها الأعراف والمواثيق الدولية والحقوق المختلفة، وهذا الأمر يستلزم العمل على الحد من ظاهرة الزواج المبكر من خلال توعية المواطنين بمخاطر الزواج المبكر للفتيات والحد منه”. ويضيف المحامي عبد العاطي موضحا عن القانون الذي صدر مؤخراً بتحديد سن الزواج 18عام حيث أنه يرى أن هذا القانون مهم للتقليل من ظاهرة الزواج المبكر والحد منها بشكل كبير.