ضاقت على الأزواج النازحين… صمت وطلاق عاطفي

ضاقت على الأزواج النازحين… صمت وطلاق عاطفي

دير البلح- هديل الغرباوي:

“حياتي الزوجية انقلبت خلال الحرب، انعدام الخصوصية في الخيام، وحالة التعب الدائم التي نعيشها راكمت الكثير من الجليد فوق مشاعرنا أنا وزوجي الذي شاب قبل أوانه، وانعدمت العلاقة الزوجية بيننا”.

بهذه الكلمات بدأت الشابة سلمى (اسم مستعار) حديثها، واصفةً علاقتها الزوجية خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023م، وأجبر خلالها الاحتلال الإسرائيلي نحو مليوني مواطن على النزوح من أماكن سكنهم، والمعيشة في مخيمات داخل خيامٍ متلاصقة تفتقد لأدنى درجات الخصوصية، ناهيك عن الحالة الاقتصادية السيئة للناس.

كان زوج سلمى يعمل محاسبًا قبل النزوح من مدينة غزة إلى خيمةٍ في دير البلح وسط القطاع، ومع فقدانه العمل اضطر لإنشاء بسطةٍ يبيع عليها بعض الحاجيات، يخرج صباحًا ويعود آخر النهار مرهقًا بالكاد يجلس قليلًا ثم يخلد للنوم، تلاصُق الخيام وسماع الناس أحاديث بعضهم جعلها غير قادرة على الحديث مع زوجها بشكلٍ جيد.

تقول سلمى (28 عامًا): “الإشباع العاطفي بيننا توقّف منذ بداية الحرب، معاناتنا في المخيم وانعدام الخصوصية والضغوطات النفسية أفقدتنا الجوانب العاطفية في علاقتنا الزوجية، زوجي يتهرّب من العلاقة الحميمة، فلم يعد بيننا أي ملامسة، وانقطعت أشكال التقارب الجسدي”.

سلمى هي أمٌ لطفلين، لم يمضِ على زواجها سوى خمس سنوات، عاشتها بكل الحب والمشاركة مع زوجها، لكنها الآن تشعر أنه لم يعد من كانت تعرفه.

تقول: “نعيش أنا وزوجي وأطفالي في مكانٍ لا يشبهنا، يقضي معظم وقته على البسطة، وأنا ينقسم يومي في ترتيب الخيمة والعناية بأطفالي وإشعال النار باستخدام الحطب لإعداد الطعام، أو تحضير أرغفة الخبز، هذه الانشغالات تسببت في حالة من البعد بيني وبين زوجي”.

حرمت حياة الخيام في قطاع غزة الأزواج من الدفء العاطفي والعلاقة الحميمة، وأشكال التقارب الوجداني أو حتى الحوار العاطفي، بسبب التلاصق الشديد بين الخيام بما يفقد الأزواج خصوصيتهم، وحالة القلق الدائم بسبب استمرار الحرب، وضيق المعيشة الذي يعانيه الجميع.

ميرفت (33 عامًا)، أيضًا شابة تعاني ذات ما تشكو منه سلمى، فمنذ بدء الحرب نزحت إلى مركز إيواءٍ بمدينة غزة، تتشارك الحياة مع الكثير من العائلات، ما جعل حياتهما الزوجية صامتة.

تقول ميرفت: “تعقيدات الحياة بسبب الحرب، وزعيق الجوع المتصاعد من أبنائي، والبحث الدائم عن الدقيق، والتوتر الذي نعانيه جعل نبرات صوتنا أنا زوجي أكثر غلظة وانفعالاتنا أكثر حدّة، تبدّلت طِباعنا وتبددت الألفة والحميمية، بعد أن كانت علاقتنا على مدار سنوات تسودها المحبة، هنا انطوى كل مننا على نفسه، تضمه الحسرة، وبات الصمت وسيلة دفاعية نستخدمها كي نتجنب الشجار”.

بحسرةٍ تروي ميرفت (اسم مستعار) أنها لم تعد تعتني بنفسها كما قبل الحرب، فمعظم الوقت تقضيه مرتدية ثوب الصلاة، بينما زوجها يقضي نهاره مع الرجال في ساحة المدرسة، فحتى عندما يخلد أطفالها للنوم، وتعدّ فنجانين من القهوة لها ولزوجها، لم يعد الحوار بينهما كالسابق.

تتنهد وتكمل: “لا مستقبل ولا أفق، كل ما نتحدث به كيف نتدبر شؤون يومنا، وانتظار حلٍ لحياتنا التي توقفت، أصبحت علاقتنا الزوجية صامتة، دون حديث ولا مشاركة، لذا حافظ كل مننا على إبقاء شعرة معاوية، كوننا على متن ذات القارب المثقوب الذي تتقاذفهُ أمواجٌ عاتية، لكنّي أحنّ إلى ذكرياتي مع زوجي، تلك التي كانت قبل الحرب”.

تشتكي النساء غياب العلاقة الحميمة التي تشعرهن بالدفء العاطفي، وتجعل التقارب بينهن مع أزواجهن أسهل، لطالما أسرّت نساء لبعضهن داخل الخيام حول اشتياقهن إلى لمسةِ يدٍ وكلمة رقيقة تمحو بهن هموم يومٍ ثقيل، ولكن تتقلب الأيام كما أوجاعهن على حالٍ يزداد سوءًا.

تقول الأخصائية الاجتماعية داليا حرز الله إن استمرار حرب الإبادة وانعدام جميع مقومات الحياة خلق حالةً من تصدّع واختلال العلاقة الزوجية، وذلك لتأثيرات الحرب على الحالة النفسية للأزواج، وتأثير ذلك على الأبناء أيضًا بشكلٍ سلبي.

وشرحت: “حاليًا نجد معظم العائلات تعيش حالات زواج صامت، (طلاق عاطفي)، سببه الانشغال بيوميات الحياة مثل إشعال الحطب وإعداد الخبز أو المشي مسافات طويلة لتوفير المياه أو شحن الهواتف، وهذا خلق حالة من عدم الاكتراث بمشاعر الآخر وخاصة المرأة كونها عاطفية بطبيعتها، وتهتم بجميع التفاصيل الجميلة عكس الرجل”.

ويخالف ما تعانيه النساء في الخيام ومراكز الإيواء اتفاقية جنيف الرابعة، خاصة المادة (27) التي نصت على أنه للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، إذ لم تتم مراعاة الحقوق العائلية للنساء ولا عاداتهن وتقاليدهن.

“الزواج الصامت، وحالة الفتور العاطفي بين الزوجين يمكن أن تكون سحابة عابرة تغيّم على الحياة الزوجية لفترة، ثم ينجح الطرفان في تجاوزهما، كما يمكن أن تكون ظاهرة تدوم لسنوات، وله تأثيرات سلبية على الأزواج والأبناء”، تقول حرز الله.

وتختم: “تأثيره يمتد للعلاقات الاجتماعية مثل التشنج والغضب والإحساس بالنقص، وقد تؤدي للخيانة الزوجية أو الزواج بأخرى، وهي من الظواهر غير المعلن عنها، ولا يبوح بها الأزواج، لذا يصعب الحصول على إحصائيات حولها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى