الحرب فاقمت أزمتها المياه شمال قطاع غزة …بـ(القطّارة)

الحرب فاقمت أزمتها

المياه شمال قطاع غزة …بـ(القطّارة)

غزة- وردة الدريملي:

“صدّقوا، جالون مياهٍ لا يتجاوز 20 لترًا يصل إلى دولارٍ كاملٍ في الأيامِ العادية، ويرتفع إلى دولارين في الأزمات، هذا غير أزمة مياه الاستخدام المنزلي الطاحنة”، بهذه الكلمات، تحدّثت السيدة وسام جواد (50 عامًا)، واصفةً أزمة انقطاع المياه المستمرة وشحّها في مدينة غزة!

فمنذ اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، اختلفت الحياة كليًا في قطاع غزة، بدءًا من انقطاع التيار الكهربائي الذي أثّر على المياه، فأصبح الحصول عليها معاناةً كبيرة، خاصة مع الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية وشبكات الصرف المياه، ما جعل ساعات وصلها محدودًا.

ظهرت أزمة المياه جليةً شمال قطاع غزة في ديسمبر / كانون الأول 2023م، بفعل الاستهدافات الإسرائيلية للآبار، وهو ما حَرمَ المواطنين من البحث عن البدائل مثل استثمار ألواح الطاقة الشمسية في استخراج المياه.

وتفاقمت الأزمة في مدينة غزة، منذ نهاية يونيو/ حزيران 2024م، بعدما دمّر الاحتلال الإسرائيلي شبكات المياه أثناء اجتياحه حي الشجاعية شرق المدينة، ما ضاعف أسعار المياه مجددًا، كذلك وجود صنابير مياه الاستخدام المنزلي خارج المنزل، جعل التعبئة أكثر خطورة؛ خاصة عندما تكون ساعات وصل المياه ليلًا.

عودة للسيدة وسام التي تسكن حي الزيتون شرق مدينة غزة، تقول: “كل شيء أصبح مرهقًا، مجرد وصول المياه يعمل زوجي وأولادي على تعبئة الجالونات ونقلها إلى البيت، لتبدأ أعمال النظافة المعتادة من غسيلٍ للأواني وشطف للمنزل، قدر المستطاع أغسل وجبة واحدة، فمنذ بدء الحرب أصبح كل شيء يدويًا”.

أما عن المياه الصالحة للشرب، تقول وسام: “يأتي بائعو المياه على عربات كارو (عربات تجرّها الدواب) أو بمركباتهم، ينادون بصوتٍ مرتفع “ميا حلوة ميا حلوة”، يقوم الناس بالتعبئة، ولكن بأسعارٍ مرتفعة، يحاول أولادي تعبئة ما أمكن من المياه حتى لا ننقطع منها، مثلما حدث عند اجتياح حي الزيتون منتصف ديسمبر 2023م”.

المواطن سعيد محمد (55 عامًا)، أمضى نهاره بانتظار ساعات وصل المياه، كي لا تفوته أي قطرة، يقول: “أتفحّص صنبور مياه البلدية الذي يتواجد بجوار بيتي كل ساعة، أحيانًا تكون قوية فنملأ الخزانات والجالونات، بعدما دمّر صاروخ من طائرة استطلاع خزان المياه الكبير على سطح منزلي”.

يكمل سعيد إنه يتابع التعبئة لأبناء الحي بمساعده أولادِه، فالمياه قد تنقطع أيامًا، وقد يكون وصلها بعد منتصف الليل، فيعمل على تعبئة ما يستطيع سريعًا، إذ تحوم طائرات الاحتلال الحربية في السماء ما يجعل عملية التعبئة مرعبة، ويخصص أغلبها لدورات المياه.

يضيف: “شحّ المياه يسبب قلة النظافة، ويؤثر على غسيل الأواني والملابس، والاستخدامات الأخرى التي ترهق كاهل النساء، خاصة مع اضطرارهن للاستعمال بـ(القطّارة)، كي لا تنفد المياه من البيت، بسبب شحّ توفرها”.

وتبدو تجربة المواطن إياد فودة (37 عامًا) مختلفة، ففي ظل انقطاع مياه البلدية، يضطر لجلب المياه لعائلته من أماكن أخرى.

يقول إياد: “أذهب يوميًا إلى محطة تعبئة المياه لشراء مياه الاستخدام المنزلي، بسعر 100 شيكلٍ لكل ألف لتر، بعدما أمشي مسافة كيلو مترًا كاملًا، وحين أصل بيتي يكون إخوتي بانتظاري، للبدء في عملية نقل المياه المتعبة والتي تستمر لساعتين عبر ممرٍ رمليٍ بين منزلين، إثر إغلاق الطريق الرئيسي بسبب القصف الإسرائيلي على المربع السكني الذي أقطنه في حي الزيتون”.

في أحد مراكز الإيواء الحكومية المكتظة بالنازحين، يبدأ المواطن أحمد عبد الواحد (31 عامًا)، رحلة البحث عن مياه الاستخدام، سيرًا على الأقدام يوميًا، بمعدّل ثماني مراتٍ ذهابًا وإيابًا، برفقة (6) فتيات، أكبرهن (13) عامًا وأصغرهن (8)، هنّ بناته وبنات أخواته النازحات معه، يتواجدون جميعًا في فصلٍ واحد”.

يقول بعد أن يمسح عن جبينه عرق يومٍ كامل: “ما أجلبه من مياه لا يكفي، أخرج في ذروة الظهيرة تحت أشعة الشمس الحارقة، أحمل جالونات المياه وبعض الدلاء، وأنطلق بحثًا عن مكانٍ تتوفر فيه مياه”.

بعض المؤسسات الإغاثية حاولت التخفيف من حدّة أزمة مياه الشرب تحديدًا، من خلال توفير شاحنات “سقيا الماء”، فكانت منقذًا لآلاف المواطنين.

وتنص اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب على ضرورة السماح بمرور الرسالات الإغاثية والإنسانية، وهو ما لم يحدث في قطاع غزة.

تقول منسقة مشاريع مؤسسة التنمية والإغاثة الدولية إدريف (IDRF) عائشة زيدية، إن المؤسسة تعمل شمال قطاع غزة على توزيع المياه المحلّاة في الأماكن المكتظة بالسكان، وأماكن النزوح ومراكز الإيواء والمناطق المتضررة، حيث يتم توريد (7-10) كوب يوميًا.

وتؤكد زيدية إن هذه المياه مطابقة لمواصفات وزارة الصحة الفلسطينية، وسلطة المياه، وخالية من الشوائب والمعادن الضارة، وهذا استجابة لحالة الطوارئ وشحّ المياه التي يعانيها قطاع غزة.

وتضيف زيدية إن المؤسسة تغطي مدينة غزة بعدد (300) كوب شهريًا، كل كوب يحتوي (1000) لتر مكعب، ويزيد الاستهلاك في فصل الصيف في شهور (يونيو، يوليو، وأغسطس)، خاصة بالنسبة للمياه الصالحة للشرب، بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وتعدّ زيدية نقص السولار واحدًا من أبرز المعوقات التي تواجه عملهم، وهو ما أجبرهم على وقف الخدمة في بعض الأحيان، كما أن بعض المحطات التي يتعاملون معها تتواجد في أماكن الصراع، ما يؤدي إلى عدم الحصول على المياه، ما يدفعهم للبحث عن بدائل من أجل توفير المياه للمواطنين.

أما بلدية غزة، والتي عادت للعمل بالحدّ الأدنى، فيقول المتحدث باسمها عاصم النبيه: “البلدية تحاول التخفيف من معاناة المواطنين بعد تدمير الاحتلال للبنية التحتية والمرافق الحيوية داخل المدينة في ظل الكثير من العقبات، كتدمير الاحتلال للآليات والمعدات الثقيلة للبلدية، إضافة إلى نزوح 80% من طاقم البلدية إلى جنوب القطاع واستشهاد (45) موظفًا”.

ويؤكد النبيه أهمية التنسيق مع المؤسسات الدولية والجهات المختصة، ليكون التدخّل فعالًا في تقديم الخدمات للمواطنين، وإعطاء الأولوية للمياه والصرف الصحي وترحيل النفايات.

ويتابع النبيه إن البلدية تخاطب كافة المؤسسات الدولية والمنظمات الأممية، وأنهم أرسلوا قائمة بالاحتياجات، موضحًا إن هناك تدخلات محدودة في بعض مشاريع البلدية لتسهيل خدمة وصول المياه، لكنها تظل غير كافية ولا تلبي احتياجات المواطنين.

ونوّه النبيه إلى أن أكثر من 75% من آبارِ المياهِ تعرضت للأضرارِ كليًا أو جزئيًا، وأن الآبار العاملة حاليًا (30) فقط من أصل (80) بئرًا، وبعد بعد إجراء صيانة عاجلة لها من قبل الطواقم الفنية، لتلبي جزءًا من احتياج المواطنين.

ويضيف إن المياه تصل إلى 40% من مساحة مدينة غزة، وبكميات قليلة جدًا لا تتجاوز (15) لترًا، بينما تتحدث المعايير الدولية عن (120) لترًا يوميًا، لكافة الاستخدامات، ومع اقتراب فصل الشتاء تتخوّف البلدية من فيضان بركة الشيخ رضوان المعدّة أصلًا لتجميع مياه الأمطار، لكنها اختلطت بمياه الصرف الصحي بفعل توقف بعض محطات الصرف الصحي، مما يشكّل كارثة بيئية مرتقبة.

ويحتاج الخط الرئيسي للبركة؛ حسب النبيه؛ إلى صيانةٍ ومتابعة، ومعدّات كبيرة للصيانة، ليتم تفريغها وتهيئتها لاستقبال فصل الشتاء، كي لا تشكّل خطرًا على المواطنين في الأماكن المحيطة بها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى