الولادة تحت الإبادة …خوف وجوع ومواليد دون رعاية

الولادة تحت الإبادة …خوف وجوع ومواليد دون رعاية

غزة- أنسام القطاع:

“تغرّزت بدون بنج، كنت بحسّ بالإبرة وهي بتدخل جسمي وتطلع منه، رحلة حملي وميلادي كانت صعبة”.

بهذه الكلمات بدأت العشرينية شيماء عرفات تروي معاناتها مع الحمل والولادة، خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اندلعت يوم 7 أكتوبر 2023م، حينها كانت شيماء حاملًا في شهرها الثاني، ومنذ ذلك الوقت لم تتلقَّ أي رعاية صحية أو تغذية طيلة فترة حملها.

بلغت المجاعة حدّها الأقصى شمال قطاع غزة، حيث رفضت شيماء النزوح إلى جنوب القطاع عندما أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي سكّان شمال القطاع على النزوح إلى جنوبه، تقاسمت الطعام مع أفراد عائلتها، ومنحت الأولوية لطفلتها رهف (عامٌ ونصف).

تقول: “عندما كنا نوزع حصص الطعام، كنت أعطي حصتي لطفلتي رهف رغم حاجتي للتغذية، قلبي يتقطّع عليها وهي تشعر بالجوع وأنا لا أستطيع توفير طعامٍ كافٍ لها”.

في مايو 2024م، داهم شيماء المخاض ليلة اجتياح حي الزيتون، وعدم وجود أطباء في مجمع الصحابة الطبي سوى طبيب وممرضة، وعدم جاهزية المشفى بالمعدّات الطبية، حتى تم تغريزها دون تخدير.

“كانت أوقاتًا صعبة، نزحت خلال حملي 10 مرات، كنت أحمل طفلتي رهف وجنينًا في أحشائي”، تقول شيماء التي عانت ثقل الحمل وهي تنزح سيرًا على الأقدام، أنجبت طفلتها ماسة بعد مخاضٍ عسير، وعانت الرضيعة من عجزٍ في التنفس، والتسمم في الدم الذي سبب تكسرًا فيه.

عانت شيماء من تعرّض الرضيعة لسوء التغذية، فالأم لم تتلقَ طعامًا ولا دواءً خلال الحمل، والمجاعة ضربت مدينة غزة، وبعد خروج ماسة من الحضانة، اعتادت الحليب الصناعي ورفضت حليب أمها الذي لم يكن مشبعًا، وهذا شكّل عبئًا ماليًا على العائلة مع وصول سعر العلبة إلى 100 شيكل (نحو 28 $)، إضافة إلى شحّ الحليب، ما أصاب الرضيعة بسوء التغذية من الدرجة الثالثة، وكانت بحاجة لنظامٍ غذائي خاص، فوزنها وطولها غير مناسبين لعمرها.

تتشابه معاناة شيماء مع العشرينية سارة الحلو، التي تزوجت قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، واكتشفت حملها بعد أسبوعين من الزواج من خلال فحصٍ على شريط الحمل.

لم تنزح سارة إلى جنوب قطاع غزة، وخلال حملها لم تتلقَّ أي رعاية صحية، وعانت من سوء التغذية، حدث حزام ناري بجانب بيتها في حي الشجاعية، نجت منه بأعجوبة، ما أجبرها على النزوح قسرًا إلى غرب مدينة غزة في ديسمبر 2023م.

“في كل مرة كنت أنزح فيها أو يحدث قصف بالقرب مني، أشعر بالخوف على جنيني، خاصة أنني لم أستطع توفير الرعاية الصحية والغذائية له”، تقول سارة التي خضعت للفحص الطبي وهي في الشهر السادس لحملها، حيث ذهبت إلى مجمع الصحابة وسط مدينة غزة سيرًا على الأقدام، وكانت بحاجة إلى فيتامينات وأدوية لم تتوفر، واستطاعت توفير جزء من الأدوية بصعوبة.

طيلة فترة حملها كانت سارة تصاب بهواجس كيف ستلد في ظل هذه الظروف، وهل ستجد الرعاية الطبية اللازمة، هل ستلد في مستشفى أم تحاصرها دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وستضطر للولادة في مكانها وهي محاصرة دون تلقي الرعاية لها ولجنينها.

“أنجبت في شهر يونيو 2024م، بعد معاناة طويلة خضتها خلال فترة الحمل، وبدأت معاناتي مع الرضاعة وتوفير الحليب الصناعي لطفلي، فأنا لم أتلقَّ الغذاء الصحي المناسب، ما جعل الحليب الطبيعي غير مشبع”، تختم سارة.

تقول طبيبة النساء والولادة في مستشفى العودة، إسراء أبو ركبة، إنه على مدار حرب الإبادة واجهت النساء الحوامل والمرضعات صعوبات جمّة، منها صعوبة الوصول للمستشفيات، فالسيدة التي تزور المستشفى ربما لا تحظى بفرصة زيارة ثانية، وهناك الكثير من النساء كانوا بحاجة إلى نظامٍ غذائي خاص ولكن المجاعة حالت دون التزامهن بأي نظام.

أما بالنسبة للمرضعات، فقد عانت الكثيرات من فقر الدم نتيجة شحّ المواد الغذائية، كما توضح أبو ركبة، إضافة إلى سوء التغذية الذي أصاب أطفالهن، وعدم تناسب أوزانهم وأحجامهم مع أعمارهم.

ويتناقض ما تعرضت له النساء في قطاع غزة مع اتفاقية جنيف الرابعة، التي نصت في مادتها (16) على حماية خاصة للنساء الحوامل، كما نصت المادة (23) على ضرورة السماح بمرور الإرسالات الإنسانية ومن بينها الأغذية والملابس والمقويات الخاصة بالحوامل.

وأوضحت أبو ركبة إن الكثير من النساء الحوامل لم يتلقين أي رعاية صحية وبعضهن اكتفين بالفحص البيتي، وهذا أمر غير صحي خاصة أن الجنين بحاجة لمتابعة دورية، لمتابعة حجمه ووزنه، فقد يكون صغيرًا داخل رحم الأم أو متوفيًا وهي لا تعلم، وهذا بدوره يسبب مضاعفات صحية للأم.

وتابعت إن الكثير من النساء كان يفترض أن يتم إجراء إنهاء حملٍ لهن حيث تكون السيدة أنهت شهور الحمل وهي لا تعلم، وبحاجة لتدخل طبي لتحديد موعد الولادة، والبعض بحاجة لعملية قيصرية، والكثيرات أصبن بسكّر الحمل وهي لا تعلم نتيجة عدم إجراء فحص الحمل.

وتشرح أن هناك نساء لم يكن حملهن الأول خلال الحرب، لديهن تجربة في كيفية العناية بالجنين، وهناك نساء وضعن جنينهن في مراكز إيواء أو في بيوتهن، ولم يستطعن الوصول إلى المستشفيات نتيجة الحصار الخانق، إضافة إلى من واجهن مشكلة التغريز الخاطئ ما سبب لهن مضاعفات صحية، كما عانت الكثيرات من النزيف المتواصل ووجود بقايا الخلاصة، وما زالت معاناة الحوامل والمرضعات تتواصل.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى