الحاجّة مريم وحيدة داخل خيمتها
الحاجّة مريم وحيدة داخل خيمتها
خانيونس- أنغام يوسف:
“أعيشُ وحدي داخل هذه الخيمة دون معيل، أنا كبيرة السن، ومع ذلك يضيع يومي في الوقوف أمام التكيات وطوابير تعبئة المياه، هذه الحياة لا تشبه حياتي ولا تحترم سنّي”.
بهذه الكلمات تحدث مريم الأسطل (64 عامًا)، والتي تعيش وحدها في خيمةٍ قماشية لا تقي حرّ صيف ولا برد شتاء، وسط جموع النازحين والنازحات في منطقة المواصي غرب محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة.
في تفاصيل حكاية المسنّة مريم، فهي أرملة لم تنجب أبناء، كانت تعيش وحدها في بيتها شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، لكن حياتها كانت معززة كريمة، “كنت أُنفق على نفسي من معاش زوجي المتوفي، حياتي كانت هادئة مستقرة، وما أتقاضاه يكفيني للعيش بكرامة”، تقول مريم.
ظلّت حياتها على هذه الوتيرة الهادئة، حتى اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، باتت السيدة تدير أمورها بصعوبة، لكن الوضع ازداد بؤسًا مع النزوح الذي فُرض على مدينة خانيونس منذ ديسمبر 2023م، حيث أجبرت الحاجة مريم على النزوح وترك بيتها.
تتلفت السيدة يمينًا ويسارًا داخل خيمتها الصغيرة الممتلئة ببعض الفراش والأغطية والأواني، تقول:”خرجت بعد إلقاء الاحتلال منشورات يأمرنا بالإخلاء تمهيدًا لدخولهم البري للمدينة، أنا كبيرة السن لا معيل لي، نزحت مع أقاربي، اعتقدت أن الأمر مسألة أيام وأعود إلى منزلي، ولكن ما حدث لم يكن بالحسبان، نزحت ولم أحمل سوى القليل من الملابس ومصحفي وسجادة الصلاة”.
تتنهد السيدة وهي تستذكر حياتها الكريمة قبل الحرب، مقارنة بما تعانيه الآن من سوءٍ للوضع الإنساني داخل الخيمة، والوقوف في طابور التكية من أجل أخذ بعض الطعام والخبز، وطابور آخر لتعبئة جالون المياه للاستخدام المنزلي والشخصي، كل هذه جعلها تعيش حياة غير مستقرة نفسيًا، تعاني التعب على مدار الساعة.
تشير إلى إناءٍ تسلّمت فيه بعض الطعام وتعقّب: “طعام التكية لا يقيت من الجوع دائمًا، لكن لا بديل، ليس لدي غاز الطهي ولا أملك ثمن شراء الحطب لإشعال النار، كوني كبيرة السن أنا بحاجة للخضار والفاكهة واللحوم التي انعدم وجودها في السوق، وإن وُجد فالأسعار تفوق قدرتي المالية، فمنذ أغلق الاحتلال المعابر تزايد الجوع بين المواطنين”.
تروي السيدة معاناتها مع فصل الشتاء الذي تعرّضت فيه للبرد الشديد، لكن أصعبها على الإطلاق يوم غرق خيمتها، “استيقظت وأنا غارقة بمياه المطر الذي دخل خيمتي، أغراضي وفراشي غرقوا تمامًا، وفي الصيف، تتحول الخيمة وكأنها فرنُ نار معدّ للشواء بسبب انخفاض سقفها”، تقول.
لا مقارنة بين حياة السيدة قبل الحرب وما تعانيه الآن، “هنا فقدت كرامتي وإنسانيتي، كنت في بيتٍ أملكه بنفسي، لي غرفتي ومرحاضي، الآن خيمتي حتى بلا مرحاض، أقضي حاجتي في الخلاء أو عند الجيران، ليس لديّ مقومات إنشاء مرحاض، ولم يتفقدني أحد من المسؤولين ولو بمرحاضٍ متنقل بين الخيام التي أعيش بينها”.
تقضي السيدة مريم يومها سيرًا على الأقدام بين الخيام تحمل هاتفتها النقّال وهو من النوع القديم، بحثًا عن نقطة شحن أو عند بعض الجيران، في محاولة لتوفير نفقات شحن الهاتف.
ويخالف ما تعانيه الحاجة مريم اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (55) على أنه من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية، ولا يجوز لدولة الاحتلال أن تستولي على أغذية أو إمدادات مما هو موجود في الأراضي المحتلة، وتراعي احتياجات السكان المدنيين.
تختم مريم: “كل ما أتمناه أن تنتهي الحرب، وأعود لركام بيتي، أُنشئ خيمة على أنقاضه بدلًا من بعثرة عزّة نفسي في مكانٍ ليس ملكي”.