أُُضيفوا لضحايا الإبادة …أجنّة لم تسكن الأرحام بعد
أُضيفوا لضحايا الإبادة أجنّة لم تسكن الأرحام بعد
غزة- أنسام القطّاع:
لم تتوقع السيدة نور أبو القمبز أن محاولاتها طيلة أربع سنوات من أجل محاولة إنجابٍ، ستذهب سدى، وأن البويضات التي جمّدتها من أجل ذلك، باتت في عِداد الشهداء!
في تفاصيل حكاية نور، فقد كانت تعاني من مشاكل في الإنجاب استنزفتها نفسيًا وجسديًا وماديًا هي وزوجها على مدار سنوات، لكن قبل حرب الإبادة بأشهرٍ نجحت عملية أُجريت لها في مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب، وظنّت أنها باتت على بُعد خطواتٍ من الأمومة، لكن الحرب غيّرت كل شيء.
تقول نور: “قبل الحرب تعالجت، وحضّرت جسدي لعملية زراعة بعد حصولي على عدة كورسات من الأدوية والفيتامينات، أنتجت العملية التي أجريت ليّ 6 بويضات، نجح منهم أربعة، تم حقني ببويضتين فحملت بتوأم، وتم تجميد الباقي داخل المركز في حال أردت اللجوء لعملية زراعة أخرى”.
لم تكتمل فرحة نور بحملها، فقد شنّ الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادةٍ على قطاع غزة، يوم 7 أكتوبر 2023م، وبعد شهرين من اندلاع الحرب، تعرّضت نور لطلقٍ مبكر نتيجة النزوح وسوء التغذية وانعدام قدرتها على المتابعة مع طبيبها، فأنجبت طفليها وهي في الشهر السابع من الحمل.
تبكي نور وهي تكمل: “شاءت الأقدار أن يتوفى التوأم بعد ساعتين فقط من الولادة نتيجة عدم وضعهم في حضانة، لعدم وجود حضانات أطفال حينها”.
بغصةٍ تضع يدها على قلبها وتتابع: “أُصبتُ بصدمة ولم أستطع تحمّل فقدان الطفلين، صرت كل يوم أزورهم في مكان دفنهم حتى أخفف من وجعي عليهم”.
لكن مأساة نور لم تتوقّف عند هذا الحد، بل إنها فقدت حتى الأجنّة في مركز البسمة للإخصاب والذي تعرّض للقصف الإسرائيلي يوم 17 إبريل 2024م، وفقدت معه فرصتها في محاولة إنجابٍ ثانية، وفقدت أملها الأخير.
تقول نور: “عندما علمت أن المركز قُصف كأن روحي أُخذت، كنت أنتظر أن تنتهي الحرب وأزرع الأجنّة المجمدة، ولكن حتى هذا الأمل حُرمت منه”.
أما أحمد جربوع، والذي أصيب بصدمةٍ مشابهة لما حدث مع نور، أدخلته في حالة اكتئاب بعدما علم بالقصف الإسرائيلي للمركز.
يقول أحمد: “تزوجت عام 2017م، وبعد فترةٍ من زواجي دون حدوث حمل لزوجتي، توجّهت معها إلى طبيبٍ مختص وبعد إجراء الفحوصات المطلوبة تبيّن أن لديّ مشكلة في الإنجاب، وبحاجة لعملية زراعة”.
أجرى أحمد أول عملية تفتيش عن الأجنّة، لكنها باءت بالفشل، وبعد عامين توجّه إلى طبيب آخر، وأجرى ذات العملية ولكنها لم تنجح، وبعد عامين آخرين أجرى عملية تلقيح ناجحة، وقبل اندلاع حرب الإبادة بشهرٍ واحد نجحت عملية التفتيش عن الأجنة، وأصبح جاهزًا لعملية زراعة، بعد أن احتفظ لدى المركز بما يلزم من حيوانات منوية لإجرائها، لكن المركز تعرّض للقصف بما فيه.
يتنهّد جربوع ويروي: “أصبت بحالة مختلطة من الصدمة والخوف والألم والحزن، كنت على بُعد خطوة من أمل الإنجاب”.
كان أحمد في طور استعداده للإنجاب جهّز غرفةً للمولود وزيّنها على أمل أن يتحقق حلمه، كاد يطير فرحًا وهو يقول لزوجته “خلال عام ستصبحين أمًا”، يعقّب: “حرمت نفسي وزوجتي من الكثير من الأشياء من أجل تجميع تكاليف العملية على مدار سبع سنوات”.
أما الحكيمة في مركز البسمة للإخصاب، اعتماد واكد، فقالت إن المركز تعرّض للقصف خلال اجتياح الاحتلال للمنطقة التي يقع فيها المركز، ومن شدّة القصف وتناثر القذائف المدفعية قُصفت غرفة العمليات وغرفة الاستفاقة وغرفة الأجنّة، التي يتم فيها تلقيح الأجنّة ومن ثم زراعتها.
هبط خبر القصف كالصاعقة على رأس الحكيمة واكد حين علمت بقصفِ المركز، فأحلام آلاف العوائل بأن يصبحوا أمهات وآباء تبخّرت في غمضة عين.
تعقّب بصدمة: “كان داخل المركز تنكات من الأجنّة المجمّدة، والحيوانات المنوية المجمّدة، 5000 حالة لديهم أجنة مجمّدة، و15 حالة من الحيوانات المنوية لحالات صعبة وشبه مستحيلة، كانت موجودة داخل المركز”.
ويخالف ما تعرّض له المركز المادتين (18) و (19) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، واللتان تحظران الهجوم على المستشفيات المدنية، ولا وقف الحماية الواجبة لها، كما تنص المادة (53) على حظر تدمير الممتلكات الخاصة الثابتة أو المنقولة المتعلقة بأفرادٍ او جماعات أو بالدولة والسلطات العامة أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتمًا هذا التدمير.
بحزنٍ تقول واكد إن سيدة تواصلت معها وأخبرتها أن زوج ابنتها استشهد، وسألتها إن كانت ابنتها تستطيع إرجاع أطفالها من خلال هذه الأجنة، وعندما علمت السيدة بقصف المركز أصيبت بنوبة من البكاء، وانهارت مع انهيار آخر أمل لابنتها في الإنجاب.
ومع كلِ حالة كانت تحتفظ ببويضات أو حيوانات منوية مجمّدة داخل المركز الذي قُصف، لعائلات حرموا أنفسهم كثيرًا من أجل تحقيق حلم الأمومة والأبوة، باتت المناشدات كبيرة بأن يتم تبنّي هذه الحالات علّ أملًا جديدًا في الإنجاب يبزغ من جديد.