تحت الإبادة.. شبح الموت يحاصر مريضات السرطان
تحت الإبادة.. شبح الموت يحاصر مريضات السرطان
غزة- فداء حلس:
تعاني صباح فروانة من سرطانٍ في العظام، أصيبت به عام 2015م، وحالتها الصحية تزداد سوءًا مع فقدان العلاج في مشافي قطاع غزة، وعدم تلقّيها جرعات العلاج الكيماوي؛ منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م حتى الآن.
تقول صباح التي تعيش مع شقيقتها في منزلِ والدهن الكائن بمخيم البريج وسط قطاع غزة: ” خلال الحرب انتشر المرض بشكلٍ سريع مما أثّر على قدرتي الحركية، ولم أعد أتحرّك كالسابق، بالكاد أتمكن من الذهاب إلى دورة المياه، وبمساعدة من شقيقتي”.
تفاقم الوضع الصحي لصباح التي سعت لتوفير العلاج رغم ارتفاع ثمنه، لكن الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح أصلًا بدخوله إلى قطاع غزة، وفشلت في الحصول على تحويلة طبية خارج قطاع غزة، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على خروج المرضى، وتحكّم الاحتلال الإسرائيلي بهذا الملف.
حال صباح، يشبه ما يعانيه كل مرضى السرطان في قطاع غزة، الذين أكدت وزارة الصحة في بيان لها، أن 13 ألف مريض ومريضة بالسرطان، يحتاجون إلى العلاج بشكلٍ مستمر خارج مشافي قطاع غزة.
الشابة هناء محمد أيضًا، تعاني من سرطان الثدي منذ ثماني سنوات، ولم تتلقَّ جرعات العلاج الخاصة بها، منذ بداية الحرب، تقول بنبرةٍ يائسة: “المرض اشتد عليّ خلال الحرب، صحتي تتراجع، ولا أستطيع تحمُّل الألم، والأدهى عدم توفر العلاج”.
في ظل غياب علاجها، تعتمد هناء على بعض مسكنات الألم كي تتمكن من النوم ولو قليلًا، تقول: “قدمت طلب تحويلة طبية في إبريل 2024م، وحصلت على نموذج التحويلة للسفر، ومع ذلك ما زلت أنتظر إذن الاحتلال الإسرائيلي للسماح لي بالسفر”.
تواصلت الشابة مع منظمة الصحة العالمية، باعتبارها الجهة المشرفة على تنسيق خروج المرضى من القطاع، لكن الرد كان أن الاحتلال الإسرائيلي هو من يتحكّم بأعداد المرضى الخارجين من القطاع، وهو من يتحكّم بالرفض أو السماح.
يختنق صوتها ليصبح أقرب للبكاء وهي تكمل: “حياتي أصبحت جحيم، قبل الحرب كنت أتلقّى العلاج في مستشفى الصداقة التركي، لكن تدمير الاحتلال للمستشفى حرمني من حقي في مواصلة العلاج”.
بعد تدمير مستشفى الصداقة التركي الخاص بمرضى السرطان، تم نقلهم جميعًا إلى المستشفى الأوروبي بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، حيث يتلقّون علاجًا بإمكانيات محدودة ونقص شديد في الأدوية.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت نفاد 59% من الأدوية الأساسية، و37% من المستلزمات الطبية، ما يدل على وصول القطاع الصحي إلى وضعٍ كارثي، حيث دمر الاحتلال الإسرائيلي 34 مستشفى من أصل 38 منها حكومية وأهلية، تاركًا 4 مستشفيات فقط، تعمل بإمكانيات ضئيلة، إلى جانب خروج 80% من المراكز الصحية عن الخدمة، وتدمير 162 مؤسسة طبية.
يقول د.محمد أبو ندى، المدير الطبي لمركز غزة للسرطان، في مستشفى غزة الأوروبي، إن مرضى السرطان زادت معاناتهم خلال الحرب، وارتفعت أعدادهم إلى 13 ألفًا، من بينهم 1500 يحتاجون للعلاج والتشخيص خارج قطاع غزة، وحوالي 5000 مريض لديهم تحويلات علاجية لكن لم يستطيعوا المغادرة بسبب الإجراءات الإسرائيلية وإغلاق معبر رفح.
وأوضح أن الأجهزة التشخيصية لدى مشافي الوزارة مثل جهاز الرنين المغناطيسي الذي يعدّ أساسًا لتشخيص المرضى مدمّرًا، إضافة إلى المعاناة من نقص الأدوية وعدم توفّرها بشكل دائم، وعدم توفّر العلاج الإشعاعي، سيما أن 30 من المرضى يحتاجون لهذا العلاج.
وأضاف أن المستشفى غير قادر على توفير العلاج للمرضى بسبب عرقلة الاحتلال الإسرائيلي لدخول الأدوية، ما أثّر سلبًا على حياة المرضى وفقدان البعض منهم لحياتهم.
ويخالف ما تتعرض له مريضات السرطان في قطاع غزة، اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (16) أن يكون الجرحى والمرضى والعجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين، وتسهيل نقلهم للعلاج، كما نصت المادة (18) على أنه لا يجوز الهجوم على المستشفيات.
بدوره يقول د.حسين حماد، الباحث في مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن الاحتلال الإسرائيلي دأب على استهداف الحق في الصحة الجسمانية والعقلية من خلال تدمير البنية التحتية الصحية والمنظومة الصحية وإغلاق المعابر، ومنع المرضى من الوصول إلى العلاج المناسب، ومنع إدخال الإرساليات الدوائية والمهمات والمعدات الطبية بمختلف الطرق منذ حصاره للقطاع عام 2007م.
وأضاف أن قوات الاحتلال ما تزال تمنع المرضى والمريضات من السفر للحصول على العلاج اللازم والضروري، خاصة مصابي ومصابات السرطان والقلب والأوعية الدموية، وصاحبات الأمراض المزمنة، بعد إحكام إغلاق المعابر والسيطرة على مدينة رفح واحتلالها بريًا.
وشدد على أن قوات الاحتلال تقترف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، ورغم ما نصّت عليه القوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، لكن قوات الاحتلال لم تحترم الحماية التي وفرتها للمنشآت الطبية والعاملين في المجال الصحي وحركة الإرساليات الطبية، وحماية المدنيين خاصة النساء من أتون الحرب.