مؤسسات ذوي الإعاقة في الحرب … “أصابنا الشلل”

مؤسسات ذوي الإعاقة في الحرب … “أصابنا الشلل”

غزة – نيللي المصري:

“حياتي في خطر”، هكذا لخصت زهرة المدهون (39 عامًا)، معاناتها وتدهور حالتها الصحية، بعدما فقدت حقها في العلاج، بسبب تدمير المؤسسات التي كانت تقدّم الخدمات لذوي وذوات الإعاقة في قطاع غزة.

فالشابة التي تعاني من الإعاقةِ الحركية، نتيجة إصابتها بشللٍ نصفي، والمريضة بارتفاع الضغط والسكر وسرطان الغدة النخامية منذ سنوات، تدهورت حالتها الصحية أكثر خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023م، وما زالت مستمرة.

تقول زهرة: “نزحت منذ بداية الحرب عدّة مرات، حتى عدت إلى غزة مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في يناير 2025م، أفتقد أدويتي خاصة أدوية الضغط وإبر الأنسولين، ولا يمكنني شراء المتوفر منها في الصيدليات”.

تسكن زهرة مع شقيقها في مدينة غزة، فوالداها متوفيان، وتحتاج لمزيدٍ من الرعاية لكن الوضع الاقتصادي لشقيقها حال دون ذلك، كما تحتاج فحوصات دورية، لكنها فقدت كرسيها المتحرّك أثناء النزوح بسبب سرقة بطاريته، تقول لم يكن من السهل نقله معي فتركته، وثمن الكرسي يصل لألفي دولار، وأنا لا أملك هذا المبلغ”.

تختم: “كنت من خلال عمل المؤسسات الخاصة بذوي الإعاقة أحصل على الأدوية والكشف الدوري والكرسي المتحرك، لكن خلال الحرب فقدت هذه الخدمات”.

تتشابه معاناة ذوي وذوات الإعاقة في قطاع غزة، فهم كانوا يعتمدون بشكلٍ كبير على ما تقدّمه مؤسساتهم من خدمات كانت منقوصة أصلًا قبل الحرب بسبب شحّ الإمكانات، وشلّت قدراتها أكثر بسبب الحرب.

“احنا مش عايشين”، قالها يوسف عواد (45 عامًا)، ثم اتكأ على كرسيه وقد بدا عليه الإعياء، يضيف: “منذ بدء الإبادة حتى الآن لم أتلقَّ أي علاج ولا يتم تقديم أي خدمات لنا، حتى الغذاء بالكاد يتوفر في ظل إغلاق المعابر وعودة الحرب من جديد”.

منذ بداية الحرب، نزح يوسف وعائلته إلى جنوب قطاع غزة عندما أجبر جيش الاحتلال سكّان الشمال على ذلك، وعاد إلى غزة مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وبعد معاناة أكثر من عام فقد خلالها كل الخدمات، كان يأمل أن تتحسن الأوضاع.

يتساءل يوسف: “أيعقل أن أتناول وجبة واحدة يوميًا عبارة عن معلبات من الفول أو البازيلاء؟ حالتي الصحية تحتاج تغذية سليمة لكني أفتقد ذلك بشدة”.

 يكمل: “الاحتلال دمر كافة المؤسسات الخاصة بذوي الإعاقة، ورغم أنني لم أتلقَّ كامل الخدمات، لكني كنت أستطيع متابعة حالتي الصحية بشكلٍ دوري، والآن لا أستطيع إجراء أي فحوصات ولا عمل تحاليل، ولا أقوى على القيام بأي جهد”.

وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادقت عليها إسرائيل عام 2012م، الدول الأطراف باتخاذ “جميع التدابير الضرورية”، انطلاقًا من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات النزاع المسلح.

تقول سوسن الخليلي، عضو اللجنة البارالمبية لذوي الإعاقة، إن ذوي الإعاقة كانوا قبل الحرب يحصلون على الخدمات الخاصة بهم بصعوبة بسبب الحصار، والآن بعد تدمير مؤسساتهم، شُلّت الخدمات بشكلٍ كبير، سواء على مستوى توفير الأدوية، التي اضطروا لشرائها بثمن باهظ، أو الخدمات الحقوقية والتعليمية والصحية والإغاثية.

وشرحت: “معظم مؤسسات ذوي الإعاقة لديها مدارس توقفت عن تقديم خدماتها بسبب التدمير، ومنها مؤسسات صحية وتأهيلية وعلاج طبيعي، أصبحت غير قادرة على تقديم أي خدمات لذوي الإعاقة، أصبحنا في كارثة مع ازدياد أعداد ذوي الإعاقة بسبب حرب الإبادة”.

وتابعت أن الاحتلال دمّر خلال الحرب مقر الاتحاد العام لذوي الإعاقة، وسُرقت محتوياته، ونزح معظم أعضاء مجلس الإدارة إلى جنوب القطاع، وبدأ العمل مع الفروع الموجودة بالجنوب، وتقديم مجموعة من الأدوات المساعِدة، كالعكاكيز، الكراسي المتحركة، الشوادر، براميل المياه، خيام، فراش وأغطية، ومساعدات مالية، وإقامة مخيمات خاصة بذوي وذوات الإعاقة.

أما في الشمال، فتوضح: “لم تصلهم المساعدات بسبب النزوح المتكرر إلى المدارس والأقارب والخيام، وانقطاع التواصل معهم، إضافة إلى معاناتهم من توقّف مستحقات وزارة التنمية الاجتماعية منذ بدء الحرب”.

معظم الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا بحاجة إلى تبديل أدوات المساعدة الخاصة بهم، فمثلًا، أصحاب الإعاقة السمعية انفجرت سماعاتهم بسبب القصف والأصوات العالية، كونها مبرمجة على صوت معين، كما توضح الخليلي.

ويتفق معها حسن الزعلان، رئيس الاتحاد العام للمعاقين، بأن الحرب شلّت قدرة المؤسسات على إيصال المساعدات لذوي الإعاقة، وكانت أصعب تجربة تمرّ عليهم، بسبب النزوح المتكرر، وفقدانهم أدوات المساعدة الخاصة بهم، واستشهاد عدد كبير منهم بسبب عدم قدرتهم على مغادرة أماكنهم.

وعن القيود التي تعرضت لها مؤسسات ذوي الإعاقة، يقول الزعلان إن الاتحاد تواصل مع المؤسسات الدولية لتوفير بعض الأدوات، ونجحوا في ذلك، لكن الاحتلال أبقى هذه الأدوات أسيرة المعابر، وبعد محاولات عديدة، تم إدخالها إلى غزة، ولكن لم تكن المطلوبة، كالكراسي الكهربائية التي مَنع دخولها.

وأضاف أن الاتحاد بذل محاولات عديدة لتغيير الأطراف الصناعية لذوي الإعاقة، فتواصلوا مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المشرفة على مركز الأطراف الصناعية، والداعمة لمشاريع مستشفى حمد للأطراف الصناعية، ونجحوا في توفير بعض الأطراف، ولكن مع حرب الإبادة أصبح الطلبُ عليها كبيرًا مع ازديادِ حالاتِ البتر.

وأكد أنه بسبب حرب الإبادة لم يتمكن الاتحاد من توفير الأدوية الخاصة بذوي وذوات الإعاقة، وحاولت الإغاثة الطبية والنقاط الصحية للأشخاص ذوي الإعاقة توفير بعضها ولكن بتواصلهم مع جهات ذات علاقة والصيدليات فإنها فارغة، والمرضى لا يستطيعون ممارسة حياتهم دون هذه الأدوية.

وختم بأنه تم مخاطبة منظمة الصحة العالمية وإخبارهم بما يتعرّض له ذوي وذوات الإعاقة، وكانت هناك تدخلات بإخراج أربعين حالةً منهم خارج قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى