أشعة الشمس التي تكوي الخيام تؤثر على صحتي نيفين: أواجه حروب السرطان والنزوح والخيمة
أشعة الشمس التي تكوي الخيام تؤثر على صحتي
نيفين: أواجه حروب السرطان والنزوح والخيمة
خانيونس- دعاء برهوم:
“خايفة الخلايا السرطانية تتنشط تاني، لا علاج جيد ولا تغذية ولا حياة كريمة في الخيام”.
جملةٌ واحدة اختصرت بها السيدة نيفين فلفل (42 عامًا) معاناتها مع مرض السرطان الذي تفاقم بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تشير إلى زوايا خيمتها القماشية المهترئة وهي تقول (بواجه حروب السرطان والنزوح والخيمة).
في تفاصيل معاناة نيفين وهي أمٌ لثلاثةِ أبناء، أحمد (19 عامًا) محمد (17 عامًا) لميس (13 عامًا)، نازحة من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى خيمة في مواصي خانيونس جنوب القطاع، فقد اكتشفت في حزيران (2016) كتلة صغيرة الحجم في ثديها الأيمن، وبعد الكشف تبيّن إصابتها بمرض السرطان.
المرض الذي استوطن جسدها قبل (9) سنوات وتسبب في استئصال أجزاء من ثديها جعلها لا تقوى على تحريك يدها اليمنى، تكمل بصوتٍ متحشرج: “أكثر إشي أوجع قلبي لما وقع شعري بسبب جلسات الكيماوي، صابتني حالة نفسية واكتئاب، أصبحت لا أتقبّل أحدًا حينها”.
(21) يومًا كانت تفصل كل جلسة كيماوي عن الأخرى، لا تستطيع النوم من شدّة الوجع المقترن بالدوار والصداع والاستفراغ المستمر، رغم تناولها كمية من المسكّنات دون جدوى، تكمل: “أربع جلسات من علاج الكيماوي نهشت جسمي ونشّفت الجلد وبطلت قادرة على شي”.
تكمل: “ما وقفت عند هذا الحد، سنة (2020) تبيّن وجود كتلة حميدة بجانب الرحم، فنصحني الأطباء باستئصاله كي لا تزداد معاناتي التي تتضاعف يوميًا خاصة مع إصابة زوجي بمرض الصرع”.
بمرارة تتابع: “يدي اليمنى لا أستطيع تحريكها أو الاعتماد عليها إلا في الحرب اضطررت لتحريكها واستخدامها رغم صعوبة ذلك عليها، زوجي يعاني من الصرع منذ صغره، إذا انقطع الدواء عن زوجي ليوم واحد بيكسر الدنيا وما بيهدا إلا لما ياخد الدوا المناسب لحالته”.
كان زوجها خالد (45 عامًا) يعمل قبل الحرب مع والده في مزارع الفراولة بمنطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة لتوفير قوت أسرته، والآن أصبح بلا عمل ينتظر المساعدات التي “لا تسدّ رمق أبنائي أحمد ومحمد وطفلتي الصغيرة لميس”.
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023م، وإجبار الاحتلال للمدنيين على النزوح إلى جنوب القطاع يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، اضطرت عائلة نيفين إلى النزوح يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023م، صوب منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث مكثت في إحدى المدارس التابعة لوكالة الغوث (اونروا).
تقول: “بدأت رحلة العناء كنت أغسل وأستحمّ في الليل لأن الطوابير تكون مزدحمة في النهار ومليئة بالمشاجرات، وأنا أخشى على نفسي”.
نيفين: خايفة الخلايا السرطانية تتنشط
تحبس أنفاسها وتتنهد وهي تكمل: “منذ بداية الحرب لم أتناول الطعام الصحي ولا الخضراوات والفواكه اللازمة لتقوية مناعتي، أعتمد بالكامل على طعام التكيات الذي تسبب في تدهور صحتي، خايفة الخلايا السرطانية تتنشط تاني، خاصة إني بتعرض بشكل دائم للشمس خلال تعبئة المياه، وحرارة الخيام لا تُطاق”.
تتدفق الدموع من عينيها وهي تروي إنها حين كانت في غرفة داخل مركز إيواء لم تتعرض لأشعة الشمس، ولكن بعد النزوح إلى مواصي خانيونس يوم 7 مايو/أيار 2024م بعد إجبار الاحتلال للفلسطينيين على إخلاء مدينة رفح، أصبحت تتعرض للشمس دومًا.
تقول: “الشمس في وجهي وأثّرت علي، بحس بدوخة وغثيان وخايفة يتطور المرض خاصة أن ما في متابعة مع الأطباء”.
لجأت نيفين لافتتاح مشروعٍ صغير لبيع الخبز البلدي بين النازحين، لتتمكن من توفير بعض نفقات الأدوية لها ولزوجها، هي ممنوعة من استخدام يدها اليمنى لكن الظروف تجبرها، تقول: “من الصبح ببدا أعجن وأجلس أمام فرن الطينة عشان الخبيز، الحرارة بتأثّر عليا وبتنشط خلايا السرطان”.
إلى جوارِ نيفين داخل الخيمة، تجلس طفلتها لميس وهي تسرد تفاصيل معاناة أمها: “كنت بعمر 3 سنوات لما ماما أصيبت بالسرطان، عشت معها تفاصيل العلاج وكنت أرافقها في بعض المرات عند الذهاب للطبيب”.
تكمل: “في الحرب أنا إيد ماما اليمين، بساعدها في أمورنا اليومية، بوقف معها في طوابير المياه والتكيات وبولّع معها النار للخبيز، يا ريت توقف الحرب ونرتاح من كل العذاب”.
صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الاول كانت لميس تجهّز نفسها للذهاب إلى المدرسة برفقة بنات عمها حين انطلقت الصواريخ فجأة واندلعت الحرب، تقول: “بطلنا نفكر في التعليم، صار كل تفكيرنا متى توقف الحرب ونرجع على بيتنا في بيت لاهيا، واجتمع بصاحباتي نتابع تعليمنا، سنة ضاعت علينا وبدل الدراسة صرنا نجري ورا عربيات الميا وشحن الجوالات والبطاريات”.
لميس التي تخشى عليها والدتها من الحرب، سجّلتها كمرافقة لها للعلاج خارج قطاع غزة، تقول نيفين: “خايفة على بنتي لميس اكتر وحدة لهيك حطيت اسمها، كان مفروض أغادر قطاع غزة يوم 8/5/2024، ولكن اجتياح الاحتلال لرفح حرمني السفر”.
تتكئ نيفين على طفلتها لميس وتتنهد: “4 شهور من انتظار السفر والانتقال للمواصي، ما زلت أبحث عن فرصة للعلاج اللي انحرمت منه بسبب احتلال المعبر، تواصلت معي منظمة الصحة العالمية مؤخرًا لتحديث بياناتي من أجل السفر وما زلت أنتظر”.
بوجهٍ شاحبٍ وجسدٍ هزيل، تزداد صعوبة حياة نيفين فكل يوم تتأخر فيه يأكل السرطان المزيد من صحتها، وتتعرض لانتكاسة، تقول: “مش قادرة أوفر ثمن العلاج، عندما تضيق بي الدنيا ألجأ لإخوتي لمساعدتي في إنقاذ عائلتي من الجوع”.
تكمل: “منذ 7 أكتوبر/تشرين الاول لم ألتقِ عائلتي سوى ساعات محدودة، فالحرب شتت شملنا، التحقوا بنا في الجنوب منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أقيم في خانيونس وإخوتي في الزوايدة ودير البلح وسط القطاع، لا تجمعنا سوى المكالمات ومحادثات الواتساب، مشتاقة لأهلي وجمعة العائلة”.
تتحسر نيفين لعدم رؤيتها لوالديها الذين تفصل بينهم مسافة قصيرة، لكن خطورة الأوضاع وصعوبة التنقّل تحرمها رؤيتهم فهي تخشى حدوث قصف وهي بعيدة عن أولادها، تعقّب: “بدي أموت أنا وأولادي مع بعض”.
ويخالف ما تعرّضت له نيفين وعائلتها اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، خاصة المادة (15) التي تدعو أطراف النزاع لوضع بقع جغرافية لإقامة المرضى والجرحى، كما تنص المادة (16) على حماية خاصة للمرضى والجرحى والحوامل، وتدعو المادة (17) إلى إقرار ترتيبات حلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة وكبار السن إلى مناطق تتوفر فيها الخدمات الصحية، كما ينص قرار مجلس الأمن (1325) على حماية خاصة للنساء والفتيات وقت النزاع المسلح.
السبعينية جازية فلفل هي والدة زوج نيفين، كانت تجلس على باب الخيمة تتحسّر على بيتها الذي تركته، تعقّب: “رحلة علاج نيفين متعبة، كنت من البداية معها وبساندها، واجهت الكثير من العقبات لكن استمرينا بالعلاج حتى آخر جرعة”.
تشير إلى زوجها الثمانيني وتكمل: “لو ما انجلط في الحرب وصار محتاجني بكل شي كان طلعت معها بدل لميس، الوضع تغيّر كليًا بسبب الحرب، صرت أنا الطبيبة في المساء وفي الصباح بدوّر على الحطب بين الأراضي الزراعية لإشعال النار للخبز فهو صدر رزقنا”.
تتحسر السيدة جازية على حالة النزوح التي تعيشها منذ بداية الحرب وهي تقول: “ها نحن نعيش في خيمة لا تقي حرارة الصيف التي تضاعف ألم المرضى ولا برد الشتاء الذي يفصلنا عنه أيام”.