تعاني إصابة خطيرة الطفلة رغد: – (نفسي أربع لحياتي الطبيعية)

تعاني إصابة خطيرة

الطفلة رغد: – (نفسي أربع لحياتي الطبيعية)

غزة – هبة الشريف:

“شفت الصاروخ وهو نازل عليا لمّا تصاوبت”.

بهذه الكلمات، بدأت الطفلة رغد الفرا (14 عامًا) حديثها، وهي ممددة على سريرٍ طبي في مستشفى ناصر بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وتكمل: “نفسي أتعافى، بدي عمليات، نفسي أتحمم وأرجع لحياتي الطبيعية”.

صبيحة يوم 22 يوليو/تموز 2024م، لن يُمحى من ذاكرة رغد، لحظة استهداف صاروخٍ إسرائيلي لمنزلهم الكائن في حي الشيخ ناصر شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، بعدما قصفت طائرة حربية إسرائيلية أرضًا بجوار بيتهم الساعة 6:30 صباحًا، فخرج كل من البيت إلى السطح لمشاهدة الاستهداف، وكانوا هم الاستهداف الثاني.

وكانت إسرائيل أعلنت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023م الحرب على قطاع غزة، مستهدفة المدنيين وممتلكاتهم، في مخالفةٍ لاتفاقية جنيف الرابعة التي حظرت في مادتها الثالثة التعرّض للمدنيين بالقتل أو الاعتقال أو التشويه، كما حظرت التهجير القسري لهم.

تقول شادية الفرا (42 عامًا) والدة رغد: “نزحنا منذ بداية الحرب 7 مرات، نمنا أربعة أيام بالشارع في منطقة تل السلطان بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، حتى توفّرت خيمة بمبلغٍ كبير، بعد شهرين عاد الناس وعدت بأبنائي مثلهم”.

تضيف شادية (أمٌ لخمسةِ بنات وفتى واحد): “بيتي كان واقف بس محتاج تنظيف وترميم أخد من وقتنا شهرين”.

كانت رغد تستعدُ بشغفٍ لخطوبة شقيقتها، يداها شاهدتان على طلاء الحناء ابتهاجًا بالمناسبة التي كانت مقررة يوم الأربعاء، لكن الاستهداف حدث قبلها بيومين، وبدلًا من التصفيق امتدت يداها لإبر البنج والمسكنات، وملابسها التي جهزتها لم تعد قادرة على ارتدائها فمنذ إصابتها وهي ترتدي مريول المستشفى لعدم قدرتها على الحركة.

ترافق شادية الفرا أم رغد طفلتها إلى المستشفى منذ يوم الإصابة، دون كللٍ في قسم الجراحة بمستشفى ناصر، تروي ودموعها لا تتوقف: “مجرد ما سمعنا الضربة طلعنا نشوف من السطح، ضربوا الصاروخ الثاني وصارت الدنيا سواد، صرت أصرخ على بناتي، ردّوا عليا الكبار احنا بخير يا ماما بس رغد ما سمعت صوتها”.

تكمل: “حسست بإيدي، كانت راسها بتنزف بعد فترة صارت تئن، رفعت الردم عنها وصرت أصرخ ع الناس رغد متصاوبة عشان يسمعوني ويطلعوا يسعفوها، ونسيت إني متصاوبة برجلي كان كل همي بنتي، حطيت بلوزة عشان أوقف النزيف براسها لحد ما وصلنا المستشفى”.

صرخت شادية على بناتها كي يغادرن سطح المنزل، بينما استقلت هي سيارة تنقلها إلى المستشفى مع رغد، وهناك عرفت أن صاروخًا آخر استهدف بيتها، لكن بناتها لم يصابوا.

استمرت محاولة إنعاش رغد من الساعة 7 صباحًا، حتى الخامسة من عصر ذات اليوم، حيث دخلت غرفة العمليات وتم استئصال الطحال، وعلى مدار (28) يومًا أُجريت عدّة عمليات لرغد.

صباح اليوم التالي للإصابة، تم تشخيص رغد بكسرين في الفقرات، ثم إدخالها لغرفة الإنعاش بسبب ضيق التنفس، وتوقّف قلبها عدّة مرات، بينما احتاجت (8) وحدات دم خلال عملية الاستئصال لإيقاف النزيف، وبعدما استفاقت ليومين أُدخلت غرفة العناية المشددة مجددًا.

أربع مراتٍ دخلت رغد غرفة العناية المشددة، وأجرت لها عملية منظار ولكن ما زالت تعاني بسبب قُرب الإصابة من فقرات النخاع الشوكي.

بصعوبةٍ شديدة تحاول رغد التحدّث لتعبر عن الألم الجسدي والنفسي الذي تعانيه، وهي الطفلة المدللة، التي طالما ملأت البيت حيوية ونشاطًا، ها هي ترقد على سرير المستشفى بالكاد تستطيع الكلام.

بكلمات متقطعة تعود للحديث: “نفسي أرجع لحياتي الطبيعية، نفسي أعيش بدون ما أحتاج ألبس بامبرز، نفسي اتحمم عادي زي الأول، نفسي حياتي ترجع”.

تحرّك رأسها بصعوبة بينما يزداد شحوب وجهها وهي تكمل: “شفت الصاروخ وهوا نازل علينا، ما وعيت غير وأنا بالمستشفى، أنا عندي كسر بظهري، ما بقدر أتحرك بدي عمليات صعبة، ركّبت بلاتين برجلي، نَفَسي متعبني”.

وتختم كلامها: “يا رب أرجع أمشي، بعد اللي صار، صرت نفسي أكبر وأتعلّم وأدرس طب عشان أعالج الناس وما يتعبوا زيي”.

باتت رغد تعاني من وضعٍ صحيٍ صعب، وسخونة ملازمة لها، وضيقٌ في التنفس نتيجة الإصابة، وتكدّس الدم على ما تبقّى من رئتيها بعدما تم استئصال جزء منها.

كانت رغد تدرس في الصف الثامن، متفوقة في مدرستها، تحبّ إلقاء الشعر وتجيده، الآن هي طريحة الفراش لا تقوى حتى على الكلام.

تحكي أم رغد عنها ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول: “رغد كانت إيدي ورجلي في الدار، لديّ ثلاثة بنات جامعيات، والصغرى (10 سنوات) لا أعتمد عليها كثيرًا، بنتي رغد كانت (عمود الدار)، أعتمد عليها في كل شيء قبل الحرب وأثناءها”.

تحتاج شادية وبناتها إلى دعم نفسي بعد كل الذي عايشنه، أما رغد فهي بحاجة إضافة لذلك إلى عمليةٍ خطيرة في ظهرها، وأخرى في الرئتين لإزالة دمٍ متجمّد.

تمتلئ عينا غدير (20 عامًا) شقيقة رغد بالدموع، وهي تنظر لأختها بحزنٍ وتروي: “كانت حياتنا بسيطة وجميلة، عائلة مترابطة، إحنا خمس بنات وشب، يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023م، كان نزوحنا الأول على محل والدتي، فهي تعمل كوافير، ولشدّة الاستهدافات نزحنا يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 2023م إلى رفح، وعدنا لمنزلنا بعد شهرين، يوم 22 يوليو/تموز 2024م، اشتدّ القصف حولنا، وتم استهدافنا وأصيبت أمي وأختي”.

تتابع: “بعد استهداف بيتنا، مشينا على رجلينا من الساعة 7 الصبح حتى 4 العصر من بيتنا لخيمة في مواصي خانيونس كان فيها كل أهل والدتي، وانضممنا لهم، عبء جديد في ظل وضعٍ اقتصاديٍ صعب”.

تكمل أم رغد: “هُدم منزلنا بالكامل رغم أنني بنيته بعد عناءٍ وقروض متراكمة، حتى محل الكوافير الخاص بي تدمّر، ولا مجال للعمل بعد ذلك، حالنا كغيرنا تسترنا الأبواب والحيطان، لكن كلّه معوّض بس ترجع صحة رغد زي ما كانت، أنا على أعصابي، خطورة الإصابة تخيفني”.

الأوضاع الاقتصادية التي أرهقت المواطنين في الحرب بسبب الغلاء الفاحش، تبدو أصعب بالنسبة لذوي المصابين، رغد مثلًا تحتاج يوميًا إلى بامبرز سعر القطعة الواحدة أربعة شواقل، وعلاج للتنفس يتكلّف (15) شيقلًا يوميًا، إضافة إلى الغذاء الذي يحتوي على الكالسيوم، والتغذية الجيدة وهذا لا تستطيعه أم رغد.

علي الفرا (16 عامًا) شقيق رغد هو سند العائلة الوحيد، اضطر خلال الحرب للانخراط في سوق العمل، ليوفّر للعائلة بعض الاحتياجات، فافتتح بسطة للبيع، يقول: “أنا سندهم الوحيد ولا إخوة ذكور عندهم غيري، أحاول قدر الإمكان تلبية احتياجات العائلة، أريد أن أرى ابتسامة رغد مجددًا”.

كانت رغد سند العائلة التي تسدّ مكان شقيقها في الوقوف بطوابير المياه والتكيات والخبز، لكنها الآن طريحة الفراش، تقول والدتها: “أصعب لحظة لما تفوت رغد غرفة العناية المركزة، بعد قطع النفس بسمع صوتها وهي بتتوجع وقلبي بوجعني معها”.

نبّه الطبيب العائلة إلى عدم تحريك رغد مطلقًا بسبب كسور فقرتين بالعمود الفقري، وحاجتها لعملية معقّدة، لكن إدارة المستشفى ستكون مضطرة لإخراجها حتى وصول طاقم طبي وبلاتين للظهر.

وما زالت رغد بحاجة إلى فرشة طبية وسرير خاص، والاجتهاد من أجل منع وصول البكتيريا أو تعرض إصابتها للالتهاب.

تعيش أخوات رغد حاليًا في خيمةٍ تفتقد للظروف الإنسانية والخصوصية، يناموا على بطاطين لعدم توفّر الفرشات، وتحكي شقيقتها غدير إن كل ما يشغلهم حاليًا هو سلامة أختهم، خاصة في ظل غياب والدتهم التي تحتاج إلى مبلغ كبير من المال للتنقّل ما بين المستشفى والخيمة وهو ما لا تستطيعه فتضطر للبقاء هناك.

وتنص اتفاقية جنيف الرابعة، على حماية خاصة للمرضى والأطفال، كما أكدت في المادة (89) من الاتفاقية ضرورة صرف أغذية للحوامل والأطفال دون سن 15 عامًا تتناسب مع احتياجاتهم،

كما تنص المادة (24) من اتفاقية حقوق الطفل على حق الطفل في التمتّع بأعلى مستوى صحة يمكن بلوغه، وأن تبذل الدول جهودًا لضمان ذلك.

أكثر ما يقلق والدة رغد حركة بالخطأ تصيبها بالشلل في ظل انعدام فرص العلاج وفي ظل شُحّ أنواع البلاتين لمثلِ تلك الإصابات.

باتت رغد تعاني ألمًا مضاعفًا بسبب تأجيل عملية الظهر وتغيير “خراطيم” الدم يوميًا، وانقطاع النفس المتواصل ودخولها غرفة العناية المشددة وخشية أهلها من تحريكها، في ظل قلة الإمكانات الطبية هي بحاجة لعملية عاجلة تعيد لها عافيتها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى