ضعف ظهور الأكاديميات في المقابلات الصحفية.. من المسؤول؟
غزة/ بقلم مرح الوادية
قليلة هي المرات التي خرجت فيها عالمة الفيزياء أ.د هالة الخزندار على وسائل الإعلام سواء المحلية أو العربية، رغم أن لها اسم لامع في مجال تخصصها، على مستوى الجامعات الفلسطينية سيما وأنها حاصلة على عدد من الجوائز الدولية، وبإجراء بحث عبر محرك البحث جوجل، عن اسمها، لم نجد سوى القليل من المواد الإعلامية المنشورة التي تضمنت مقابلات صحفية معها، وهو ما يؤكد أن الأكاديميات مهما بلغن من تفوق وتميز في مجال تخصصهن، يبقين أسيرات لجامعات تضعهن دوماً في الصف الثاني ليبقى الأكاديمي الرجل هو الذي يتبوأ الظهور عبر وسائل الإعلام.
وتصف الخزندار تجربتها مع وسائل الإعلام بالبسيطة، وهي فرصة لم تحظ بها سوى بعد أن حصلت على مشروع اشترطت الجهة الممولة له أن يتم نشره عبر وسائل الإعلام ما دفعها للتواصل والحديث عبر الإعلام عن هذا المشروع.
وتعزو الخزندار ضعف ظهور الأكاديميات على وسائل الإعلام لعدة أسباب قد يكون أهمها تراجع الاهتمام من وسائل الإعلام المحلية بالمواضيع ذات البعد العلمي أو الأكاديمي في ظل انشغالها بموضوعات تتعلق بالأحداث اليومية كالحصار والعدوان والفقر والبطالة.
تزيد:” كما أن الجامعات لا توفر الدعم الكافي للأكاديمية ما يؤهلها للحديث عبر وسائل الإعلام، ما يجعل خبرتها قليلة في التعامل مع الإعلام، وهو ربما ما يدفع الأخيرة للعزوف عن استضافة الأكاديميات”.
وترى الخزندار أن بعض الأكاديميات ربما لا يقدرن على صياغة مواضيعهن البحثية بطرق بسيطة تسهل فهمها من قبل الجمهور، بالإضافة أن الجامعات لا تروج لنجاح الاكاديميات أو تعلن عن انجازاتهن بالشكل الذي يعزز تواجدهن عبر وسائل الإعلام. وتؤكد الخزندار أن إدارة الجامعات تلعب دور كبير في غياب الأكاديميات عن وسائل الإعلام، من حيث عدم قدرتها على التشبيك مع وسائل الإعلام المختلفة، وحصر المقابلات الصحفية بعدد محدد من المتحدثين.
ولا تجد الخزندار أنها قادرة على تحديد نسبة ظهورها عبر وسائل الإعلام في مجال تخصصها مقارنة بنظرائها من الأكاديميين، رغم تأكيدها أن ظهورها ضعيف في وسائل الأعلام.
وتعدد الخزندار عدة أسباب قد تؤثر على التواصل ما بين الجامعات ووسائل الإعلام، وبالتالي تنعكس على ظهور الأكاديميات فيها، قد يكون أهمها السياسات الجامعية فيما يتعلق بالتواصل مع وسائل الإعلام، وافتقار الجامعات لبرامج دعم وتدريب تساعد الأكاديميات على تعزيز مهارات التواصل مع وسائل الإعلام، وكيفية التحدث أمام الكاميرات أو اجراء حديث اعلامي، أو كتابة مقالات صحفية ما من شأنه أن يعزز ظهورهن في الإعلام. وتضيف:” ربما يكون الاهتمام الأكبر بالتدريس والبحث والنشر الأكاديمي وفقاً لمعايير الجامعة، ما يمكن أن يجعل بعض الأكاديميات يعتبرن التواصل مع وسائل الإعلام أمرًا ثانويًا.
وترى الخزندار أن بعض الأسباب قد تعود للأكاديمية نفسها، سيما إذ كانت لديها التزامات مختلفة، تجعلها غير قادرة على إيجاد وقت للرد على وسائل الإعلام ما يعكس صورة يمكن أن يتم تعميمها بين الصحفيين ووسائل الإعلام، لكن الخزندار تؤكد أن اعتذار أكاديمية عن لقاء صحفي، لا يعني تعميم النتيجة على كل الأكاديميات، سيما وأن أكاديميين أيضاً يمكن أن يعتذروا لوسيلة إعلامية.
في السياق ذاته تؤكد د. أماني القرم باحثة ومحللة سياسية أن الإعلام مرآة المجتمع وتناقضاته المختلفة، الذي تسيطر عليه ثقافات تقليدية مشبعة بالمفهوم الذكوري الذي يحدد دور المرأة ويحصره بعلوم محددة وبسيطة، بالإضافة إلى مسألة عدم الثقة بالمرأة.
وتتساءل: “هل الوسيلة الإعلامية مستعدة لاستضافة أكاديمية بمجال محدد وتقتنع بكلامها وتجرؤ على استضافتها أم أنها تستسهل استضافة الأكاديمي لكونه الأكثر قبولاً مجتمعياً!”.
تضيف:” كما أن الواقع السياسي والثقافة الحزبية تنعكس بشكل كبير على ظهور المرأة المتخصصة في أي مجال كان عبر وسائل الإعلام، حتى أن كل محاولات الادعاء بحرص هذه الحكومة أو تلك على وجود المرأة في مراكز صنع القرار، تذهب أدراج الرياح عندما يتعلق الأمر بتعيين ناطق إعلامي فسرعان ما يختارون رجل.
ولكونها متخصصة في السياسة الأمريكية تجاه القوى الإقليمية بالشرق الأوسط، تجد القرم في بعض الأوقات مكان لها على وسائل الإعلام للحديث في مجال تخصصها، لكن هذا الظهور مقترن بإعلاميين يعرفونها جيداً، ويدركون قدرتها على الحديث في هذا الموضوع تحديداً، لكن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام تستضيف آخرين ممن يروجون أنفسهم رغم أنهم لا يملكون خبرتها ولا قدرتها على الحديث في هذا الملف تحديداً.
تكتب القرم مقالات متخصصة في الشأن السياسي، في صحف محلية ودولية ولها أبحاث منشورة باللغتين العربية والإنجليزية، لكن هذا كله لم يمهد لها الطريق للظهور عبر وسائل الإعلام، إلا في إطار محدود، ضمن دوائر محددة، فالوجوه التي تظهر على وسائل الإعلام قلما تتغير”.
وعلى العكس من الخزندار لا ترى القرم أن الجامعات يمكن أن تتحمل أي مسؤولية اتجاه الأكاديميات فيما يتعلق بالظهور على وسائل الإعلام، وترى أن الأمر لا يقتصر على فلسطين أو قطاع غزة تحديداً، وهو ما لمسته من خلال متابعة القنوات العربية.
وترى القرم أن بعض الأكاديميات يحصرن أنفسهن بالعمل الأكاديمي، لكن التغيير منوط أيضاً بالإعلاميات اللواتي يتوجب عليهن التركيز على استضافة أكاديميات متخصصات في تقاريرهن وبرامجهن، وعدم الانجرار وراء المفاهيم النمطية المتعلقة بالمرأة ودورها في المجتمع.
“يجب أن نتوقف عن أن نكون أسرى للموروث النمطي بأن المرأة “حصلت على حقها في المجتمع” بل هناك قصور في المساواة بين الجنسين في أمور معينة تبقي المرأة أسيرة للثقافة النمطية، ما يتطلب من الأكاديميات أنفسهن وضع استراتيجيات لتسويق أنفسهن إعلامياً” تختم.
وفي محاولة للتعرف على أسباب ابتعاد الصحفيين عن استضافة أكاديميات متخصصات يقول مراسل التلفزيون العربي في قطاع غزة عبد الله مقداد إن ضعف ظهور الأكاديميات يندرج تحت أمرين؛ الأول يعود لتغييب الأكاديميات لأنفسهن بالدرجة الأولى، لأسباب مختلفة منها الانشغال المهني وعدم إمكانية التفرغ بعد فترة الدوام بسبب الظروف الأسرية وبالتالي عند البحث عن أي شخصية أكاديمية مختصة للحديث في موضوع ما غالبًا ما نواجه صعوبة وسرعان ما نسمع كلمة “أعتذر”.
ويضيف “لا أظن أن الأكاديميات يسوّقن لخبراتهن مثل الأكاديميين الذين يطرحون أنفسهم سواء بمقاطع فيديو رقمية أو مشاركات محلية بصورة أكبر، فيوزعون أوقاتهم ليكونوا متاحين أكثر”.
ووفق تجربته، يؤكد عبد الله أن صعوبات واجهته في الحصول على متحدثات للظهور معه، مشيرًا “ربما يحتاج الأمر إلى حاضنة لإبراز الكفاءات من الأكاديميات أو أن تتبنى المنظمات والمؤسسات الأهلية مهمة تعزيز ظهورهن اعلاميا”.
في حين ترى شروق شاهين مراسلة تلفزيون سوريا أن السبب يعود ربما لغياب الثقة من قبل وسائل الإعلام بالأكاديميات، وهوما يعلل عدم استقطابهن للحديث، وعدم خوض غمار التجربة، والتوجه مباشرة لأكاديميين معروفين لدى وسائل الإعلام، بذريعة أن الأكاديميات اللواتي لم يسبق لهن الحديث لوسائل الإعلام لا يمتلكن دراية واسعة بالمجال وليس لديهن المهارات المطلوبة، إلى جانب تحملهن مسؤوليات عائلية تزيد من انشغالاتهن.
وتضع شاهين اللوم على بعض الأكاديميات أنفسهن سيما أنهن لا يمتلكن الجرأة على الظهور عبر وسائل الإعلام رغم كفاءتهن العالية وخبرتهن الممتازة، وهو ما تفسره بأنه نوع من الخوف والارتباك أمام الكاميرات” فيصبحن غير معروفات للوسط الإعلامي الذي يستسهل الحصول على مقابلات من الأكاديميين الذين لا يمانعون الظهور.
ورغم أن شاهين تحرص في تقاريرها الصحفية على الدمج لإضفاء نوع من التنوع وإعطاء الأكاديميات مساحة في هذه التقارير للاستفادة من الخبرة التي يتمتعن بها، “إلا أنني غالبًا ما أصطدم بالرفض أو الاعتذار، وهو ما يتطلب العمل في أكثر من اتجاه لتغيير الصورة النمطية، وتشجيع الأكاديميات المتخصصات على طرح أنفسهن للحديث إعلامياً في مجالاتهن المختلفة” تختم.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع ضمن أنشطة مشروع “تشجيع التدخلات الرامية إلى تعزيز حقوق المرأة في قطاع غزة”، الذي ينفذه (CDMC) للعام الثالث على التوالي بالشراكة مع مؤسسة “هينرش بل الألمانية”.