“ندى” وقصة حب افتراضي دفعت ثمنه مرتين
غزة/ بقلم عزة أبو زايد
قبل أربع سنوات، حين كانت طالبة في المدرسة، لم تدرك “ندى” إن ذئبًا بشريًا يتربص بقلبها وينسج لها شِباكًا حول حلم الفستان الأبيض، ما إن ظنّت إنه قاب قوسين، حتى كشّر الذئب عن أنيابه وبدأت جولة الابتزاز الالكتروني التي قضت على مستقبلها وما زالت تعاني بسببها حتى الآن.
في تفاصيل رواية “ندى” التي بلغت الآن 19 عامًا وما زالت حبيسة البيت، فإنها كانت كما غيرها من الفتيات تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وتسرد على الصفحات يومياتها وتنشر ما يجول بخاطرها.
“ندى” هي فتاة لعائلة ميسورة الحال، تعيش في بيتٍ جميلٍ وعائلةٍ طيبةٍ لوالدين يبذلان كل الجهد لراحة أبنائهم، وهي آخر العنقود لثلاثة إخوة بينهم ذكر واحد.
تقول “ندى”: “حياتي كانت عادية، أستيقظ صباحًا وأفطر مع والدي أنا وإخوتي ثم أذهب إلى المدرسة وأعود للدراسة والتسلية قليلًا على شبكات التواصل الاجتماعي”.
ذات يوم أرسل شاب لها إضافة على الفيسبوك، قبِلته كونه يضع صورة ممثل تركي شهير تحبّه، عاشت الفتاة خارج الواقع مع صديقٍ افتراضي وقد كان مستمعًا جيدًا يجيد الإطراء على رأيها بينما كثيرًا ما سمعت كلمة “اسكتي بلاش تفاهة شو فهّمك”، عندما كانت تبدي رأيها في شيء ويبدو أن هذه النقطة تحديدًا كانت مدخل الصديق الوهمي لتثق به.
تكمل “ندى”: “بعد شهرين من المحادثات الطويلة، أفصح هذا الصديق الوهمي عن شخصيته، هو جارنا ويعرفنا، وقدّم نفسه على أنه الإنسان المخلص الودود ولصغر سنّي حينها كنت منبهرة به وهنا بدأ ينسج شباك الحبّ، صدّقته خاصة مع فارق العمر بيننا، فهو يبلغ 25 عامًا وحلمت بالفستان الأبيض والبيت الجميل”.
تغيّرت طباع “ندى”، وأمست تسهر طويلًا على مواقع التواصل الاجتماعي في الحديث مع هذا الشخص الذي وثقت به، كونه منحها الثقة بالنفس، بدأت بإهمال دراستها كونها موعودة بالزفاف ولم تعد تحب المدرسة، حتى تراجع مستواها الدراسي بشكلٍ ملحوظ.
تعلّقت ندى أكثر بالعريس الوهمي، الذي كان يضمر لها مكيدة سوف تقلب حياتها تمامًا، فهي لم تكن تقوى على عدم الحديث معه ولم ترفض له طلبًا.
تروي بحزن: “فوجئت به يرسل لي صورًا وفيديوهات لي وأنا في غرفة نومي وهدد بإرسال هذه الصور إلى والدي إن لم أستجب لمطالبه”.
توتّر صوتها وبدت وكأنها تمسح تعرّقًا على جبينها وهي تتابع: “كنت أثق به وأرسلت له صورًا، لكنه كان يعدني بأنه سيحذفها بعد رؤيتها، الصدمة أنه يحتفظ بها وطلب مبلغًا من المال مقابل حذفها، صُدمت، فمن أين لي المبلغ الذي يطلبه”.
لم تستطع “ندى” النوم في تلك الليلة وكأن الوسادة تحوّلت إلى صخرة، البكاء أنهكها وليس أمامها سوى ثلاثة أيام هي المهلة التي منحها إياها ذلك الذئب، كان والدها باع حديثًا قطعة أرض والجار يعلم أن لديهم في البيت مبلغًا كبيرًا، لهذا أصرّ على أن تحضر له 10 آلاف دولار.
عضّت شفتيها وهي تكمل: “اضطررت للاستجابة خوفًا من فضحي أمام أبي، أما الجار فقد اشترى بالمال سيارة وسط استغراب الجيران فهو مُعدم الحال، تخرّج حديثًا من الجامعة بعد سنواتٍ من الفشل، ثم حظرني من جميع حساباته بمجرد حصوله على مال أبي وهنا صدمةٌ أخرى”.
تضيف: “عشت أيامًا من الرعب وعدم النوم والانهيار النفسي، بانتظار اكتشاف السرقة ومجرد أن تنبّه أبي إلى فقدانه مبلغًا كبيرًا، أبلغ الشرطة، رأيتهم في البيت يحققون ويجمعون أدلة، المشهد كان مخيفًا، أصبت بالانهيار واعترفت فورًا بما حدث”.
تم اعتقال الشاب المخادع وباع أهله السيارة وردّوا المبلغ لأبيها، أما هي فقد حُرمت من دراستها حتى الآن، وفقدت الدلال الذي كانت تتمتع به وبقيت إلى جانب أمها في البيت تقوم على رعاية العائلة وما زالت تتجرع الألم والحسرة وهي تشاهد من كنَّ زميلاتها في المدرسة الآن يلتحقن بالجامعة، يتحدثن معها للاطمئنان عليها بين فترة وأخرى، بينما هي التي كبرت ونضجت ووعت لما حدث ما زالت تدفع ثمن جريمة ابتزاز الكتروني تعرضت له ذات يوم.
وتتفشى ظاهرة الابتزاز الالكتروني للنساء بمختلف أعمارهن تحديداً المراهقات في ظل غياب الرقابة الأبوية على الصغار وانعدام الوعي الجمعي حول مخاطر الشبكة العنكبوتية والعلاقات على مواقع التواصل الاجتماعي ويقابل ذلك خوف معظم النساء اللواتي يتعرضن للابتزاز المالي والتحرش من الفضيحة المجتمعية وجلب العار للعائلة مما يتسبب بمزيد من ضحايا الابتزاز والتحرش.
وفقاً للمادة “14” من القانون الفلسطيني رقم “10” لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية فأن من استعان بالشبكة الالكترونية أو إحدى وسائل التكنولوجيا كوسيلة للاحتيال وأتخذ أسم كاذب أو أنتحل صفة غير صحيحة لخداع المجني عليه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة مالية لا تقل عن 1000 دينار أردني ولا تزيد عن 3000 دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المحلية.
وتنص المادة “15” من نفس القانون أن كل من استعمل الشبكة الالكترونية أو احدى وسائل تكنولوجيا المعلومات في تهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع عنه ولو كان هذا الفعل مشروعاً يعاقب بالحبس أو بالغرامة المالية كحد أقصى 2000 دينار أردني، أما إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشه للشرف أو الاعتبار فيعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو غرامة مالية كحد أقصى 3000 دينار أردني.
وفي ظل الانقسام الفلسطيني فأن قطاع غزة لا يطبق فيه قانون الجرائم الالكترونية الساري بالضفة الغربية ، ما يطبق بغزة فقط هو قانون العقوبات لعام “1936” والمحدث منه لتنظيم العمل وليس للجرائم الالكترونية، ويتم التعامل مع القضايا بحسب ما تتطلبه الحالات.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.