يدُ (جنى) بترها صاروخ.. وحلمها أيضًا
يدُ (جنى) بترها صاروخ.. وحلمها أيضًا
غزة – هيا بشبش
“ضحكات، أحاديث هنا وهناك، فناجين الشاي مع قطع البسكويت، أطفالٌ نلعب، كان البيت يعمّ بالصخب والبهجة، وفجأة؛ غيّر صاروخ إسرائيلي كل هذا، وانقلبت حياتي بعده!”.
بهذه الكلمات تحدّثت جنى أبو النجا (13 عامًا) عمّا حدث معها، الطفلة التي ترقد في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لتلقّي العلاج إثر بترٍ أصاب يدها اليسرى، هي من سكّان ذات المدينة التي أعلنها الاحتلال ضمن ما سماها “المنطقة الآمنة”، حين أجبر مئات آلاف المدنيين من سكان شمال قطاع غزة على النزوح إلى جنوبه يوم 13 أكتوبر 2023م.
تعدّل الطفلة رباط يدها وتحاول السيطرة على ألمِها وهي تروي: “يوم 17 فبراير ذهبت وأمي إلى بيت عمي نحمل معنا فرش العجين (صينية كبيرة تُرصُّ عليها أقراص العجين تمهيدًا لخبزِها) لخبزِها على فرن الحطب (فرن مصنوع من الطين يُوقد بالحطب).
بعدما انتهت جنى وأمها من الخبز وضعوه في البيت، وأسرعتا بالذهاب إلى بيت جدّها، جلس الجميع في صالون البيت مع خالتها وأخوالهم وأطفالهم، بينما جلست ابنة خال جنى إلى جوارها، يتحدثون ويشربون الشاي مع قطع البسكويت، وفجأة عمّ الصمت المكان!
شقّت ابتسامة حزينة وجه جنى الطفولي وهي تنظر في الهاتف النقّال إلى صور رسومات سابقة لها، كونها موهوبة بالرسم، ووسط شعورها بالقلق إزاء احتمال قدرتها على العودة للرسم مجددًا، نظرت إلى النافذة وهي تقول: “مثل هذا الوقت قبل العصر بقليل، عمّ الصمت والظلام البيت”.
استدارت بصعوبة وتابعت: “تم قصف بيت الجيران الملاصق لبيت جدّي، خاصة الصالون الذي نجلس فيه، انتشلني أحدهم من بين الركام، لم أركّز جيدًا في مَن حولي، نظرت إلى يدي، وجدتها مقطّعة ولكنها متصلة بذراعي بقليل من الجلد وأنا أصرخ من الألم، وصلنا مستشفى شهداء الأقصى ما بين شهيد ومصاب، من بين الشهداء خالتي وابنة خالي التي كانت تجلس بجواري”.
جنى هي الحالة الأصعب من بين الإصابات كما أوضح خالها المرافق لها في المستشفى، ليواصل الحديث: “مجموعة من الأطفال كانوا مرافقين لجنى في ذلك اليوم، عددٌ منهم استشهد وآخرون أصيبوا بجراح خطيرة”.
ما جرى مع جنى والأطفال يتناقض مع ما نصّت عليه اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكليها الإضافيين، والتي تمثل أساس القانون الدولي لحماية المدنيين وخاصة الأطفال، فقد نصّت أنه على أطراف النزاع اتخاذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون سن الخامسة عشر وحمايتهم من العنف ومن مظاهر النزاع القائم بين الطرفين.
أسندت جنى رأسها بيدها السليمة ونظرت للأخرى وشدّت رباطها، أخفتها بالغطاء وأوضحت أنها الابنة الوحيدة لوالديها بالإضافة إلى شقيقها التوأم، وبأنهما نتاج عملية زراعة في رحم أمِها بعد عناء طويل، والدتها المصابة كانت ترد في السرير المجاور لها، وغادرت بعد تماثلها للشفاء.
تواصل جنى:” في اليوم الأول في المستشفى لم يبتر الأطباء يدي، أبقوها على أمل نجاتها، ولكن كل الأعصاب مقطوعة بالإضافة إلى الشرايين والأوردة، في اليوم الثاني للإصابة ليلًا قرر الأطباء بتر يدي، وبعد التخدير قام الأطباء بإجراء العملية ليدي وبُتِرت لأفقدها للأبد”.
عندما تندلع الحرب يصبح الأطفال الحلقة الأضعف فيها، يقعون في مرمى مخاطر لا حصر لها، ويُحرمون من أجمل سنوات عمرهم، تمامًا كما حدث مع جنى.
ورقةٌ بيضاء ومجموعة من الألوان وريشة للرسم جميعها كانت جزءًا من هواية الرسم التي حُرمت منها جنى، لكنها تصرّ على أنها ستعود – ذات يوم- لهوايتها بعد تماثلها للشفاء، وستعود إلى مقاعد الدراسة بعد انتهاء الحرب، ولن تُحرم من هوايتها بسبب الإصابة فهي أقوى مما توقعت، لكنها تأمل أن يتم تركيب طرفٌ صناعي لها، عوضًا من يدها التي فقدتها.