زواج “الوحدة بوحدة” دمر بيت “حنين”

غزة/ بقلم: رغدة ماضي

بتنهيدة حزينة ووجه شاحب، بدا وكأن الابتسامة لم تزره يومًا، تروي “حنين” كيف كانت تعيش حياةً زوجيةً هادئة وكيف تعرضت للطلاق في لحظات.!

تقول “حنين” (أم لثلاثة أطفال): “عشر سنوات مرت على زواجي ولم يصادف أن تشاجرنا أو واجهنا مشاكل كبيرة توصلنا إلى نقطة النهاية واصلتها دون أي ذنب أو حتى عقوق زوجية ورغم كل الحب العميق الذي ربط قلبي بقلب زوجي دون افتراق، ها أنا مطلّقة في بيت أهلي منذ شهور، فقدت معنى الحياة، وحُرم أطفالي من الأمان والاستقرار، كل هذا بسبب زواج البدل”.

زواج البدل أو زواج “الوحدة بوحدة”، يعني تزويج فتاة من شاب بالمقابل تزويج شقيقة هذا الشاب من شقيق الفتاة الأولى.

ورغم أن هذا الزواج كان شائعًا في فترات سابقة، لكنه قد يحدث الآن صدفة كما حدث مع “حنين”، التي تزوجت بشكلٍ عادي وعاشت حياة مستقرة إلى أن أُعجب شقيقها بشقيقة زوجها، تزوجا لاحقًا وأصبحتا في حكم زواج البدل.

تروي “حنين” قصتها: “اخترت الزواج بدلًا من إكمال دراستي الجامعية، ظنًا منّي أنني اخترت الرجل المناسب الذي سيسعدني ويعوضني وهربًا من ظروف الحياة القاسية في بيت أهلي”.

عاشت “حنين” مستقرة، إلى أن تزوج شقيقها من شقيقة زوجها ورغم أن زواجهم تم بعد علاقةٍ عاطفيةٍ قصيرة، لكنهما كانا كثيري المشاكل والخلافات ومع نشأة مشاكلهم بدأت آثار هذا “البدل” تظهر في حياة “حنين”.

تقول بحسرة: “خلال سنوات زواجي، حدثت بعض الخلافات العادية مع زوجي، لكن لم تصل إلى حدّ التجاوز والضرب والإهانة، فالحب بيننا قائم ولم يحدث أن تفرّقنا إلا بعد زواج شقيقته من شقيقي، فكلما غضبت أخته وعادت إلى بيت أهلها، يقوم زوجي أيضًا بإرسالي إلى بيت أهلي دون سبب، فقط لإرضاء أهله”.

في بداية ظهور الخلافات بين شقيق “حنين” وزوجته، لم يكن زوج حنين يهتم بالأمر ويعتبر أن لكل واحد منهما حياة خاصة، فلا دخل لواحدة بالأخرى ويفترض أن يكون هذا الوضع الطبيعي.

لكن، تعقّب “حنين”: “ما حدث بعد ذلك أنه كان في زيارةٍ ذات يوم إلى بيت أهله حيث كانت أخته غاضبة، عاد إلى البيت مشحونًا غاضبًا، بدأ يتأفف ولا يريد الحديث معي ولا حتى سماع صوتي وكل كلمة أتحدث بها يردّ بلسانٍ سليطٍ بغرض افتعال مشكلة، فضّلتُ الصمت، لكنه طوال الوقت كان يعيش تحريضًا من أهله، حاولت إقناعه بعدم الخلط لكن كان واضحًا أن الأمور تتدهور، كل محاولاتي لم تجدِ نفعًا”.

ظلّ الوضع على حاله، حتى طلبت منه ذات يوم زيارة أمها ومنعها ولم يكتف بذلك؛ بل انهال عليها بالضرب المبرح دون رحمةٍ لأول مرةٍ في عشر سنوات وقال لها أثناء ضربه “مش رح يرتاح بالي إلا لما أخوكي يرجّع أختي”.

وتابعت: “الأقسى أنه بات يهددني بالطلاق إذا لم ترجع أخته إلى بيتها وبعد فترة وجيزة بدأت الحياة تتبعثر أكثر وتفقد استقرارها وتمتلئ بالشوائب والمشاكل”.

خَفت صوتها وهي تكمل بتنهيدة ودموع: “بعد جهد كبير سمح لي بزيارة أهلي ولكن بعد تهديداتٍ وقائمة شروطٍ أولها أن أجد حلًا لمشكلة أخته مع أخي وإرجاعها إلى بيتها وثانيًا عدم نقل ما دار من خلافات بيننا إلى أهلي وأن أعبّر فقط عن سعادتي في بيت زوجي رغم وجود الخلافات”.

سكتت وتابعت: “صباح اليوم الثاني وخلال زيارتي لأهلي كانت الصدمة، أخي استيقظ ليخبر أمي نيته الذهاب إلى المحكمة لعمل إجراءات تطليق زوجته وهنا دقّ قلبي برعب، أنا الآن في مأزق، إن تطلقت هي سوف يكون الطلاق من نصيبي أيضًا دون أي سبب، عدت إلى بيتي ولم أخبر زوجي بما حدث وعشت معاناة عدم الشعور بالأمان، لعلمي أنني سأعيش فترة صعبة خلال أيام”.

ومع تنامي الأخبار لدى زوج “حنين” بنية طلاق شقيقته، اعتدى عليها بالضرب وأرسلها إلى بيت أهلها انتقامًا لشقيقته وبصوت متقطع ختمت: “انتهت حياتي فعليًا ووقع الطلاق وعائلتي رفضت استقبال أبنائي لأنها تعتقد أن والدهم أولى بالإنفاق عليهم، حُرمت حياتي الهادئة، وحرمت أبنائي فقط لأنني متزوجة زواج بدل”.

ويعاني المجتمع في قطاع غزة بسبب العادات والتقاليد البائدة والعصبية للعائلة من الجهل والتخلف الذي يسبب الهلاك للأُسر في نهاية المطاف ومأساة كبيرة للأطفال الذين يقعون ضحية للإشكاليات المرتبطة ببعضها البعض والتي تغذيها الكثير من العائلة النووية في قطاع غزة والتي تصبح فيها الإشكاليات الفردية مرتبطة بقرار عائلي وقرار عائلي جائر يدفع ثمنه الكثير من النساء الفلسطينيات وهو ما يفقدهن حقوقهن المشروعة بالقانون والشريعة.

ليس هناك ما يحكم في مثل هذه الحالات سوى القانون العائلي والمرجعية العائلية حتى لو كانت الاحكام مجحفة بحق النساء والأطفال وهذا بحاجة الى تكثيف الجهود لنشر الوعي الجمعي من خلال المؤسسات النسوية والحقوقية لنبذ العادات والتقاليد البائدة في المجتمع والتي تخالف القانون الوضعي والشرعي والإنساني.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى