زواج المغتصبة.. العقاب للضحية والهدية للجاني
غزة/ بقلم: هديل الغرباوي
كانت صامتة شاحبة الوجه تبكي كثيرًا وتتحدث قليلًا، بصعوبة استجمعت قواها لتبدأ حديثها لمركز الإعلام المجتمعي قائلة “اغتصبني وزوجوني له بالإكراه”، عادت الشابة التي بالكاد تجاوزت (18) عامًا للبكاء، وهي تروي ما حدث معها.
“قبل عام ونصف كنت في زيارة منزلية مع أمي لجيراننا، ادعى حينها ابنهم أن شقيقته تطلبني في الطابق السفلي، انطلت عليّ الخدعة ولم أكن أعلم أن الطابق السفلي فارغ”، تروي “حياة” قصتها التي أجبرتها لاحقاً على ترك مدرستها بعد ما حدث.
كفكفت دموعها وهي تستذكر كيف أغلق الباب بسرعة، وكمم فمها وهاجمهما بقوة، نزع ثيابها، واختلطت صرخاتها المكتومة مع ارتجافها من برد يناير، ولم تفلح محاولاتها للهرب، فأمام قوته العضلية كانت أضعف من قدرتها على دفعه بعيدًا، تكمل: “اغتصبني وفقدت عذريتي، ولم أتمكن من إخبار أحد، لكن انطويت على نفسي وأصبحت مكتئبة طوال الوقت”.
خمس شهور مرّت كالكابوس لكن الأسوأ قادم، تتابع:”اصطحبتني أختي إلى طبيبة نسائية بعد انقطاع الدورة الشهرية لخمس شهور وعلمت أنني حامل وعندما عدنا للبيت انهالوا عليّ بالضرب كأنني المذنبة، حاولت الانتحار عدة مرات وفشلت، أخذتني أمي إلى مؤسسة للحماية وبتدخّل من الشرطة المجتمعية تم تزويجي للجاني”.
كان زواجها من الجاني أسوأ ما حدث معها، على مدار عام ونصف تعيش معه فاقدة للرغبة في النظر إلى وجهه، مضطرة للبقاء من أجل طفلها الذي ولدته قيصريًا بسبب سوء حالتها الصحية أثناء الحمل وهي في كل لحظة تتمنى الموت للخلاص من هذا الزوج الذي تتلقى العلاج النفسي الآن بسبب ما فعله وبسبب وجودها معه تحت سقف واحد.
“حياة” ليست الحالة الوحيدة التي تتعرض للاغتصاب، وفقًا لإحصائية التي أجرتها جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل، بلغت عدد حالات الاغتصاب داخل قطاع غزة 13حالة خلال عام 2021، و205 محاولات اغتصاب.
“صابرين” حالة أخرى لا تختلف عن “حياة”، لكن الجاني هذه المرة هو ابن عمّها وأيضًا كسابقتها تم تزويجها للمجرم ومنحه الشابة الضحية كأنها هدية مجانية، بدلًا من عقابه لاقترافه أبشع جريمة يمكن ارتكبها في حق الانسانية.
تقول “صابرين” 19عامًا:” طلبني للزواج ورفضته، استغل فرصة غياب عائلتنا الذين ذهبوا إلى شاليه وبقيت وحدي في البيت من أجل الدراسة فأنا مسجلة بالفصل الصيفي في الجامعة، عاد إلى البيت مدعيًا أنه نسي شيئًا وهاجمني وشدني من شعري وضربني بعنف حتى فقدت وعيي”.
استيقظت الفتاة لتجد نفسها مغتصبة وفي حالة سيئة حيث أصيبت بتمزق أدى إلى نزيف شديد ومع عودة عائلتها تم نقلها إلى المستشفى وقد علم الجميع أنه هو الجاني.
تكمل بقهر: “تمنيت أن ما حدث معي كابوسًا، حياتي توقّفت عند هذه اللحظة ولم أعد مجددًا للجامعة، أعاني حالة نفسية سيئة وأنا على ذمته، لكن المخاتير الذين تدخلوا وجدوا أن الحل هو تزويجي له وليس معاقبته على جريمته”.
تتلقى “صابرين” حاليًا العلاج النفسي كما سابقتها “حياة” وهي بعد مرور عام على تزويجها من الجاني ما زالت تستعيد كل ذكريات جريمة الاغتصاب كلما رأته، هي لا تريد البقاء معه وعائلتها ترفض تطليقها خاصة كونه ابن عمها.
تقول د.”آيات أبو جياب” الأخصائية الاجتماعية لدى جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل، بعد الاعتداء الذي تتعرض له الضحية، يتم إجبارها على الزواج من الجاني، مع أن الجاني نفسه يكون رافضًا للزواج من الضحية.
ووفقًا “لأبو جياب”، فإن المغتصبة تكون منهكة فكريًا ومضطربة ومصدومة، تعاني من القلق والأرق والخيالات المخيفة وعازفة عن الحياة وتعيش مضطربة بعد تزويجها من الجاني كونه لم يكن خيارها بل هو معتدي أصلًا عليها.
وتكمل إنه بعد تبليغ المؤسسات أو الشرطة المجتمعية بجريمة الاغتصاب، يتم فحصها طبيًا ووضعها في بيت الأمان خشية تعرضن للقتل على يد عائلاتهن أو إخوتهن الذكور وتجبرها منظومة المجتمع على الزواج من الجاني.
وبسبب تزايد جرائم الاغتصاب في السنوات الأخيرة أصدر الرئيس الفلسطيني في العام 2018 قرارا بتعديل قانون العقوبات المعمول به في فلسطين والذي يقتضي بوقف اعفاء المغتصب من العقوبة في حال الزواج من الضحية وحرمان مرتكب جريمة الشرف من أي عقوبة مخففة لأي سبب كان، ووافقت الحكومة الفلسطينية على تعديل عدد من مواد قانون العقوبات رقم “16” لسنة 1960 بما يساهم في تعزيز حقوق المرأة وحماية الأُسرة.
وتمت إضافة فقرة خامسة على المادة “99” تنص على أن يستثنى من أحكام هذه المادة جرائم قتل النساء على خلفية شرف العائلة أو دواعي الشرف وإلغاء المادة “308” من قانون العقوبات بما ينسجم مع القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات الدولية التي انضمت لها دولة فلسطين.
وأكدت الحكومة الفلسطينية أن تعديل القانون يساهم في انصاف المرأة ويعزز من سيادة القانون ويجرم الجاني دون تخفيف العقوبة وهو ما يحفظ ويصون حقوق المرأة ضحية العنف الجنسي.
لكن المؤسف أن قطاع غزة لازال لا يطبق الإصلاحات القانونية الصادرة عن الحكومة في رام الله لأسباب الخلاف السياسي المتمثل بالانقسام الفلسطيني وانقسام مؤسسات السلطة التنفيذية والقضائية بالإضافة الى إشكالية تعطيل البرلمان الفلسطيني ونهاية ولايته وهو ما تسبب بتعطيل التشريع بشكل قانوني وفقاً للقانون الفلسطيني الأساس وأدى الى إشكالية عدم توحيد القانون الفلسطيني.
ويتطلب ذلك تكثيف جهود المؤسسات الحقوقية والنسوية في قطاع غزة للمطالبة بتطبيق الإصلاحات القانونية وعلى رأسها تطبيق قانون العقوبات ومنع تدخل لجان الإصلاح في قضايا العنف الجنسي بأي شكل من الاشكال لضمان حماية حقوق المرأة الضحية لمثل وتطبيق العقوبة على الجاني مهما كانت صفته وضمان تقنين انتشار مثل هذه الظاهرة في المجتمع الفلسطيني.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.