زواج الأرملة من شقيق زوجها هرباً من المحنة إلى المأزق
غزة/ بقلم: هيا بشبش
كان على “أحلام” أن تدفن قلبها في القبر الذي حفروه لزوجها وأن تلقي خلف ظهرها مرغمة ذكريات الحياة الأسرية المثالية التي عاشتها مع زوجها المتوفي وتذهب بلا خَياراتٍ للزواج بمن كانت تعتبره لسنوات بمثابة أخٍ لها.
“أحلام” هي سيدة توفي زوجها في حادث سيرٍ عندما كانت في منتصف الثلاثينيات من العمر وبعد أشهرٍ على وفاته تم تخييرها بين الزواج من شقيق زوجها “سلفها” أو خسارة أطفالها الخمسة.
حيث أن بعض العائلات في قطاع غزة تتبع العادة والتقليد في إرغام زوجة الأبن المتوفي لأخيه خصوصاً إذا كانت صغيرة في السن ولديها أطفال مازالوا بحاجة الى رعاية.
تواصل “أحلام” سرد قصتها: “ضاقت الدنيا في عيني حينما طلبوا مني قبول الزواج من شقيق زوجي المتوفي، الذي كنت أتعامل معه كأخ ليَ منذ سنوات طويلة وكيف أقبل بالعيش معه كزوجة الآن؟!، خاصة أنه متزوج ولديه أبناء وحين مارسوا عليَ الضغط وهددوني بالطرد من منزلي وحرماني من أطفالي بحجة أنهم أبناء العائلة، اضطررت للموافقة مرغمة وكانت هذه بداية معاناتي المستمرة حتى اليوم”.
وتنتشر في فلسطين ظاهرة إكراه الأرامل (اللاتي بلغت نسبتهنّ في فلسطين 6% وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2019) على الزواج من شقيق الزوج المتوفي ومهما طرحت من أسبابٍ للرفض يتم اجبارها على القبول والخضوع فقط لأن العادات والتقاليد هي القانون المجتمعي الذي يجب الالتزام به في نظر معظم العائلات وبحجة أن شقيق الأبن المتزوج المتوفي هو الأولى بتربية أبناء أخيه، إضافة إلى حجة الحفاظ على المال الذي تحصل عليه الأرملة على شكل مساعداتٍ لها ولأطفالها أو راتب المتوفي إن كان موظفًا، وهي ظاهرة باتت منتشرة تقضّ مضاجع الأرامل منذ اللحظات الأولى لوفاة الزوج.
تكمل أحلام التي بلغت الآن 46 عامًا: “لم أتخيل للحظة أنني سأتزوج سلفي “شقيق الزوج”، مأساة جديدة أضيفت إلى فقداني لزوجي، حاليًا أنا من أعيل الأسرة كلها ولقد أنجبت أربعة أطفال من زوجي الثاني وأعمل في تصنيع مواد التنظيف وبيعها ومن هذا المال يأخذ لزوجته الأولى فهو لا يعمل”.
يتعالى صراخ الأطفال وهم يلعبون في البيت المكوّن من غرفتين، أشارت إليهم “أحلام” وقالت: “كانتا تتسعان لي ولزوجي وأطفالي، حمل ثقيل الآن فالبيت لا يتسع لكل هذا العدد وبالإضافة الى ذلك كله أتعرض للمعاملة السيئة والتعنيف اللفظي من الزوجة الأولى التي توجه ليَ الشتائم باستمرار، ففي نظرها أنا خطفت زوجها وفي نظري أُكرهت على الزواج منه”.
“خياران أحلاهما مرّ”، هكذا تصف “مريم” “27 عامًا” من مدينة غزة زواجها من شقيق زوجها بعد استشهاد زوجها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2021 والذي خلّف أكثر من 250 شهيدة وشهيدًا وآلاف الجرحى.
تكمل “مريم”: “هددني أهل زوجي بحرماني من أبنائي، لم أعترض كثيرًا لأن شقيق زوجي “سلفي” غير متزوج، انتظرت العائلاتان انتهاء أشهر العدّة وأتموا الزواج سريعًا وكانت حجتهم أنني صغيرة والمجتمع لا يرحم”.
لدى “مريم” ثلاثة أطفال من زوجها المتوفي وهي حامل في طفلها الأول من شقيقه الزوج الحالي، لكنها إلى جانب معاناة الحمل الطبيعية تشتكي سوء معاملة الزوج الجديد.
توضح: “كان زوجي الأول طيب القلب ورقيق وعاطفي، أما شقيقه فهو عكسه تمامًا، عصبي ومزاجي وأحيانًا يضرب أبنائي بدعوى الحفاظ عليهم وتربيتهم وهذا هو الهدف من الزواج مني في نظره وما يمارسه من تعنيف لفظي وجسدي ينعكس سلبًا على نفسية أطفالي، فهو يعاملني أنا واطفالي بعنف شديد، لجأت لأهلي مرتين وفي كل مرة يعود معتذرًا وأضطر للعودة إليه”.
وكثيرًا ما يتردد النساء الأرامل اللاتي يُكرهن على الزواج من شقيق الزوج المتوفي إلى المؤسساتٍ النسويةٍ لطلب الدعم النفسي نتيجة ظروف التعامل مع الزوج الجديد.
تقول د. “آيات أبو جياب”، وهي معالجة أسرية في جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل: “هناك مجموعة من الأسباب (نفسية، اجتماعية، اقتصادية) تدفع الأرامل للموافقة على الزواج من شقيق المتوفي، أبرزها شعور بعضهن بالفراغ النفسي والعاطفي والخوف على مستقبل أبنائهن والنظرة الاجتماعية الدونية للأرملة وعجزها المالي، فيكون قرار الموافقة أسرع الحلول للحد من هذه الضغوطات”.
هذا الزواج أوجده المجتمع ضمن منظومة العادات والتقاليد، واعتبروه مهمةً اجتماعيةً لا تعتمد بالدرجة الأولى على رغبة المرأة والرجل؛ بل هدفها لم شمل العائلة وحفظ الأبناء من التشرد والضياع حسب وجهة نظرهم، توضح “أبو جياب” هذا النوع من الزواج لا يحكمه سن ولا مستوى تعليمي أو أي اشتراطات وحقوق زوجية، بل تحكمه درجة التقارب والتفاهم بين الزوجين ودرجة ما يتحقق من إشباع للحاجات لكلا الزوجين وهي عوامل مقياس النجاح أو الفشل لهذا الزواج.
وتوضح “أبو جياب” إن هذا النوع من الزواج تحدث فيه الكثير من تدخلات العائلة الممتدة، ففي الغالب يضع المجتمع هذه الزيجة تحت المجهر ومن هنا تنطلق أسباب المشكلات، خاصة إن لم يكن هناك تقارب وتفاهم بين الزوجين.
وتبقى المقارنة التلقائية بين الزوج الأول والثاني أبرز هذه المشكلات، خاصة إذا أنجبت السيدة أطفالًا من الثاني وهنا تحدث المقارنة بين المعاملة معها ومع الأبناء، لكن أكثر الزيجات معاناة هي التي تكون فيها الزوجات موظفات، خاصة إذا كان الزوج الجديد عاطل عن العمل أو غير قادر على تحمل المسؤوليات أو حين يستغل راتب الزوجة ويطالب به بحجة المسؤولية عن تربية أبناء أخيه المتوفي وبحجة الوصاية عليهم، وقد تدخل الكثير من النساء في حالة صدمة واضطرابات نفسية قد تؤدي إلى الانتحار، بهذه النتيجة الصادمة تختم أبو جياب الحديث.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.