“ندى” … فتاة تعاني من التعنيف المستمر ومن تدخل رجال الإصلاح

غزة/ بقلم هديل الغرباوي

“لا عدالة في حديثهم ولا حِكمة فيما يقولون، كيف أفهم أن تعنيفي جسدياً ولفظياً أمرٌ طبيعي في نظر رجال الإصلاح وأن من تريد الحفاظ على بيتها عليها أن تتحمل”، هذا ما يريدوه الأشخاص المعروف أسمهم بالمخاتير ورجال الاصلاح الذين يترددون على بيتنا منذ شهور”.

بهذه الكلمات بدأت الشابة “ندى” حديثها لمركز الإعلام المجتمعي، حيث تشكو ظلم زوجها الذي اضطرت بسببه للذهاب إلى بيت أهلها هرباً (حردانة) منذ عدة شهور، بينما يتدخّل رجال إصلاحٍ دفاعًا عن زوجها حاملين في جعبتهم الكثير من المبررات والحجج وتاركين جانبًا ما لحق بها من أذى نفسي بسبب التعنيف.

قبل ثلاث سنوات، توّجت “ندى” (اسم مستعار) قصة حبها باختيار شريك حياتها، لكن طارت فرحًا وهي تختار فستانها الأبيض وتنتقل من ظلّ الأب إلى عصمة الزوج، ولأن الحياة لا تجري دومًا بما تشاء القلوب، فإن ثلاث سنوات كانت كافية لتجد نفسها في بيت أهلها مجددًا ورجال الإصلاح يقرعون الباب لإعادتها، دون إيجاد الحلولٍ الجذرية لمعاناتها وضمان سلامتها.

كانت “ندى” تبلغ 18 عاماً عندما تزوجت من شابٍ تخرّج من كلية الهندسة ولضيق الحال في قطاع غزة الذي ترتفع فيه نسبة البطالة إلى 50% وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، اتجه للعمل في مخبز براتب (800) شيكل شهريًا.

توضح “ندى” بعد أن مسحت دموعها: “كان عليه أن ينفق من هذا الراتب على البيت ويدفع أيضًا الأقساط الشهرية لمكتب “تيسير الزواج”، الذي اضطر للجوء له من أجل إتمام كافة إجراءات زواجه مقابل التوقيع على تعهداتٍ وسندات دين منظم”.

وكي لا يتم الزج بشريك الحياة في السجن، فينتقل من القفص الذهبي إلى القفص الحديدي بسبب تراكم الديون عليه، قبِلت “ندى” بيع المصاغ الذي اشترته بمهرها.

تضع يدها على بطنها تتحسس حركة جنينها الذي أتم الشهر السابع وتكمل: “كان المصاغ يكفي لسداد بعض الديون، وليس لنفقات البيت ولا الفواتير اللازمة، عشت ضنك الحياة وعنفه على مدى عامين والأدهى حين أُغلق المخبز وأصبح زوجي بلا عمل، فأصبح شديد العصبية والصراخ والتذمر وكنت في بداية حملي بعد عامين من الزواج”.

آثرت “ندى” خلال المرحلة التي سبقت حملها الصمت، لكن لسوء الأوضاع عادت إلى بيت أبيها مرة تناشده بسدّ خانة العجر المالي لزوجها الذي أصبح يعنفها لفظياً وجسدياً كلما طلبت شيئًا.

تتابع: “الأقسى أنه وبدل البحث عن عمل غرق في أوهام الانستغرام والتيك توك، ظنًا منه أنه مصدر للمال والشهرة والأضواء، رغم أنه كان يقترض ثمن بطاقات شحن الانترنت”.

عندما طالبته “ندى” بالعودة عن سلوكه والاهتمام بالبيت، تشاجرا وضربها، شجّ رأسها وسحلها إلى الشارع، فما كان منها إلا اللجوء لبيت أبيها غاضبة أو (حردانة) وفقًا للفظ الدارج محليًا، وبدأت الجولات المكوكية لعدد من رجال الإصلاح.

“عيشي.. تحملي…كل البنات يضربن ويعشن…”، “هذه هي العبارات التي يرددها رجال الإصلاح الذين زاروا بيتنا على مدى الشهور الماضية لإرجاع الحردانة التي هي أنا”، تقول “ندى”.

“أليس رجال الإصلاح يكررون هذه المفردات مع كل قضية تصلهم لامرأة تذهب إلى بيت أهلها تشكو من تعنيف زوجها اللفظي والجسدي”، حيث تتساءل الشابة باستنكار.

ودرجت العادات والتقاليد الاجتماعية في فلسطين، أن السيدة التي تذهب إلى بيت أبيها غاضبة من سوء معاملة زوجها، يتدخل رجال الإصلاح ومخاتير لإعادتها لزوجها بعيداً عن تدخل القانون الوضعي، في ممارساتٍ اجتماعيةٍ غالبًا لا تكون في صالح المرأة التي كثيرًا ما تُجبر على العودة دون إصلاح واقعها أو حتى ضمانات على حياتها وعدم تعرضها للتعنيف.

تكمل “ندى”: “أنا (حردانة) في بيت أهلي منذ سبعة شهور بلا نفقة ولا مصروف، فقد آثر والدي الاستعانة برجال الإصلاح وتجنب طرق أبواب المحاكم، تجنبًا للمشقة ومحاولة لاحتواء المشكلة ودياً، لذا توافد على بيتنا الكثير من الجاهات ورجال الإصلاح والمخاتير”.

لكن الشابة تبدي غضبها الشديد إزاء طريقة “الطبطبة” التي يتعامل بها رجال الإصلاح عندما يتعلق الأمر بامرأة، حتى إنهم لم يأخذوا شكواها من كل ما حدث معها على محمل من الجد.

تقول “ندى”: “سخروا مني وألقوا اللوم عليّ عندما شكوت سوء معاملته وضربه وإهانته وإهماله، يبدو أن لديهم تصوّر سطحي عن معاناتنا، هم غالبًا يعتبرون المرأة نكرة وظيفتها هي الإنجاب وإعداد الطعام والتنظيف وتحمّل غضب الزوج”.

فهم، حسب رأيها، لا يبلغون جذور المشكلة، بل يتمسّكون بالقشور، هناك غياب للعدالة في طريقة معالجتهم للقضية، يميلون إلى طرف الرجل ويملون شروطه أيضًا ولديهم طريقة تفنيد لكل حق للمرأة.

توضّح: “حين تحدّثت عن مصاغي وحقي فيه وأنه لم يكن من حقه بيعه، أخبروني أن كل الزوجات يفعلن هذا، حتى زوجاتهم، إذ يتوجّب على الزوجة أن تساند زوجها في المِحن وعندما أخبرتهم عن سوء أطباعه وتعنيفه الجسدي واللفظي المتكرر لي، برروا أيضًا أن كل الزوجات يتم ضربهن فلا يجوز للمرأة أن تخرب بيتها بيدها لأن زوجها ضربها”.

رجال الإصلاح الذين دخلوا بيتهم وعوضًا عن إيجاد حلٍّ لمعاناتها، طالبوها بأن تتحمل وتتجمّل بالصبر كسائر النساء، حسب وصفهم.

وتتساءل باستنكار: “يريدون التحكيم لا بأس، لماذا لا يحكموا بالعدل، لماذا المرأة هي الطرف الأضعف في هذه المعادلة”.

“ندى” ما زالت في بيت أهلها يكبر الجنين في بطنها يومًا بعد يوم، يعلن قرب وصوله إلى الدنيا، بينما أمه تستعجل الوقت من أجل حلٍّ عادلٍ يضمن ما يحفظ كرامتها ويحميها من التعنيف والتعرض للضرب والاهانة.

ويعاني المجتمع الفلسطيني من كثير من الإشكاليات المتشابهة والتي تتسبب فيها العادات والتقاليد، التي تتغول على القانون الفلسطيني وقرارات المحاكم، في بعض الحالات التي تكرر فيها ممارسة التعنيف الجسدي ضد النساء أدت الى وقوع جريمة مجتمعية بحقهن ليصبحن ضحية للعادات والتقاليد المجتمعية، أيضاً هناك الكثير من الحالات انتهت بطلاق الزوجة دون حصولها على حقوقها الشرعية والإنسانية وحقوق اطفالها بل أن بعض النساء حرمن من أطفالهن أو أُجبرن على التنازل عن أطفالهن مقابل الحصول على الطلاق.

نحن بحاجة ماسة جداً لإقرار قانون حماية الاسرة من العنف ، وكذلك توحيد قوانين الزواج في فلسطين وتطويرة ليكون اكثر استجابة لتحقيق العدالة .

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى