فكّ يطحن حياة النساء اسمه “بيت العائلة”
رفح/ بقلم: محمد الكحلوت
“لا شيء أصعب من فقداني لخصوصيتي وتدخّل أفراد عائلة زوجي في كل كبيرة وصغيرة، حياتي مستباحة للجميع”، بهذه الكلمات تحدثت “علا” 35 عاماً واصفة تجربة زواجها في بيت العائلة.
يعتبر الزواج في بيت العائلة أمرٌ شائع في قطاع غزة وغالباً ما يكون بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة؛ التي تجعل الكثيرين غير قادرين على تأسيس بيتٍ مستقل، مما يضطرهم بالسكن في غرفة داخل منازل عائلاتهم وهو ما يجعل الزوجات يعانين فقدان الخصوصية وتدخّل أفراد عائلة الزوج في تفاصيل حياتهن، وينتج عن ذلك مشكلات لا تنتهي.
تقول “علا” لمركز الإعلام المجتمعي: “تزوجت في بيت عائلة زوجي بعد وعود من أهله بالانتقال مستقبلًا لشقة مستقلة وأن أواصل تعليمي ويحترموا حريتي الشخصية وخصوصيتي”.
كان القول الذي تسمعه “علا” على لسان أهل زوجها معسولاً مثل “لن تخدم سوى نفسها وزوجها ولن نحتاج شيئًا منها” والكثير من الوعود التي سمعتها فيما يخصُّ الحفاظ على خصوصيتها وحريتها الشخصية، لكنها وجدت نفسها مجبرة كما تروي على خدمة كل فردٍ في بيت أهل زوجها، بما فيها تنظيف الغرف والطهي والغسيل لخمسة أسر وهي مطالبة بتعويض سلفتها “زوجة شقيق زوجها” عن فترة خدمتها للعائلة.
تنهدت وأكملت: “عملٌ شاقّ يبدأ منذ الصباح حتى المساء، لا أستطيع اتخاذ أي قرار يخص حياتي الزوجية، حتى غرفة نومي مستباحة للجميع يدخلوها في أي لحظة وراتب زوجي يتسلّمه والده الذي يتحكّم في حياتنا، وحينما طالبت باستقلالٍ جزئي، مجرد فصل غرفة نومي مع مطبخ وحمام ساومني والده على بيع مصاغي “ذهبي””.
الأدهى، حين تم طرد زوجها من عمله وسجنه بسبب قضية اختلاس والإدمان بعد خروجه من السجن، أصبحت تتعرض للعنف الجسدي ليس فقط من زوجها وأبيه، بل حتى عماته، لدرجة طردهن والدتها عندما حضرت لزيارتها بعد الولادة ولم تملك “عُلا” في حينه سوى البكاء.
تجربة شاقّة أخرى تعيشها “سوسن” 31 عاماً والتي تزوجت عام 2017، وقتها تردد أهلها في الموافقة لمّا سمعوا أنه مريض نفسي، لكن لم يؤكد أحد ذلك ولم تخبرهم والدته التي حضرت لخطبتها.
تقول “سوسن”: “لم أكن واعية بالمعاناة الناتجة عن العيش في بيت عائلة الزوج، خاصة مع تطمينات عائلة زوجي، بعد مدةٍ قصيرةٍ من زواجي حضر زوجي ليلًا وانهال عليّ بالضرب، أصبت في رقبتي واستنجدت بأمه مهددة بالذهاب إلى أهلي، لكنها هدّأتني وأعطتني قرص دواء أتناوله فنمت واكتشفت لاحقًا أنه علاج المرض النفسي الذي يتناوله”.
لم يكن لدى زوجها مصدر دخل فهو لا يعمل، ما جعل حجم التدخلات في شؤونها كبير جدًا، وبدأت أعراض المرض النفسي تظهر عليه ومعه عنفه ضدها ولما اشتكت لوالدته أجابتها “أعطيه سيجارة يروق”، وسلمتها حماتها ملف الطب النفسي الخاص به، وهنا أدركت الشابة أنها تعرضت للخديعة.
تتابع: “كنت أعتقد أن حياتي الخاصة ملكًا لي، وصُدمت عندما عرفت أن أدق تفاصيل حياتي مكشوفة لهم، حتى زوج ابنتهم وغيره من المطّلعين على حالة زوجي، شعور مؤلم ومحرج كيف أكون عارية التفاصيل أمامهم إلى هذا الحد!”.
الأصعب أنها تتعرض للتحرش الجنسي الدائم من شقيق زوجها ووالده الذي يهددها بالطرد من البيت والحرمان من طفلتها في حال اشتكت، بل وتهديدها بتعريضها للإجهاض إن حمِلت ومع ذلك كلما ذهبت لأهلها غاضبة تخاف إخبارهم بما يحدث لها.
تقول المحامية نعمة البحيري من جمعية وفاق: “أغلب النساء اللواتي يوافقن على الزواج في منزل العائلة، ليس لديهن الوعي بحجم المشاكل المترتبة على انعدام الخصوصية، ويرَينَ أن هذا حال الجميع، ويقبلن بالزواج بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، خاصة أنهن تربَينَ في عائلاتٍ تردد مقولة (احنا مش أحسن من غيرنا)، فثقافة الأهل السلبية تُعتبر إحدى مسببات وقوع العنف اللفظي والجسدي في كثيرٍ من الأحيان.
وترى البحيري إن السيدات أحيانًا يتسببن في استمرار العنف بحقهن نتيجة صمتهن على ما يحدث لهن، بحجة أنهن يُردن العيش مع أولادهن، ويتحملن كل الإهانات والتعنيف اللفظي والجسدي في سبيل ذلك، وهذا ما يجعل الطرف الذي يمارس التعنيف يتمادى أكثر، لأنه لم يجد من يصدّه ولاعتقاد الرجال أن المرأة كائن ضعيف، كما أن هناك نساء يبررن سبب القبول بالعيش في منزل العائلة لاعتقادهن أنهن سيتلقَينَ معاملة حسنة.
كما تسهم البيئة الاجتماعية المنغلقة في فلسطين عمومًا وقطاع غزة خاصة، باعتبار كل ما يجري داخل البيت أمرًا خاصًا في تهديد النساء المعنفات إن تحدثن عما يتعرضن له ويدفعهن للصمت، بهذا تختم “البحيري” حديث الوجع الذي يطحن فيه “بيت العيلة” أحلام الزوجات الشابات وخصوصيتهن وحرياتهن الشخصية.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.