قطعة كيكة صغيرة دمرت بيت كبير

رغدة ماضي

بتنهيدة عميقة، وكأنها تفتح أبواباً مغبرة أقفلتها منذ زمن، وعينان غائرتان يحيطهما السواد، وملامح شاحبة ووجه عبوس كأن البسمة لم تزره منذ زمن تقول عبير (اسم مستعار ) كنت في سن الـ(27) عاماً حينما تقدم لخطبتي شاباً قالت أمه لوالدتي أن عمره في بداية الأربعين ولديه شقة مستقلة، وأمضى حياته في العلم لذلك تأخر في الزواج فهو طبيب ولم يرد الزواج إلا بعد ما ينهي دراسته كلها وينهي دراسة الماجستير، والآن يعمل في إحدى المشافى المعروفة في قطاع غزة.

وتضيف عبير: “عائلتي في ذلك الوقت كانت ترى بأنني في عمر مناسب للزواج وأن الرجل مناسب لي وبدأ الجميع بإقناعي بأنه طبيب ومناسب، وأنني إذا لم أوافق لن اجد الرجل المناسب بعدها لأنني سوف أصبح في سن الثلاثين ولن يطرق أحد الباب بعد سن الثلاثين، كما أن لديهم إيمان بالمثل السائد ” ظل راجل ولا ظل حيطة ” وهو المثل الذي أوقع الذل والمهانة على الكثير من الزوجات وأجبرهن على تجرع كأس العنف ليل نهار”.

“..وبعد طول حديث ومناقشات وحوارات ومحاولات كثيرة لإقناعي وافقت على الارتباط بهذا الرجل ولكن انصدمت يوم كتب الكتاب بأن العريس يبلغ من العمر 47 عاماً حيث لم تصدق أمه في كلامها كما أنه ليس موظفاً كما ادعت فهو متطوع في المشفى فقط لاغير”.

لم يمض وقت طويل حتى تزوجت وقامت مراسم زفافي وبعدها بدلاً من أن أعيش شهراً من العسل في بيت الزوجية والعائلة الجديدة عشت شهوراً من الذل من الأشهر الأولى وبدأت المشاكل تكبر أكثر فأكثر بيني وبين حماتي وكانت دائماً تقول لي أنها تكرهني بسبب أن زوجي دفع لي مهر عالي، ولأنني في زياراتي لبيت أهلي وعودتي منه لم أجلب يوماً طعاماً مثل باقي سلفاتي، ولم تكتفِ بذلك بل أني تعرضت للعنف على يدها حين ضربتني وتعرضت ايضاً للعنف الفظي حين شتمتني أنا وأهلي بأقذر الشتائم لأنني قلت لها أن أهلي غير مجبرين.

وتقول بصوت متعب رغم كل ذلك لم يتدخل زوجي بيننا لأنني اكتشفت أنه ضعيف الشخصية أمام أهله ويعطي كل اهتماماته لوالدته ويلبي كل طلباتها ولكن على حسابي وعلى حساب راحتي فهو يضربني بناء على طلبها ويهينني لإرضائها، مضيفةً بانكسار أنه “حتى عندما عمل بضعة شهور على عقد بطالة بعد زواجنا كان يعطي الراتب لوالدته تنفيذاً لتعليماتها فهو أمام عائلته رجل مسكين لا صوت له ولا حضور،

تكمل عبير حديثها بنبرة مليئة بالأسى بعد تعرضها للعنف من الزوج وأهله فتقول كانت تكره حماتي أن يأتوا أهلي إلى بيتي وأكثر من مرة نوهت لي بهذا ولكن أنا لا يمكنني وقتها أن أقول لأهلي لا تأتوا لزيارتي، وبعد أن كانوا يذهبوا اهلي يقوم زوجي برضبي كثيراً حتى أنه كسر عصا المكنسة على جسدي في إحدى المرات، ولم يكتفِ بذلك حتى جاء بشبشب الحمام وضربني به على رأسي إلى أن أغمى علي  وتركني مغمى علي وخرج.

كان صوت عبير قد اختنق ولم تعد قادرة على الحديث وانفجرت باكية وأخبرتنا أنها في ذلك اليوم لم تفق إلا على صوت زوجها وهو يهز بها ويقول “قومي بدنا ننام مع بعض” وكأنه لم يحصل شيئ  طوال النهار وعندما قلت له أنني لست قادرة على المعاشرة وأنها متعبة جداً، ضربني وتعرضت للاغتصاب الزوجي ولاهانه

وأكملت حديثها: “في يوم قام بضربي كثيراً إلى أن اتصلت بوالدتي وأخبرتها أن تأتي إلى بيتي بسرعة، وجاءت ووجدتني مرماه على الأرض بعد كل الضرب، فهرعت إلى زوجي الذي كان يجلس في بيت عمي (حماي ) بجوار أمه وكانت الابتسامة مليئة على وجهه فقالت له أمي لماذا فعلت بابنتي هكذا فرد على الفور لأنها تستحق ذلك وأكثر وإذا لم يعجبك خذي ابنتك معك، كما تدخلت أمه في الحديث وقالت يا ابني طلق هذه المرأة وأنا سأزوجك وحدة أفضل منها.

تنهدت عبير بصوت عالٍ وقالت أنه في ذلك اليوم لم تستطع أمها أن تنقذ رغبة حماتها لأنها خافت أن يقول الناس بأن أمها سبب خراب بيتها وجاءت وسحبتها من منزل زوجها معها إلى البيت، لكنني أذكر أنني استنجدت بأمي كثيراً وهي لم توافق خوفاً من كلام الناس.

وبعد أن هدأت عبير وقررت إكمال حديثها أخبرتنا أنها حاولت أن تتاقلم لتعيش بشكل طبيعي وإصلاح الموقف بينها وبين زوجها لتعيش حياة سعيدة معه وتتغاضى عن الأيام السابقة لأنها لا تسطيع أن تختار سوى هذا الخيار، واستثمرت يوم ميلاده فقامت بمفاجئته بهدية وأعدت له قالب الكيك من مصروفها الذي كان يعطيها إياه وهو 50 شيكل شهرياً، وقامت بإعداد طاولة عيد الميلاد وإحضار الهدية وبالفعل احتفلا في عيد الميلاد واعتبرت الصفحة الماضية مطوية إلى أن قامت بتنزيل قطعة من الكيك الذي أعدتها إلى حماتها لتصلح الأمور بينهم فلم يعجب حماتها لأن قطعة الكيكة صغيرة، ونزل زوجي لها وبعد ساعة صعد إلى منزلنا وبدأ بمضايقتي من دون وجود أي سبب ومن ثم خرج إلى عمله.

قالت كلماتها ولم تتمالك نفسها لتبكي بحرقة وقهر قائلة: “كان جوال زوجي مع والدته فقامت بإرسال رسالة لي أن أخرج من بيتي إلى بيت أهلي ولا أعود مرة أخرى إليهن في حين أنني لم أريد الخروج من البيت إلا عندما يأتي زوجي ويقول لي ذلك بنفسه شخصياً إن أراد، لكنني ومن دون أي مقدمات وجدت حماتي في بيتي وبعد الاعتداءات وشتمي أنا واهلي قامت بسحبي وطردي في الشارع فطلبت منها أن تعطيني العباءة وحقيبتي التي فيها القليل من المال فقامت برميهم لي في الشارع فأخذتهم وذهبت لبيت أهلي”.

“..أمي كانت تنتظر تلك اللحظة أن يطردوني هم لكي تبقيني بين أحضانها ولا تجعلني أعود لهم مرة أخرى لأنها رأت ماذا يفعلون بي هؤلاء الوحوش، وهي تعلم كثيراً نظرة المجتمع لي بأني صغيرة في السن ومطلقة خاصةً أن مجتمعنا لا يرحم وتركت كل هذا الكلام ورائها من أجل كرامتي”.

وتابعت: “كنت مصرة أنا وأهلي على الطلاق من هذا الرجل بعد زواجي بستة أشهر وهم قبلو بالطلاق ولكن بشرط أن أتنازل عن كافة حقوقي ولا أطلب شيء منها وبدون تفكير قبلت أن أترك حقوقي لأحصل على الطلاق، ووقع الطلاق وتنازلت عن جميع حقوقي لهذا الرجل لاني لا أريد إلا التخلص منه، حيث كنت دائماً أحلم بزوج يحبني ويحفظ كرامتي أمام الجميع ويعاملني بما يرضي الله  ولكن قدر الله وما شاء فعل”.

تم إنجاز هذه المادة الصحفية من قبل مركز الإعلام المجتمعي، وبدعم مباشر من برنامج “سواسية” البرنامج المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”: تعزيز سيادة قانون في فلسطين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى