العنف الأسري مستديم في حياة منار
غزة_CMC_هبة كريزم
وكأن الزمن يعيد نفسه أمام عينيها، ما إن يتكرر الموقف حتى تعود بذاكرتها بما فعله والدها بوالدتها منذ الصغر، وتسترجع أدق التفاصيل الصغيرة من ضرب، وإهانة، وقسوة، وانعكاس ذلك على أخيها الذي تحول من طفل بريء إلى طفل يتحمل مسؤؤلية عائلة، ثم مريض نفسي يكرر ذات أفعال والده عليهم، ويمارس عنفه المتواصل بحقهم لكن بوجهٍ جديد وزمن جديد.
منار البالغة من العمر 25عاماً، تقول ” نعيش مع والدتنا في شقة صغيرة، ووالدي يعيش مع زوجته الثانية، ولا نراه في الأسبوع إلا مرة واحدة فقط، كنت طفلة تعايشت مع دموع والدتي الضعيفة المسالمة، وسبب حزنها مصدره الوحيد أبي، فهو رجل متسلط وعصبي جداً، فنشأنا وترعرعنا على صراخ أبي المستمر وقسوته على أمي”
وتضيف: “على الرغم من أن أبي يمتلك أملاكاً كثيرة، لا ينعم بها إلا أولاده من الزوجة الأخرى، إلا أنه حرمنا منها، وزوجته قاسية جداً، وتعامل أمي معاملة لا تختلف عن معاملة والدي لها، وكنا نعيش معها في بيت واحد، وكانت إلى جانب كرهها لأمي ولنا، تكره أخي الأكبر كرهاً منقطع النظير، وذات مرة صفعت والدتي على وجهها صفعة قوية، فنهض أخي وكان لا يزال طالباً في الصف الأول المتوسط، مدافعاً عن أمه، وبدأ بالصراخ في وجه زوجة أبي”.
تتابع: ” أرادت أن تضربه هو الآخر، لكنه أمسك بيدها ليوقف عدوانها عليه، وكان هذا توقيت دخول والدي للغرفة ، فكذبت زوجته وأخبرته بأن أخي تهجم عليها وأراد أن يضربها، فقام بطرده من المنزل، وهو لا يزال طفلاً صغيراً ، وعاش أخي مشرداً في الشارع لأسبوع، إذ كانت واجهة المحال غرفة نومه، خافت والدتي على أخي من العراء، فتوجهت لأحد أقاربنا وترجته لأن يأويه لفترة محددة وبعد محاولات عدة؛ وافق أخي أن يذهب إلى منزل صديقه، وعاش معه لسنة ونصف السنة، وأبي لم يسأل عنه”.
نجحت والدة منار في إعادته للمنزل، لكن أخوها لم يتحمل شجار والديها المتكرر، وظلمه الدائم، فقام أبوها بطرده مرة أخرى، وقررت والدتها بأن تلحق بابنها، فطردهم جميعاً والتجأنا إلى منزل خالي، ” إستاجر خالي لنا شقة صغيرة ، وواصل أخي الأكبر الدراسة صباحاً، وكان يعمل عصراً وليلاً لتأمين لقمة العيش، تحول من طفل إلى رجل يتحمل مسؤولية إعالة أسرة كاملة، ومع مرور الأيام زاد كرهه لوالدي”.
بعد أربع أعوام عاد والد منار لزيارتهم في شقتهم الجديدة، ولكن ما لم يتوقع ردة فعل أخاها الأكبر على تلك الزيارة ، فتقول ” جاء أبي بعد أربع سنوات من القطيعة، لزيارتنا في الشقة، فاستقبلته والدتي وكأنها أعلنت أن تسامحه وتصفح عنه، من دون أن يعلم أخي بذلك”.
تضيف ” ما إن علم أخى بزيارة والدي، جن جنونه، وأصبح يقسو على والدتي، ويصرخ في وجهها وهو في حالة هستيرية عارمة، لكن والدي استمر في زيارتنا مرة في الأسبوع فقط، ولكن من دون أن يصرف علينا “.
أكمل شقيق منار دراسته الجامعية وأصبح مدرساً، تزوج وأنجب أطفالاً، ” أخي حنون جداً ، وطيب ، لكنه حين يغضب يتحول إلى شخص آخر لا نعرفه، وتتجمع قسوة العالم في داخله ويتفنن في تعذيبنا وأذيتنا ، فهو شديد الحرص على أن يكمل إخوتي الدراسة ويقسو علينا من أجل تحقيق هذا الهدف”.
تتابع: “كأن الزمن يعيد نفسه من جديد، إذ تبدلت الأدوار، فحين نريد الخروج من المنزل يحدد لنا ساعة واحدة فقط، وإذا تأخرنا ولو لدقيقة واحدة يضربنا ضرباً قاسياً، وعندما يساعدنا في المذاكرة ولا نعرف الإجابة يضع السكين على النار ويحرق بها أجسامنا، وحين يضرب أحد إخوتي لا يتركه حتى تخرج الدماء من رأسه، ولا يتركهم إلا حين نتصل بأحد أصدقائه، ليحضر وينتشله ويخرج”.
لم تقف منار عاجزة أمام ما تتعرض له هي وأخواتها، لتتوجه إلى إحدى العيادات النفسية لشرح مرض أخاها على المتخصصين فتقول: “توجهت لإحدى العيادات النفسية لعرض حالة أخيها على دكتور متخصص، ليساعدهم في التعامل معه في حالات العصيبة، ومحاولة إقناعه بالعلاج لعيش حياته بطريقة صحية وسليمة”.
** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)