حُلم الدكتوراه يصارعُ صِبا في خيامِ النزوح

دير البلح – هيا بشبش

“نبني طموحنا ونبذلُ جهودًا للوصول إلى أهدافنا البعيدة، كم حاولتُ اختصارَ السنين بالولوجِ بين أسطرِ الكتبِ والبحث في سراديبِ العلمِ متجاوزةً الصعاب في سبيل تحقيقِ حُلمي لأكونَ واحدةً من أصغر حملةِ الدكتوراه سنًا في قطاعِ غزة، فجأة يُهدم كل ما بنيتُه أمام عيناي”.

بهذهِ الكلمات تحدثت الشابة صِبا بشبش (33 عامًا)، من سكانِ مدينة غزة، والنازحة برفقة عائلتها إلى خيمة في أحد مخيمات النازحين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تاركةً حُلمَ الدكتوراه خلفها.

“التاسع من أكتوبر 2023، كان يومًا يُفترض أن أقدمَ فيهِ الاختبار الشامل في جميع الفصول النظرية للدكتوراه، واختبار آخر بعدهً بيومين، جدول الاختبارات لطلبة الدكتوراه كان مزدحمًا، لكن كلنا صُدمنا واستيقظنا على كابوس”، تقول صبا وهي تجلسُ داخل خيمةٍ من القماش المهترئ.

وكان جيشُ الاحتلال الإسرائيلي، أعلن يوم 7 أكتوبر 2023 الحربَ على قطاع غزة، وباشر بقصف المباني فوقَ رؤوسِ ساكنيها، ويوم 13 أكتوبر أجبرَ مئات آلاف الفلسطينيين من سكّان شمال قطاع غزة على النزوحِ إلى الجنوب، في مخالفةٍ لاتفاقية جنيفِ الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب والتي حظرت التهجير القسري للمدنيين.

ويعاني آلافٌ من طلبة الدراساتِ العليا في قطاعِ غزة، عدم قدرتِهم على متابعة التعليم نتيجة انقطاعِهم عن المؤسسات الأكاديمية التي يلتحقون بها، كما فقدَ الكثيرُ منهم كتبهم ودراساتهم تحت أنقاض منازلهم التي دمّرتها آلةِ الحربِ الإسرائيلية.

عودة إلى صبا، وهي شابةٌ تعمل أخصائية نفسية مع مؤسسةِ أطباء حول العالم تركيا، أنهت دراسة البكالوريوس في تخصص الخدمة الاجتماعية عام 2012، من الجامعة الإسلامية، تبِعته بدبلوم عالٍ في الصحة النفسية لدى برنامج غزة للصحة النفسية عام 2015، ثم أتمّت الماجستير عام 2018، وباشرت عام 2021 التحضير للدكتوراه التي عرقلت الحربُ مسيرتها.

تقول صبا: “هناكَ أساتذةٌ استشهدوا، وكُتبي أصبحت تحت أنقاض منزلي الذي قصفه جيش الاحتلال، كنت أحتفظ بجميع كتبي العلمية من مرحلة البكالوريوس حتى الدكتوراه، جميعها فقدتُها”.

أما عن النزوح والذي يُعدُ التجربة الأقسى في حياتها، تروي: “خلال الأسبوع الثاني للحرب ومع زيادة وتيرة القصف، هاتفنا جيش الاحتلال وطلب منا إخلاء المنزل والانتقال إلى الجنوب، بدأ الحي بأكمله بالنزوح وأصبحت الشوارعُ فارغةً من سكّانِها، نزحنا إلى دير البلح وسط قطاع غزة، وبعد ثلاثة أيام عدنا إلى بيتنا في غزة ظنًا أن الخطر قد زال، لكن وجدنا أنفسنا وحدنا في الحي”.

بعد أسبوعٍ من المكوث بمنزلهم في حي النصر غرب مدينة غزة، هاتفهم جيش الاحتلال مجددًا، طالبًا منهم النزوح إلى الجنوب وأن هذا هو إنذارٌ أخيرٌ لهم، في تلك الليلة قصف الاحتلال الحي بالقنابلِ الدخانية والفسفور وبدأت الأحزمة النارية تضرب كل المنطقة!

تظهر علاماتُ الرعبِ على وجه صبا وهي تكمل: “هربنا إلى مستشفى الرنتيسي الذي لم يكن بمعزلٍ عن القصف، ومرة أخرى عدنا للنزوح إلى دير البلح، على أمل العودة قريبًا للمنزل، إلا أن حُلمنا تبدد مع قصفِ منزلنا وتدمير كل جهدنا وذكرياتِنا وأحلامِنا وأهدافنا التي نبنيها، لم يعد هناك منزل وتم تجريف الحي، وأبادَ الاحتلالُ جميع الطرق المؤدية إليه”.

وتنص المادة (27) من اتفاقية جنيفِ الرابعة، على أن الأشخاص المحميين بموجب الاتفاقية حق احترام شرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم، ويجب معاملتهم في جميع الأحوال معاملة إنسانية وحمايتهم من جميع أشكال العنف أو التهديد وعدم تخريب ممتلكاتهم.

فتحت صبا الكتاب الوحيد الذي نزح معها إلى دير البلح، تستطلع عناوينه وهي تقول: “أعلنت جامعات الضفة الغربية وجامعاتٌ أخرى، أن بإمكان طلاب جامعات غزة التسجيل والدراسة لديها عن طريق الانترنت، ولكن من الصعب جدًا التسجيل الالكتروني وذلك بسبب عدم توفّر الانترنت إلا في أماكن خاصة، وعادة تكون الإشارة ضعيفة، وعدم وجود الكثير من التخصصات المطلوبة في تلك الجامعات، من الصعب جدًا الدراسة عن طريق الانترنت”.

في ختام حديثها، تمنّت صبا انتهاء الحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها، وعودتها إلى مقاعد الدراسة لمواصلة الدكتوراه، فالقوانين الدولية تدعم حق الطلبة في مواصلة التعليم، تغمض عيناها بقوة وهي تقول: “أعيدوا لنا حياتنا، أوقفوا هذا الدمار”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى