“غول” السرطان يطارد سمية والتحويلة تأخرت
دير البلح- خديجة مطر:
تمرر السيدة سمية قاسم (59 عامًا) يدها على موضع الكتلة السرطانية في صدرها بينما تعضّ شفتها السُفلى بقوة وهي تتمتم “كبرت الكتلة ولم يتم استئصالها بعد”.
داخل خيمة شديدة الحرارة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تتكئ سمية على وسادة قديمة بعد أن أنهكها المرض، وهي تقول: “أنتظر منذ أشهر على أمل انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لأتمكن من الحصول على حقي في العلاج واستئصال الكتلة السرطانية، لا أمل لدي بالحصول على تحويلة طبية للعلاج بالخارج، ولا بوادر أملٍ لإتمام عملية الاستئصال هنا في منطقة نزوحي”.
في تفاصيل قصة سمية التي تعيل أسرةً مكوّنةً من (10) أفراد، فقد تم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي في بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكان يتوجّب عليها إجراء عملية استئصال ومتابعة بروتوكولات العلاج لكن كل هذا لم يحدث!
تقول سمية التي كانت تعيش في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة: “نزحت مع عائلتي منذ ستة شهور إلى مدينة دير البلح عبر الحاجز الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي على طريق صلاح الدين قرب دوار الكويت (المدخل الجنوبي الشرقي لمدينة غزة)، سيرًا على الأقدام لمسافة 10 كيلومترات، ومعي عائلتي ومن بينهم طفلتي جنى المصابة بمتلازمة داون (11 عامًا)”.
سارت العائلة في طريق الآلام نزوحًا من غزة إلى وسط القطاع من بين الجثث المتحللة ومخاطر الاستهداف، تحمل طفلتها معظم الوقت، شعرت بآلام في كتفها وصدرها، لكن كما تقول: “ظننتها أعباء رحلة النزوح أو سوء التغذية الذي عانيناه بسبب العدوان، لكن وضعي الصحي تفاقم لاحقًا وبدأت أخسر وزني، خسرت حتى الآن 25 كيلو خلال أربعة شهور فقط”.
قررت سمية المتابعة لدى مستشفى شهداء الأقصى، وبصعوبة استطاعت عرض حالتها على طبيب مختص، والذي طلب بعض الفحوصات التي أثبتت إصابتها بكتلة سرطانية في الثدي، بحاجة لعملية جراحية عاجلة لإزالتها، وهو أمرٌّ تكفله اتفاقية جنيف الرابعة كونها بالدرجة الأولى مدنية، وبالدرجة الثانية امرأة مريضة.
على مدار خمسة شهور، سعت سمية لإتمام عملية جراحية، أو البحث عن آلية للسفر خارج البلاد لمتابعة وضعها الصحي دون جدوى، مُردفةً :”مع توغّل الجيش الإسرائيلي في منطقتي الزوايدة والنصيرات، طلب الطبيب المشرف على حالتي استكمال بعض التحاليل في مستشفى الرازي الموجود وسط النصيرات، ونقل ملفي الصحي هناك، لكن خوفي بسبب استمرار القصف وإخلاء المنطقة من سكانها منعني من الذهاب”.
تمرُّ الأوقاتُ ثقيلةٌ عصيبة على قلب سمية التي تخشى استهداف المستشفى خلال تواجدها فيه كما حدث معها ذات مرة، فهي تحتاج إلى الذهاب هناك لإجراء الفحوصات والتأكد من عدم انتشار الكتلة السرطانية أكثر، تصل إلى هناك بعد انتظارٍ في طابورٍ طويل، يملأُ قلبها الخوف على حياتها والخوف على طفلتها جنى التي لا تريد تركها وحيدة.
ما يزيد حالة سمية سوءًا، هو واقع النزوح الذي فرضته الحياة اليومية على النازحات منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل سبعة شهور، من بينها صناعة الخبز وطهي الطعام، ففي ظل انقطاع غاز الطهي واستهداف المخابز وإغلاق معظمها، أو الوقوف في طوابير تمتد لساعات، بات البديل هو الجلوس لساعات أمام نيران الخشب أو الكرتون لإعداد الخبز والطعام.
تستذكر سميّة ما كانت عليه حياتها قبل الحرب من راحة وبساطة، ثم تغمض عينيها بحسرة، مستطردةً: “ما زاد وضعي الصحي سوءًا والتسبب بضيق التنفس والاختناق وآلام الصدر بشكل دائم؛ إيقاد النار والاضطرار لوضعِ قطعٍ بلاستيكيةٍ كي تشتعل النيران، كلُ شيءٍ تغيّر في حياتي، ولم يبقَ لي سوى الحسرة على صحتي ومشروعي الصغير الذي كنت أمتلكه والخاص ببيع الملابس”.
تسقطُ الدموعُ من عيناها وهي تكمل: “كان لديّ بيتٌ مليءٌ بالحب، والآن أنتظر في طوابير المساعدات كي لا نموت جوعًا، بينما لا أعرف شيئًا عن بيتي ومشروعي، هذا غير انتظار القدر كي يكتب لي السفر للعلاج والنجاة من موت محتم”.
وتكفل اتفاقية جنيف الرابعة الحماية المزدوجة لسمية وقت الحرب، كونها مدنية بالدرجة الأولى وامرأة مريضة بالدرجة الثانية.
سمية هي نموذج لما يعانيه مرضى ومريضات الأمراض المزمنة والخطيرة في قطاع غزة، ممن عجزوا عن إيجاد فرص للعلاج داخل القطاع منذ بدء الحرب، ولم يتمكنوا من السفر للعلاج بالخارج، تختم سمية: “إلى متى تبقى أرواحنا بلا قيمة ويُمارس ضدنا هذا التمييز”.