مباريات تحت القصف… ضربةُ حرة في وجه الحرب

دير البلح- فدوى عبد الله :

صفّق الجمهور بحرارة للاعب كرة اليد أحمد هارون وهو يخطو بكرسيه المتحرّك خطوات واسعة من وسط زملائه اللاعبين في الملعب معلنين انطلاق بطولة رياضية، داخل مستشفى ميداني بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة!

أحمد هو شاب مبتور القدم، كان لاعبًا لنادي خدمات النصيرات في كرة اليد (الهاندبول)، ويفتتح حاليًا بطولةٍ ينفذها المستشفى الميداني بمدرسة خديجة، بمشاركة 10 فرق رياضية من أطباء وممرضين ورجال أمن ومرافقي جرحي، في محاولة لإيجادِ طاقة إيجابية للجرحى والأطباء.

يقول معاذ وهو نازح من مخيم النصيرات إلى دير البلح بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: “لعب الكرة بعد أشهرٍ من الانقطاع هو تحدٍ كبير ونقلة نوعية بالنسبة لي، قبل الحرب كنت لاعبًا لنادي الأقصى الرياضي والكرة الطائرة بنادي الرباط الفلسطيني، وشاركت في العديد من البطولات الرمضانية، كان الدوري ممتعًا في منطقةِ سكنِنا وبين أهلٍ وأصدقاءٍ فرّقتهم الحرب”.

ورغم أن المشاركة في بطولةٍ بمركز إيواء ليست كما بين الأصدقاء، فكل لاعب الآن لديه همومه ومعاناته مع النزوح، لكن النشاط الرياضي من وجهة نظر معاذ هو أفضل طريقة للخروج من حالة البؤس التي يعانيها المتواجدون داخل وخارج هذه المراكز.

أما محمود الحملاوي (26 عامًا)، فكان لاعبَ كرةُ قدمٍبنادي الجلاء الرياضي بمدينة غزة، ونازحٌ الآن أيضًا، فيقول: “أبعدَتنا كرةُ القدمِ التي نمارسها الآن عن المأساة، هناك اختلافٌ في أهداف اللعب قبل وأثناء الحرب، فنحن نلعب الآن لتفريغِ الطاقةِ السلبية،والتعرّف على أصدقاء داخل مراكز الإيواء، وسابقًا كان بهدف التحدّي بين الأندية والأهل والأصدقاء، في بداية النزوح لم نكن قادرين على المشاركة بسبب كثافة القصف، والآن توفرت بعض الظروف في المستشفى ساهمت في هذه التجربة النوعية”.

افتُتِح الدوري بمباراة كرة قدم للناشئين، ومن ثم مباراة كرةُ قدمٍ لجميع الفئات، واختتم ببطولة كرة الطائرة، حيث شهدت المباريات تصفيقًا حارًا من الأهالي وهم يشجعون أبناءَهم، وتطوّرَ طموحُ الفرقِالرياضية بدعوة اللجنة الرياضية المنظمة للبطولة لعمل بطولات خارج مركز الإيواء، فالنازحين لديهم رغبة في اللعب، والجمهور يريد متابعة مباريات.

أنور عبد الله، هو أحد حكّام الدوري، وعضو اللجنة الرياضية التي أنشأت البطولة، ووضعت لها بعضُالقوانين والشروط لضمان نجاحها خاصة وأنها تجري بالكامل داخل المدرسة التي هي مركز إيواء لآلاف النازحين من عدة مناطق في قطاع غزة.

يقول عبد الله: “المدرسة مخصصة مستشفى ميداني للجرحى، وضعنا بنودًا للحفاظ على النظام، والقدرة على إتمام البطولة بيسر، وأن يتكوّن كل فريق من 7 لاعبين، حددنا جوائز رمزية للفرق واللاعبين الفائزين كتصنيف أفضل لاعب وأفضل حارس مرمى، شارك في كل بطولة من 8-10 فرق، وعلى هذا الأساس فالبطولة الأولى والثالثة نظام كأس (خروج المغلوب)والثالثة والرابعة نظام دوري (بعد انتهاء المباريات يتم تحديد الفائز بعدد النقاط)، بمشاركة فئات عمرية مختلفة”.

لم تقتصر الفرق المشاركة على اللاعبين، بل أيضًا الأطباء الذين يعيشون ذات الضغط النفسي للجرحى وعائلاتهم، هم يعيشون كل ظروف الحرب وأيضًا صعوبة الحالات التي تصلهم في المستشفى، فأصبحوا بحاجة إلى نشاط للتفريغ النفسي، وحال أصيب أحد اللاعبين في الملعب، يتدخلون فورًا لتقديم الإسعاف اللازم، يقول عبد الله.

المفاجأة الجميلة هنا، أن عائلات المشاركين في البطولات كانت تحضر لمشاهدة المباريات داخل أو خارج مراكز الإيواء حين يتم تنفيذ المباراة في مناطق النزوح المجاورة، ليصبح جمهور المدرجات مليئًا بالنساء والأطفال والشباب والشيوخ، والكلُ يشجع بحرارة، حتى أن الناس نسيت مؤقتًا إننا في حالة حرب.

كرم طفلًا كان يقف على سور الطابق الثاني بأحد مراكز الإيواء، يشاهد مباراة بين فريقين ممن شكّلهما المستشفى الميداني، يصفق بحماسٍ للاعبي كرة القدم، وكأنه داخل ملعب حقيقي، يقول: “كنت أتابع المباريات على التلفزيون في منزلنا مع العائلة، والآن أشاهد مباراة مباشرة داخل مركز إيواء، هنا أرى جميع اللاعبين ومتحمس لنهاية المباراة، لأن اللاعبين يسمعون تشجيعي، عكس متابعة التلفزيون، ليس لديّ رغبة أن أكون لاعبًا عندما أكبر فهم يتعرضون للإصابات، ولكن أريد أن أصبح حكمًا”.

“ما زال هناك حياة بحاجة للعناية”، بهذه المباراة ختم الحكم أنور عبد الله حديثه، فالحرب أمرٌ واقعٌ ولكن هناك حياة بين زوايا المستشفيات بحاجة للمزيد من الاهتمام والرعاية، وشغف الناس لحضور البطولة يعبّر عن الحاجة للتخلص من الضغط، والرياضة خير وسيلة لبناء جسر تفاهم صحي ودعم تفريغ الطاقة بشكل إيجابي، حيث يجري الآن الإعداد لبطولة رياضية أخرى في كرة اليد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى