العنف الأسري…حربٌ أخرى في خيمة سهر

رفح- هديل الغرباوي:

اتسعت عينا سهّر (اسم مستعار) عن آخرهما، وهي تستمع إلى صراخ زوجها الذي استشاط غضبًا في وجهها داخل الخيمة التي تأويهما لا لشيء سوى أنها تأخرّت على طابور المياه!

سهر (25 عامًا) هي شابّة كانت تعيش في مدينة غزة، أجبرت على النزوح إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع، وإجبار سكان شمال القطاع على النزوح جنوبًا، حيث تركت بيتها وتعيش الآن داخل خيمة تفتقد لأدنى أسباب الحياة الإنسانية، تعقّب سهر: “ذلّ النزوح وعنف من جميع الأطراف”.

تروي الشابة ذات العيون الواسعة قصتها منذ البداية حين تزوجت من فادي الذي جمعتها به قصة حبٍ تكللت بالزواج، وتُوّجت بإنجاب طفلتين الأولى ثلاث سنوات والثانية عامًا ونصف.

تقول: “عشنا في شقةٍ صغيرةٍ تناسب ظروف زوجي المادية، كنا ندخّر يومًا بيوم حتى أصبح لدينا أثاث بيتٍ بسيط، فقد كان عاملًا في أحد مولات غزة الشهيرة وبدخلٍ بسيط، والآن فقد عمله نتيجة النزوح”.

اغرورقت عيناها بالدموع وهي تستذكر: “علاقتنا أنا وفادي كانت جميلة، فهو زوج هادئ، حتى إن حدث وتشاجرنا، يبادر بالصلح، اعتدنا الخروج سويًا مع طفلتينا نهاية كل أسبوع، لم نكنّ نملّ أبدًا من حديثنا الروتيني، والآن كل شيء انقلب تمامًا”.

باتت علاقة سهر بزوجها الآن فاترة جدًا، تقتصر على رسائل نصية لاحتياجات الخيمة البلاستيكية على رصيف أحد طرقات مدينة رفح المهددة بالإخلاء، والتي نزحت إليها برفقة عائلة زوجها المكوّنة من والديه وجميع إخوته.

تكمل: “فادي فقد مصدر دخله، ويشعر أنه عالة، لماذا عليّ تحمّل عصبيته الشديدة ومزاجه المتعكّر دومًا وافتعاله المشاكل لأتفه الأسباب، والتماس العذر له بسبب ضيق ذات اليد والمعاناة التي طالت، لماذا عليّ أن أتحمّل عصبيته بسبب غلاء السجائر، فقد كان يدخّن بشراهة، ومن ثم يفرغ عصبيته بي وبطفلتينا فهو لا يملك ثمن سيجارة كاريلا التي يصل ثمنها نحو عشرة دولارات، شخصيته الجديدة خلال الحرب مختلفة عن فادي الذي أعرفه”.

ولأنها زوجة الابن الأول، تتراكم أدوار التنظيف وإعداد أرغفة الخبز لجميع أفراد العائلة على سهر، دون شكر أو تقدير من زوجها وعائلته، بل إنها أيضًا تصطف في طوابير المياه وطوابير استلام الطرود الغذائية، بذريعة إنها سيدة وستنتهي أسرع من الرجل، أُجبرت الشابة على التخلي على ثيابها المعتادة، والتقيّد طوال الوقت ليلًا ونهارًا بثوب الصلاة.

تكمل: “ومجرد أن أشتكي إلى زوجي يبدأ بالصراخ عليّ ويقول ماذا أفعل لك، ليس معي أموالًا لأحضر لك خيمة لوحدك”، تزيد والدموع تتدفق من عينيها: “أعلم أنه مضغوط ولكن نفسيتي وصلت لوضع كارثي أصبحت دائمة العزلة والبكاء، ولا أجد من يسمعني”.

حاولت سهر التواصل مع عائلتها كي تذهب إليهم في خيمتهم غاضبة مما يجري معها، ومحاولة استرداد كرامتها، كان ردّهم أنها في النهاية ستعود إليه، وعليها السعي لإرضائه، وعندما اشتكت من العنف المستمر ضدها، تم توجيه اللوم لها، تعقّب: “سألوني لماذا عنفني، بعيدًا عن حقي في العيش بكرامة حتى لو كنا في حرب ملعونة”.

ضرب الفتور علاقة سهر وفادي، واستمرار الحرب وعدم وجود مكان خاص يجمعهما باعد التفاهم وحلّ النفور مكانها كما تعتقد.

منذ بداية الحرب تتغاضى سهر عن إهانات زوجها المتكررة وانفعالاته الشديدة وسبابه وشتائمه، بل والزجر واللعن، تصمت محاوِلة إقناع نفسها إنها ليست المقصودة بل هو يفرغ غضبه وكل مبتغاه ضرب الواقع المرير بحذائه.

لكنها تستدرك: “لست قادرة على الاستمرار في هذه الحياة الموحشة وتلقّي الصدمات من زوجي، ما زلت أحتاج إلى الجلوس مع نفسي ولو لدقائق لتفريغ أحزاني التي تثقل قلبي، ولكن ليس باليد حيلة، فلا يوجد سوى هذه الخيمة التي تأوي ثلاثين فردًا من عائلة زوجي، أحنّ إلى بيتي البسيط، مملكتي المتواضعة ولكن ماذا عساي أن أفعل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى