بسمة التي حملت “لحم إخوتها” ترفض “الراية البيضاء” وتكافح لإعالة أسرتها

تكافح لإعالة أسرتها

بسمة التي حملت “لحم إخوتها” ترفض “الراية البيضاء”دير البلح – هبة الشريف

قبالة رصيف أحد طرق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تقف الشابة بسمة الشاويش (20 عامًا) أمام طاولة تبيع عليها منتجاتها من فتة الحمص وحولها الكثير من الزبائن الذين طاب لهم ما تصنع.

لكن الشابة النازحة من مدينة غزة تخفي خلف جَلدِها مأساة بدأت منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عانت خلالها آلام الفَقد والنزوح وتدمير البيت، في حرب تركت آثارها الثقيلة على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، خاصة لقمة العيش التي باتت غاية في الصعوبة!

“أعمل كي أنفق على عائلتي بعد استشهاد والدي واثنين من إخوتي، فلا يمكن أن نكون عالة على أحد وأنا الأكبر سنًا لأمي”، تقول الشابة بسمة التي تدرس في السنة الثالثة من تخصص المحاسبة.

كانت بسمة تعيش في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، قبل أن يتمكن والدها من امتلاك بيت في منطقة جحر الديك شرق المدينة وتجهيزه والانتقال له قبل الحرب بيومين فقط.

تكمل: “أحضر والدي للبيت كل ما ينقصه من طعام واحتياجات، لم تكن المياه متوفرة فاضطر إخوتي لنقلها بواسطة الدلاء (جرادل بلاستيكية)، كنا فرحين ببيتنا الجديد ولا ندري أن منطقتنا الجميلة على موعد مع الخراب”.

مع بداية الحرب باغت بيتهم صاروخًا خلال قصف الاحتلال لمربع سكني كامل في منطقتهم، وانهار البيت الجديد على رأس من فيه، “لم أشعر سوى بأن الجدران سقطت، أسرعت لأمي ووجدتها تحت الركام مغشيًا عليها، بينما هرع والدي لرفع الردم عن أجسادِنا، صرخت دون وعي أين إخوتي”، تقول بسمة.

ما إن نظرت خارج المنزل حتى رأت أبشع منظر يمكن أن تسقط عليه عيناها، والدها يجري حامل أخيها، تعقّب ودموعها تسقط بغزارة :”كان لحم أخي يتساقط وأنا أجري من خلفه ألملم لحم أخي، ثم تركناه بجانب البيت لتفقّد البقية علّهم يكونون على قيد الحياة، وصُدمت حين وجدت أختي غزل (14 عامًا) تحت الركام ورأسها قد شق نصفين”.

صرخت بسمة بأعلى صوتها (غزل)، وحين حاول والدها انتشال الطفلة وجد جسدها أشلاءً، لأربع ساعات كان من بقي من أشقائها يصارعون الموت دون أن يصل إليهم أحد، قبل أن تصل سيارة إسعاف ساعدت في نقل الشهداء ودفنهم.

سرعان ما نزح غالبية الناس من شمال قطاع غزة إلى جنوبه مع تزايد التهديدات الإسرائيلية، وتبدّلت أحوال غزة من حياة هادئة مستقرة إلى مدينة يتهدد سكانها الخطر، فنزحت عائلة بسمة إلى حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ولما اشتد القصف، نزحوا إلى منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، حيث عمل والدها في فرن لينفق على عائلته، بينما اضطروا للنزوح مجددًا إلى دير البلح.

تشرح: “مع صعوبة توفير الطعام، خرج والدي مع أحد أقاربنا للبحث عن خبيزة لكنه لم يعد، لم نترك مكانًا إلا بحثنا فيه دون جدوى، وبعد ثلاثة شهور ثم العثور على جثته في أكياس النفايات مع غيره من الجثث في منطقة المغراقة!”.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد بلغهم خبر استشهاد جدها لأمها، وحال إغلاق الطرق دون توديعه، وبينما بسمة وأمها تبكيان كل من فقدوهم، كان عليها الكفاح مجددًا من أجل إعالة من بقي على قيد الحياة من إخوتها، في ظل الارتفاع الشديد في الأسعار.

توضح بسمة: “عرض عليّ أحد المعارف بيع الملابس، وأقنعت والدتي بذلك، ثم جاء شهر رمضان وبدأت بعمل فتة الحمص كطبق يشتهيه الناس مع قلة الإمكانات وبالفعل بدأت العمل”.

كان الأمر صعبًا في البداية، فليس من المعتاد أن تعمل شابة على البيع في الطرقات، صارعت خوفها من نظرة المجتمع والسعر المضاعف للوجبة بسبب ارتفاع تكلفة المواد الغذائية وانقطاع غاز الطهي ما جعلها تعدّ الوجبات على النار.

توضح: “يستغرق الأمر منّي يومًا كاملًا منذ الفجر حتى المساء، لكن كل هذه المتاعب هانت حين وجدت إقبال الناس الكبير، ووفرت للعائلة مصدر دخل والاحتياجات الأساسية”.

دون جدوى، تحاول بسمة تناسي مشاهد الموت ولحم أشقائها الذي قطّعته الصواريخ، فهي المعيلة الوحيدة للأسرة المكوّنة من 6 أفراد، وما زالت تؤمن بقدرتها مستقبلًا على إكمال دراستها في تخصص المحاسبة ودفع إخوتها للأمام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى