ما دور الصحفيين في مكافحة الشائعات على منصات التواصل؟
رغم أهمية الدور الذي تلعبه منصات التواصل الاجتماعي على اختلافها في نقل الأخبار وتقديم تسهيلات للصحفيين في الوصول إلى مصادر المعلومات، إلا أن تلك المنصات تعد بيئة خصبة لتداول الشائعات ونشرها من وجهة نظر كثيرين.
وبناء على ما سبق، تبرز تساؤلات عدة أهمها: هل هناك مسؤولية تقع على عاتق الصحفي في مكافحة الإشاعة، خاصة تلك التي تلقى رواجا على منصات التواصل؟ وما أهمية أو دوافع تلك المسؤولية التي قد يحملها الصحفي؟ وهل هناك دور استباقي يتوجب على الصحفي ممارسته من أجل مواجهة المعلومات المفبركة؟.
ترى الصحفية نور أبو عيشة أن دور الصحفي لا ينفصل عن دور الجهات الرسمية في مكافحة الإشاعة ووقف انتشارها، “الاثنان مكمّلان لبعضهما البعض”.
وتقول أبو عيشة لــشبكة الصحفيين الدوليين “مصطلح السلطة الرابعة لم يطلق عبثا على الصحافة، فدور الصحفي يتثّمل إلى جانب المبادئ والمهام الأساسية، في توعية وتوجيه الجمهور وتنويرهم بصحة المعلومات والبيانات المنتشرة في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية؛ وهذا يأتي في إطار مكافحة الأخبار الكاذبة والترويج للرواية الصائبة”.
“المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن يتحلى بها الصحفي ويلتزم بجميع مفاهيمها من: صدق ومهنية وموضوعية، من أبرز الدوافع التي تدفع الصحفي للمشاركة في مكافحة الشائعات بغض النظر عن مصدرها”، تضيف أبو عيشة.
وتبين أن الصحفي دائما مطالب بنشر الأخبار الصحيحة الموثوقة واضحة المصدر، فهو بحكم علاقاته وقربه من المشهد، قد يكون قادرا على معرفة طبيعة المعلومات التي قد يستغلها البعض من أجل ترويج الإشاعات، أو تزويرها بما يخدم مصالحهم، وقد تمر إليه الشائعة قبل انتشارها للجمهور.
وفي ضوء ذلك، يتوجب على الصحفي أن يكون سريعة البديهة وفي حالة يقظة دائمة، وأن يلعب دور الحارس الذي تفرض عليه مسؤوليته الاجتماعية حماية وسائل الإعلام أولا، والجمهور ثانيا من انتشار الأخبار الزائفة.
ويمكن -والحديث لأبو عيشة- تصنيف أسباب انتشار الشائعات عموما وعلى منصات التواصل خصوصا إلى أربعة عوامل:
- طبيعة المجتمع الذي تنتشر فيه، إن كانت البيئة خصبة أم لا، وخصائص الجمهور المتلقّي هل يمكن توجيهه بسهولة وتمرير المعلومات المغلوطة عليه دون وجود حالة من الشك حول صحتها.
- عوامل مرتبطة بأهداف ومصالح الأطراف التي تروّج لهذه الإشاعات.
- تأخر صدور أو غياب الرواية الرسمية ما يشكّل ضوء أخضر للإشاعة يساهم في عملية تمريرها.
- غياب الضوابط الناظمة للصفحات الإخبارية في منصات التواصل الاجتماعي، خاصة إذا تزامن ذلك مع افتقار بعض العاملين في هذه الوسائل لمبادئ مهنة الصحافة، فلا يدركون أهمية المصداقية والموضوعية عند نشر المواد والمعلومات، وبذلك قد يمررون سواء بوعي أو بدون وعي الإشاعات.
المصداقية أولا
أما المحرر الصحفي إبراهيم مقبل فيرى أن الشائعات عبر منصات التواصل بمثابة ضربة لمصداقية العمل الصحفي والإعلامي ككل، لذلك من الواجب أن يحرص الصحفي على مكافحتها انطلاقا من مبادئ العمل الإعلامي، مشيرا إلى أن الشائعات التي تتخذ من منصات التواصل موطنا لها أشد سلبية في نتائجها، نظرا لحجم المتابعة التي تحظى بها وسائل التواصل مقارنة بالوسائل الأخرى.
وهل هناك دور استباقي يتوجب على الصحفي ممارسته سعيا لمكافحة الأخبار المفبركة؟ يجيب مقبل على سؤال شبكة الصحفيين الدوليين “الصحفي بما يملكه من أدوات تواصل يمكنه استباق الأحداث عبر وضع أجندة لما يحتاجه الناس من معلومات، فالكثير من الشائعات تنجم عن تطلع المواطنين لهمس خبر يتعلق بالقضية ما”.
وينصح مقبل الصحفيين باتباع سلسلة خطوات للتحقق من معلومة أو مكافحة إشاعة، تبدأ أولا بالتأكد من مصدر المعلومة إذ لم تكن منسوبة لمصدر رسمي داخل الدولة والرجوع إليها في الموقع المنقول عنه إذا كانت منسوبة لمصادر خارجية، ثم الإسراع في البحث ونشر المعلومة الحقيقية إذ تبين عدم مصداقية المعلومة المتداولة بين رواد منصات التواصل.
ومن أجل التعامل الجيد من الشائعات، يؤكد مقبل أهمية اتقان الصحفي مهارات البحث الإلكترونية والوصول السريع للمعلومة وامتلاك الرغبة الدائمة في معرفة التفاصيل الخفية وعدم التسليم بكل ما يُقال، وكذلك ينصح بالتواصل هاتفيا مع مصدر الإشاعة “فقد يكون حساب من تنقل عنه مخترقًا”.
كما يتطلع –والحديث لمقبل- لدور أكبر لإدارات مواقع التواصل في إيجاد خوازميات للحد من انتشار الأخبار الزائفة وحظر أصحاب الحسابات الكاذبة ممن يروجون الشائعات.
من جهته، أكد الصحفي محمد أبو حية أن الاهتمام بالبحث عن الحقيقة يجب أن يكون على رأس أولويات الصحفي، وبناء على ذلك يتوجب عليه في حال رصده لخبر أو تصريح على منصات التواصل ومشكوك في صحته، التحري وإفادة مؤسسته الإعلامية بالتفاصيل، وكل ذلك من باب المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والمهنية.
ويتفق أبو حية مع زميليه على أن الصمت الإعلامي تجاه الأحداث يساهم في نشر الشائعات، وعلى ذلك يعلق أبو حية “عدم التعليق وغياب المعلومة من الجهات المختصة يسهم باختلاق الأكاذيب وتزوير الحقائق، وغياب قانون رداع لمن يروج الشائعات وقصور المحاسبة الاجتماعية والقانونية، وامتلاك خاصية النشر لأي فرد بغض النظر عن وصفه، كل ذلك يسهم بنشر الشائعات بمنصات التواصل”.
ومن واقع التجربة يتحدث أبو حية عن كيفية التحقق من الأخبار الزائفة وتبيان الحقيقة، قائلا “في بداية الأمر أجري اتصالات بجهات الاختصاص للاستفسار عن المعلومة واستيضاح تفاصيلها، ثم أنشر ما توصلت له من حقائق على وسيلة الإعلام التي أعمل لصالحها وأيضا على حساباتي الخاصة، وأحيانا أتواصل مع مصدر الإشاعة وأوضح له الأمر”.
وينصح أبو حية الصحفيين بالاختلاط الدائم في ساحة الأحداث ومتابعة المصادر والحسابات الموثَّقة للمؤسسات والجهات المسؤولة المتوفرة على منصات التواصل، وأيضا تعزيز العلاقات مع جميع الفئات المجتمعية دون استثناء مما يساعد في سرعة نفي الإشاعة مع تقديم المصداقية والموضوعية على السبق الإخباري.
المصدر : شبكة الصحفيين الدوليين